تباين في المواقف.. قرارات “لاهاي” انتصار لفلسطين وجنوب إفريقيا أم العكس؟

- ‎فيتقارير

منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها، أمس، في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني؛ لم تتوقف التحليلات حول مدى جدوى القرارات في سير الأحداث في غزة أو مستقبل القضية الفلسطينية أو استقرار الكيان.

وكان السبب الرئيس في التباين أن المحكمة لم تقرر بشكل واضح وقف الحرب في غزة، التي راح ضحيتها حتى الآن 26083 شهيدا وأصيب 64797 منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر.

 

تباين واضح

كانت الآمال معلقة بالمحكمة في أن تصدر قرارا فوريا بوقف العدوان لإيقاف شلال الدم الذي تدفق تحت نظر العالم، إلا أن المحكمة لم تقرر ذلك ولجأت إلى اتخاذ عدد من التدابير اعتبرها البعض غير كافية فيما رأى آخرون أنها خطوة على طريق إدانة الاحتلال، وأن قبول الدعوى إنجاز لجنوب إفريقيا وفلسطين في سبيل إدانة الاحتلال وبداية “جرجرته” في المحاكم الدولية للمرة الأولى في تاريخه.

كما رأى البعض أن عدم رفض المحكمة الدعوى كما طلبت إسرائيل، رغم أنها تحكم بين دولة وحركة، يعتبر مكسبا كبيرا، كما يعتبر مقدمة لإجراءات أخرى أكثر إيلاما للكيان الصهيوني.

 

ويرى ناصر ثابت منسق فريق البحث والدراسات القانونية في منظمة القانون من أجل فلسطين، أن حكم المحكمة بقبول دعوى جنوب أفريقيا، إضافةً إلى إقرار المحكمة بإمكانية تصنيف الشعب الفلسطيني كمجموعةٍ تخضع للحماية بموجب اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، “هما انتصارٌ مبدئيٌ للشعب الفلسطيني ولجنوب أفريقيا، لأنه يضع الاحتلال للمرّة الأولى في قفص الاتهام أمام المحاكم الدولية، كما أنه سوف يساهم في فتح الباب أمام محاكمة الاحتلال وقادته ومسؤوليه وداعميه أمام المحاكم الأخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية التي تنظر في الجرائم الدولية”.

 

انتصار مبدئي

كما يرى أن “المحكمة أقرت بمعظم التدابير التي طالبت بها جنوب أفريقيا، باستثناء طلبها المتعلق بوقف العملية العسكرية التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة، لكن، رغم ذلك ونظرًا لطبيعة ونص الإجراءات التي أقرتها المحكمة يمكن استنتاج أن طلب وقف العملية العسكرية قد أتى بصيغةٍ ضمنيةٍ في قرار المحكمة بضمان الاحتلال عدم ارتكاب أيّ أفعال واتخاذ أيّ إجراءاتٍ توصف بأفعال الإبادة ضمن اتّفاقية الإبادة الجماعية”.

ويرى ثابت أن “الإجراءات التي أقرتها المحكمة تحمل في طياتها اتهاماً ضمنياً للاحتلال بارتكابه جريمة الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين، أو جزءاً منهم، والذي سيتم تثبيته في الفصل بالدعوى التي حركتها جنوب أفريقيا في قادم الوقت”.

في المقابل يرى خبراء قانونيون آخرون أن قرار المحكمة لم يتضمن أي إشارةٍ لتشكيل لجان تحقيق في صحة الادعاء الجنوب أفريقي بشأن ارتكاب الاحتلال جريمة إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة، الأمر الذي اعتبر من قبل بعض المتابعين قصورًا كبيرًا، كما عده بعضهم تقاعسًا من المحكمة في الاستجابة لأحد مطالب دعوى جنوب أفريقيا، التي طالبت بضرورة إلزام الاحتلال بالسماح للجان التحقيق المختلفة بالتحقق من الجرائم المرتكبة في قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر 2023.

 

أمر مستفز

من جانبه قال الخبير في القانون الدولي الدكتور محمد الموسى: على الرغم من توقعنا لقرار محكمة العدل الدولية حول اتخاذ تدابير لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة مسبقًا كقانونيين، لكنّ الأمر المستفز في القرار هو عدم النص صراحة على ضرورة وقف الأعمال العدائية وبشبه إجماعٍ من قضاة المحكمة الأمر الذي من شأنه أن يوقف الإبادة الجماعية فعليًا.

 

وأوضح الموسى أن “ما استفزنا كقانونيين، أنّ المحكمة لم تتعامل بهذه القضية بالتساوي كما تعاملت مع قضية أوكرانيا، ففي القضية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا، وهي تتعلق أيضًا بتطبيق اتفاقية تحريم الإبادة الجماعية، وتقدمت أوكرانيا بطلب تدابير تحفظية، والمحكمة فعلاً بتلك الفترة طلبت بتدابيرها التحفظية من روسيا وقف العمليات العسكرية، بل والانسحاب من أوكرانيا”.

 

رأي المقاومة

وعلى مستوى المقاومة في فلسطين يبدو التباين أيضا في المواقف؛ حيث رحبت حركة “حماس” بقرارات المحكمة فيما انتقدتها “الجهاد الإسلامي”.

 

وقالت الحركة في بيان لها، وصل المركز الفلسطيني للإعلام: إنها “ترحب بقرار محكمة العدل الدولية الذي أثبت الاتهام لدولة الاحتلال بتهمة الإبادة الجماعية، ويطالب فيه جيش الاحتلال بحماية المدنيين ورفع الحصار المفروض على شعبنا في قطاع غزة واحترام واجباته كقوة احتلال في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.

وأضافت أن “القرار يعني إيقاف أشكال العدوان كافة على شعبنا الفلسطيني في غزة”.

 

وتابعت الحركة: “نتطلع إلى القرارات النهائية للمحكمة بإدانة دولة الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية”.

وأشارت إلى أن “القرار يفتح المجال لمحاسبة قادة العدو على هذه الجرائم أمام محكمة الجنايات الدولية، ويؤكد حقوق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة والعودة إلى أرضه ودياره التي هجر منها بالقوة، انسجاما مع القرارات الدولية بالخصوص”.

 

أما حركة الجهاد الإسلامي، فاستنكرت ما وصفته “إحجام محكمة العدل الدولية، عن إصدار قرار واضح يلزم الاحتلال الإسرائيلي بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة”.

وقالت الحركة في بيان صادر عنها، وصل المركز الفلسطيني للإعلام، إنهم في الحركة “يرون أنه بالرغم من التدبير المؤقت الذي أعلنت عنه محكمة العدل الدولية في القرارات التي أصدرتها، التي تطالب في مضمونها الكيان الصهيوني بوجوب وقف كل الأعمال التي تؤدي للقتل، إلا ان هذه القرارات لم ترق إلى مستوى طلب وقف القتل والعدوان حماية للشعب الفلسطيني من الابادة المستمرة، وهو ما قد يستغله العدو ليتصرف كما يشاء”.

 

اجتماع مجلس الأمن

في السياق يجتمع مجلس الأمن الدولي الأربعاء للنظر في قرار محكمة العدل الدولية بفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.

 

وحسب وزارة الخارجية الجزائرية، فإن جلسة مجلس الأمن، التي تُعقد يوم الأربعاء المقبل عند الساعة 16:00 بتوقيت جرينتش، تأتي بطلب من الجزائر “بغية إعطاء قوة إلزامية لحكم محكمة العدل الدولية فيما يخص الإجراءات المؤقتة المفروضة على الاحتلال الإسرائيلي”.

 

وأشارت حركت حماس، بدعوة الجزائر مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع يهدف إلى “إعطاء صيغة تنفيذية لقرارات محكمة العدل الدولية، وإلزام إسرائيل بوقف عدوانها على غزة”.

 

وقالت الحركة: “نثمّن دعوة بعثة الجمهورية الجزائرية في الأمم المتحدة، وبتوجيهات من الرئيس عبد المجيد تبون؛ مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع يهدف إلى إعطاء صيغة تنفيذية لقرارات محكمة العدل الدولية”، المفروضة على إسرائيل، و”إلزامها بوقف عدوانها الوحشي المُفضي إلى جريمة الإبادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.

 

قرار تاريخي

وقال محللون أمريكيون إن قرار محكمة العدل الدولية، الجمعة، بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية في غزة يشكل اختباراً للدعم غير الأخلاقي الذي يقدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة وسط ضغوط دولية متزايدة لوقف إطلاق النار، خاصة وأن الولايات المتحدة دفعت الدول الأخرى إلى احترام قرارات المحكمة الدولية.

 

وكانت محكمة العدل الدولية قد اتهمت، أمس الجمعة، الاحتلال بمخالفته لالتزاماته الواجبة عليه بحكم انضمامه لاتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهو ما يعني اتهام الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحقّ شعب فلسطين، أو جزءٍ منه على أقلّ تقدير، وفق نص الدعوة الجنوب أفريقية.

وأقرّت المحكمة فرض عدد من التدابير المؤقتة على إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا، على خلفية الحرب على قطاع غزة، دون أن تأمر بوقفها.

 

ودعت المحكمة إسرائيل إلى التأكد على الفور من أن جيشها لا يرتكب أي إجراءات تندرج ضمن إطار الإبادة الجماعية، مشددة على ضرورة أن تتخذ فوراً إجراءات من أجل ضمان توفير الحاجات الإنسانية والمساعدات الملحّة للفلسطينيين بقطاع غزة.