من أين جاء السيسي بورقة التفاوض المطروحة للوساطة؟

- ‎فيتقارير

استلم الجنرال السيسي ورقة جاهزة من إسرائيل وما عليه إلا أن يقدمها إلى المقاومة التي تذيق العدو الصهيوني ويلات الخسارة، ويحاول أقناع المقاومة بقبولها، وربما إيصال رسالة تهديد في حال عدم قبولها، ومن وراء السيسي تقف الإمارات متحمسة جدا خلف الكواليس؛ لمناقشة اليوم التالي بعد الحرب على غزة من أجل التأكد من عدم تولي حماس للحكم في القطاع وإحلال السلطة الفلسطينية بدلا عنها.

 

من إنجازات حماس أنها صمدت حتى الأن أمام ماكينة القتل الصهيوأمريكية المدعومة من أموال دافعي الضرائب الأمريكية. وأيضا في تصفية كل الجواسيس داخل غزة؛ ما اعتبره متابعون إنجازا كبيرا يصعب تنفيذه، مثلا في مصر التي يتولى الحكم فيها شخص مشكوك في ولائه لها.

 

 لم يسمع المصريون خلال العقد الأخير عن القبض على أي جواسيس من أي جنسية؛ بل تم القبض واعتقال كل من له خلفية دينية ويقول كلمة حق، ومن هؤلاء الذين قالوا إن “التفريط في غاز مصر خيانة” أو أن ” تيران وصنافير مصريتان”، رغم أن تلك هي الحقيقة ولكن من يقول ذلك فهو خائن حسب مفهوم عصابة الانقلاب!

 

والحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مذعور من انقلاب داخلي عليه، وجيشه مرهق وجنوده يطلبون الإخلاء، وقوات النخبة ضربت، كما أن “بايدن” طلب صيغة لوقف الحرب، وإسرائيل ستقدم تنازلات لم تعهدها، والمقاومة تقاتل بضراوة غير مسبوقة، وجرائم الاحتلال باتت عبئا عليه وسيفا مسلطا لمحاكمة مسؤوليه.

 

إسرائيل على أبواب حرب داخلية ضارية، ستبدأ بإقالة نتنياهو ومحاكمته، ومحاسبة كبار القادة على هزيمة ٧ أكتوبر، والفشل في الحرب، والأهداف التي لم تتحقق، وتضليل الرأي العام، والخسائر الاقتصادية، وإفلاس الشركات، وانفلات المستوطنين، والتصعيد في الضفة والقدس والشمال، وعدم الاستقرار، وصراع الساسة على النفوذ، وانحسار الدعم الدولي، وتزايد الملاحقات القانونية الدولية.

الحرب دخلت مرحلة الانكفاء، والاحتلال يتجرع سم الهزيمة، وغزة ستحتفي بنشوة انتصار رغم كل الآلام، فلأول مرة منذ ٧٥ عاما ضربت إسرائيل على رأسها وكسرت شوكتها، ووضعت المقاومة حدا لعربدتها، وقابل الأيام في جعبته كثير.

 

من جهته، كتب البروفيسور والمستشرق الصهيوني ميخائيل ميلشتاين مقالًا يوم 17 أكتوبر في صحيفة يديعوت أحرونوت بعنوان “من سيحكم غزة.. هذه هي الخيارات، وكلها سيئة”.

ولعله كان من أوائل من تطرقوا إلى هذه المسألة لدى قادة الاحتلال وخبرائه، مستغلا خبرته المعرفية الاستشرافية التي شكّلها عن المجتمع الفلسطيني.

استهل ميلشتاين مقاله بالتشكيك في إمكانية القضاء على حماس، إلا أنه في حال نجاح الاحتلال في القضاء عليها وهو الأمر غير مؤكد، فإنّ أمامه 4 خيارات لمستقبل غزة، اثنان منها سيئان، واثنان أكثر سوءًا.

أما الأكثر سوءًا والواجب الامتناع عنهما، فهما

1- احتلال قطاع غزة من جديد، وحكم إسرائيلي مستمر، وهذا الخيار سيكون له ثمن باهظ أمنيا واقتصاديا وسياسيا، وهو شبيه لما حدث مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

2- القضاء على حكم حماس والخروج سريعًا من غزة، وهذا سيخلف وراءه فراغًا سرعان ما يتحول إلى فوضى خطيرة أمنيا.

والأقل سوءًا:

1- إعادة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، ولكن تحقيق هذا الخيار يتطلب أن تتخلص حكومة إسرائيل من تصور أنّ السلطة الفلسطينية عدو أسوأ من حماس.

وأيضا لا يبدو أنّ السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية بصعوبة ستكون معنية بتولي هذه المهمة المعقدة، وإذا قبلت بهذه المهمة “على ظهر دبابة إسرائيلية”، فليس معلومًا كم من الوقت ستصمد.

2- بلورة نظام سياسي بديل يدير غزة بناء على قيادات محلية (رؤساء بلديات، وجهاء، عشائر) بمشاركة السلطة الفلسطينية ودعم خارجي من مصر.

وعلى الرغم من أنّ “ميلشتاين” يبدي ميله للخيار الأخير كأقل خيار سوءًا، فإنه مع ذلك يشكك في إمكانيته أيضا، ما يعنيه ذلك هو أنه كان واضحًا منذ البداية بأن الخيارات المطروحة أمام الاحتلال لمستقبل غزة قليلة وصعبة، إن لم تكن مستحيلة التحقيق.

غير أن إسرائيل بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول غربية من أهمها بريطانيا وألمانيا حاولت طرح هذه الخيارات وغيرها، فمع كل مرة تتبين فيها استحالة أو صعوبة أحد الخيارات تنتقل هذه الدولة إلى خيار آخر.