مبارك على الأسفلت.. فهل يستسلم الشعب أم أن للثورة فصولا أخرى؟

- ‎فيأخبار

كتب سيد توكل:

مبتسمًا بتشفي الذئاب من الثورة الجريحة.. أعلن فريد الديب محامي المخلوع مبارك، أن سلطات الانقلاب نفذت الجمعة الموافق 24 مارس الجاري قرارا بالإفراج عن موكله، الذي غادر مجمع مستشفيات القوات المسلحة بالمعادي في جنوب القاهرة، ليصبح طليقًا للمرة الأولى منذ 6 سنوات مضت على ثورة 25 يناير.

استعاد القاتل مبارك حريته، وعاد إلى قصره بعد صدور قرار نهائي بتبرئته من مسئوليته عن مجزرة قتل 850 متظاهرا من قبل محكمة النقض، شكل ذلك في نظر البعض نهاية مأساوية للثورة المصرية المشروعة ضد نظام حكمه الديكتاتوري الفاسد، الذي جثم على صدر المصريين أكثر من 30 عاما.

مبارك وعلى مدى 6 سنوات في ضيافة العسكر، حظي بمحاكمة من سبع نجوم، وكان يقيم في جناح في المستشفى العسكري، وأصبح أولاده، وجميع نجوم نظامه القمعي أحرارا طلقاء، بينما رموز الثورة المصرية، وأول رئيس منتخب محمد مرسي يقبعون خلف القضبان، يقضون عقوبات سجن مدى الحياة، والبعض منهم يرتدي ملابس السجن الحمراء انتظارا لتنفيذ أحكام بالإعدام صدرت بحقهم!

المرارة عالقة في أفواه الثوار بعد صدور أحكام بالبراءة في حق ديكتاتور قاتل ثار عشرات الملايين من الشعب ضده، وبرجال أمن أطلقوا النار بتعليمات منه، ووزير داخليته الحبيب العادلي، الذي نفذ أوامر بقتل المتظاهرين "السلميين" الذين كانوا يطالبون بالعدالة والحريات ولقمة العيش المغموسة بالكرامة.

لم يزدحم "ميدان التحرير" في قلب القاهرة مرة أخرى احتجاجا على هذا الحكم المسيس بتبرئة رموز القمع والفساد، بعدما تم حصار وخنق الميدان بالبوابات الحديدية، لآن الاحتجاج والتظاهرات بات خطا أحمر ممنوع اختراقه في زمن الانقلاب.

نظام مبارك لم يغادر السلطة.. هذه حقيقة عرفها الثوار مؤخرًا، وإن كان قد غير جلده فقط، وحتى رموزه، ورجال أعماله الذين سرقوا عرق الشعب المصري، وتاجروا به، وكونوا ثروات هائلة، بينما يتضور هذا الشعب جوعا، عادوا إلى الواجهة أكثر قوة وفسادا، وشراسة في امتصاص دماء هذا الشعب، ونهب ثرواته تحت سقف الانقلاب في 30 يونيو 2013.

شعار الثورة "عيش وحرية وعدالة اجتماعية" أصبح تهمة، ومن يتجرأ على ترديده يدرك جيدا أن مصيره السجن، والتهم جاهزة، فالأحكام العرفية ما زالت سارية المفعول، بصورة او بأخرى، والشامخ جاهز دائما للتعاطي بقبضة حديدية بكل من يعيد التذكير بثورة الشعب.

الديب: مبارك في قصره!
وقال الديب -ردا على سؤال عما إذا كان مبارك غادر المستشفى- "نعم هو الآن في منزله في مصر الجديدة".

وأطاحت ثورة يناير 2011 برأس النظام العسكري مبارك، وأجبرته على التنحي في 11 فبراير من العام ذاته، وعقب الثورة وجهت العديد من التهم لمبارك ورموز نظامه من بينها "الاشتراك في قتل متظاهرين" و"الفساد" غير أن غالبيتهم العظمى حصلوا على براءات من تلك التهم، عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي.

وقالت صحيفة "لوبوان" الفرنسية، إن تبرئة مبارك، جاءت صادمة لذوي الضحايا الذين سقطوا في ثورة 25 يناير 2011، وبمثابة شهادة وفاة للربيع العربي، الذي انطلق قبل 6 سنوات.

وتساءلت الصحيفة "هل يستسلم الشباب المصري لليأس بعد تبرئة مبارك، أم أن للقصة فصول أخرى؟".

فوقوا بقى!
وأمام هذه النظرة التشاؤمية التي حملتها صحيفة "لوبوان" الفرنسية، يؤكد مراقبون أن سيناريو 2011 قابل للتكرار مجددا ضد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، لكنه هذه المرة قد يكون أكثر دموية، معللين ذلك بأن عدم استقرار مصر وفشلها سياسيا واقتصاديًا، لن يتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي وقت سابق تراجعت حكومة الانقلاب بشكل جزئي وتكتيكي، عن قرارها بتقليل حصة الخبز المدعوم المخصص للمواطنين عبر المخابز المختلفة، بدعوى ترشيد الهدر، على إثر اندلاع مظاهرات عارمة قادتها ربات البيوت في المحافظات المصرية، هتفت بسقوط السيسي، ونعته بالظالم.

وفي مظاهرات غير مسبوقة من عوام المصريين وبسطائهم، لا سيما من يسمون في مصر "حزب الكنبة"، أو "الغلابة"، خرج عشرات الآلاف منهم في مظاهرات حاشدة ضد القرار، الثلاثاء، وقطعوا الطرق، وحاصروا المسئولين في مكاتبهم، وتحدَّوا قوات شرطة الانقلاب، التي حرصت على تفادي الاشتباك معهم.

وبث نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة عدة للمظاهرات، التي حفلت بمشاهد مؤثرة ومبكية، في وقت هتف فيه آلاف المصريين والمصريات ضد السيسي، قائلين: "يسقط السيسي.. يا سيسي يا ظالم.. مش عاوزينه رئيس (يقصدون السيسي)"، أمام أعين قوات شرطة الانقلاب. وأضافوا: "ده ظلم.. مش عارفين نأكّل عيالنا.. هو فيه غير الرغيف في البلد".

وكان أخطر ما قيل خلال هذه التظاهرات العفوية الغاضبة في الإسكندرية، عندما خاطبت سيدة من حولها، قائلة: "فوقوا بقى.. هتصبروا على السيسي إلى متى؟ يا شعب يا معفن.. بيضحكوا عليكوا برغيف العيش.. تستاهلوا اللي بيجرى ليكو.. خلي السيسي يأكله.. فوقوا بقى من الغيبوبة اللي إنتوا فيها”، فهل يفيق الشعب بثورة عارمة ضد العسكر تخلع الرأس والجسد هذه المرة؟

يدرك الانقلاب جيدًا أن هناك حنينًا في أوساط الشباب للثورة على الظلم، مردود هذا الحنين يعود إلى القمع والانتهاكات وسوء الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع غلاء المعيشة والتضخم، وتفاقم معدلات البطالة والخوف من الأسوأ.

كما يدرك أنه بتبرئة المخلوع مبارك لم تنطوِ صفحة الثورة بل ربما بدأت بالفعل، بتبرئة رموز الفساد والقمع، ومصادرة الحريات، واهانة الشعب الطيب الصبور الذي ثار ضد الفساد، وتمت معاقبته على يد السيسي ورموز انقلابه لتفجيره هذه الثورة، تطلعا لفجر جديد من العزة والكرامة، والعدالة الاجتماعية، بينما يردد إعلام الانقلاب عبارة كاذبة تقول: "وداعا.. ثورة مصر.. والرحمة لكل شهدائها!".