هل تحكم “العدل الدولية” اليوم بوقف إطلاق النار في غزة؟

- ‎فيتقارير

تصدر محكمة العدل الدولية في لاهاي، اليوم، قرارها في الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تتهم فيها الكيان الصهيوني بارتكاب أعمال إبادة جماعية لأبناء غزة في العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال ضد أبناء غزة قبل 111 يوما شهدت نزوح 1,7 مليون شخص، ووصول عدد الشهداء إلى 25900 شهيد و64110 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي، كما تم تدمير 88 مدرسة، بما نسبته 90% من مدارس القطاع.

 

البداية كانت في 29 ديسمبر 2023، حين قدمت جنوب أفريقيا طلبا لإقامة دعوى ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، وطالبتها بأن تصدر أمرا بوقف عاجل للحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.

 

ورفضت إسرائيل الاتهامات بالإبادة الجماعية، ووصفتها بأنها “مشوهة بشكل صارخ”، وقالت إن لديها الحق في الدفاع عن نفسها.

 

ويأتي إصدار الحكم، اليوم، في الوقت الذي تنظر فيه محكمة فيدرالية أمريكية، اليوم  الجمعة، أولى جلسات دعوى تتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزيري الدفاع والخارجية بحكومته بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعية بقطاع غزة.

 

كما يتزامن إصدار الحكم مع تقدم 600 محام أدلة ضد الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة والتطهير العرقي.

 

وجاءت الدعوى التي أقامها المحامون عقب اجتماعين منفصلين عقدهما المحامون مع كل من مكتب المدعي العام للمحكمة وقسم الضحايا التابع لها، وكان هذا الفريق الذي يقوده المحامي الفرنسي جيل ديفير قدم للجنائية الدولية في نوفمبر الماضي دعوى تقع في 56 صفحة للمطالبة بفتح تحقيق في الوقائع المنسوبة لجيش الاحتلال في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ويتتبع نص الدعوى خيوط القضية منذ بدايتها، انطلاقا من فترة الانتداب البريطاني ووعد بلفور ثم نكبة الشعب الفلسطيني، والحروب الإسرائيلية العربية المختلفة واتفاقيات أوسلو عام 1993 والحصار المفروض على قطاع غزة وعملية طوفان الأقصى، ثم الحرب المستمرة على القطاع.

 

وتجتمع محكمة العدل الدوليّة، في الواحدة ظهر اليوم جلسة نطق قرار القضاة الخمسة عشر، بعد مداولات استمرت أقل من أسبوعين. ومن المتوقع وجود عدد من المتضامنين مع القضية الفلسطينيّة أمام مبنى المحكمة وشخصيات سياسيّة. كما سافرت وزيرة العلاقة الدولية والتعاون (الاسم الرسمي لوزيرة الخارجية) لجنوب أفريقيا ناليدي باندورا، الأربعاء، إلى لاهاي لحضور جلسة المحكمة التي اعتبرت “تاريخيّة” كونها قد تُمهد لمحاكمة إسرائيل خلال السنوات القادمة، وتُعرف عن الوزيرة مواقفها المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني منذ سنوات وفي أكثر من مناسبة دوليّة.

 

وتوقع إعلام عبري أن يصدر قرار المحكمة الدولية اليوم ضد إسرائيل وسيتضمن هذا القرار وقف الأعمال القتالية وإرسال لجان تحقيق لغزة وهي القرارات التي لن تحترمها إسرائيل ولن تنفذها مما سيدفع المحكمة الدولية بأن تلجأ إلى مجلس الأمن لإجبار إسرائيل على وقف القتال وستقابل هذه الخطوة بفيتو أمريكي للرفض.

 

من جانبها أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، أمس، أنه في حال صدور القرار عن المحكمة في لاهاي بوقف إطلاق النار فإن الحركة سوف تلتزم بوقف إطلاق النار ما التزم العدو بذلك، مشددة على أنها ستطلق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها إذا اطلقت دولة الاحتلال سراح الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لديها.

وأشارت الحركة التي تقود المقاومة الفلسطينية بتفوق واضح، إلى ضرورة إنهاء العدو الصهيوني حصاره المستمر منذ 18 عاماً على غزة وإدخال كافة المساعدات اللازمة لإغاثة السكان وإعادة الإعمار.

 

يذكر أن قرارات المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف لكنها لا تستطيع تنفيذها، وليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بها، لكن من شأن مثل هذا الحكم أن يضر بسمعة إسرائيل ويشكل سابقة قانونية في حال عدم التزامها به.

ويرجح قانونيون أن تقبل المحكمة الطلب أو على الأقل عددا من البنود التسعة منه.

 

وقالت المحامية عبير بكر، في تصريحات صحفية، إن “إسرائيل لم توفر أي سند قانوني مقنع لدحض ادعاءات الفريق الجنوب أفريقي بالحاجة لاستصدار أوامر او تدابير مؤقتة، فالمدنيون يقتلون كل يوم والحرب مستمرة والأوضاع ما زالت كارثيّة ولم يحصل أي تحول جذري منذ تقديم الدعوى وحتى موعد انعقاد الجلسة”.

 

وأشارت بكر إلى ضرورة النظر للسياق الذي تأتي فيه هذه الحرب، إذ “ركّز الرد الإسرائيلي على حق إسرائيل بالدفاع عن النفس وحصر الأمور بيوم 7 أكتوبر وما يليه، حتى لو أردنا أن نرى العدوان الإسرائيلي بسياق الدفاع عن النفس، وجب على الإسرائيليين أن يوضحوا ضمن أي قوانين. احتلال؟ نزاع مع منطقة إقليميّة محاذية؟ مع دولة؟ مع ماذا؟ هل يمكن حقًا التعامل مع علاقة استخدام القوة مع غزة فقط من مبدأ الدفاع عن النفس دون وضعه بالسياق القانوني الأكبر وهو الاحتلال”؟

 

وأضافت أن “علاقة إسرائيل بغزة لم تبدأ يوم 7 أكتوبر الفائت، وأن وضع السياق لا يأتي كمحاولة لتبرير الجرائم ضد المدنيين الإسرائيليين في ذلك اليوم، بل لأنه قد يكون السؤال الأول الذي يجب فهمه هل الاحتلال أو السيطرة الإسرائيلية على غزة قبل السابع من أكتوبر قانونيّة؟ وإن كانت الإجابة نعم، عندها نلجأ لبحث موضوع الحق بالدفاع عن النفس، فحتى مالكم شو (المحامي البريطاني ضمن طاقم الدفاع الإسرائيلي)، تهكم على موضوع السياق ولم يوفر أي إجابة عن السؤال القانوني الأهم حول الفضاء القانوني الذي استمد منه مبدأ الدفاع عن النفس في الحالة العينية”.

 

وأكدت أن موقف جنوب أفريقيا بوضع النقاش القانوني ضمن سياق الاحتلال هو أمرٌ صائبٌ، وذلك “ليس لأنه عاطفي أو سياسي وإنما لأنه قانوني”، مضيفة “حتى تبحث المبرر لاستخدام الدفاع عن النفس أنت بحاجة أولا لتعريف الوضعيّة القانونيّة للمنطقة المهاجمة”.

 

يُذكر أن محكمة العدل الدوليّة ستعقد جلستها في 19 فبراير بقضية طلب استصدار مذكرة قانونيّة حول مدى قانونيّة الاحتلال الإسرائيلي المستمر، ويشمل ذلك في صيغته الحالية قطاع غزة على الأقل حتى السادس من أكتوبر، أي قبل اندلاع الحرب على غزة.

 

وبدا “دفاع” دولة الاحتلال في لاهاي مرتبكاً أمام قوة حجة جنوب أفريقيا، في الاتهام الأول من نوعه لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية في العالم.

 

وبحسب مدير مكتب “نيويورك تايمز” في القدس المحتلة، باتريك كينغسلي، فإن الأوامر السرّية التي سمحت حكومة الاحتلال بالكشف عنها، تقول إنها تدحض تهمة الإبادة، وبدل ذلك، تُظهر المجهود التي تبذله إسرائيل، لتقليص عدد الوفيات بين المدنيين في غزة، جرّاء عمليتها العسكرية.

 

وقالت “نيويورك تايمز” التي اطلعت بحسب مراسلها على نسخ من الوثائق، إن معظم دعوى جنوب أفريقيا ترتكز على تصريحات “نارية” لمسؤولين إسرائيليين، تقول بريتوريا إنها تشكّل أدلة لنية ارتكاب إبادة. ولفتت الصحيفة إلى أن جزءاً من دفاع إسرائيل هو إثبات أنه مهما قال المسؤولون الإسرائيليون أمام العامة، إلا أنه جرى نقضه من خلال القرارات التي اتخذتها حكومة الحرب الإسرائيلية، والقيادة العسكرية.

 

وقتلت إسرائيل في حربها على غزة، أكثر من 25 ألف غزّي، منذ 7 أكتوبر، أي واحدا من أصل كل مائة غزّي مقيم في القطاع، وذلك وفقاً لتعداد المسؤولين الصحيّين في غزة. كما أنها دفعت إلى نزوح حوالي مليوني فلسطيني في القطاع، وألحقت أضراراً بمعظم مبانيه، وفق الأمم المتحدة.

 

واتفاقية جنيف لمنع جريمة الإبادة الصادرة عام 1948، والتي تتهم جنوب أفريقيا إسرائيل بخرقها، لا تعرّف الإبادة فقط بأنها قتل أعضاء مجموعة إثنية أو وطنية محدّدة، بل إنها تقول إن قتلهم يجب أن يكون تمّ بـ”قصد القضاء” على هذه المجموعة، أي أن كلّ شيء “يرتكز على القصد (النية)”، بحسب جانينا ديل، الأستاذة في جامعة أكسفورد، كما أوضحت لـ”نيويورك تايمز”. ولذلك تركز جنوب أفريقيا، ليس فقط على ما فعلت إسرائيل، بل ما قاله قادتها ومسؤولوها. أما أوراق دفاع إسرائيل الـ400، فتتضمن ما تقول تل أبيب إنها أدلة بأنها سعت إلى “حرب قانونية” مع حركة “حماس”، وليس حملة تطهير أو إبادة.