حذر خبراء اقتصاد من أن التعويم الجديد للجنيه الذى أقرته حكومة الانقلاب خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولى سوف يقضى على الجهاز المصرفى الرسمي مؤكدين أن قرارات حكومة الانقلاب تنتصر للسوق السوداء .
وقال الخبراء ان قرارات التعويم تجعل الاقتصاد المصرى يدور في حلقة مفرغة وأن الجنيه سيكون ضحية أمام الدولار والعملات الأجنبية موضحين أن الجنيه سيواصل التراجع إلى ما لا نهاية وبالتالى سوف ترتفع الأسعار بصورة لا يتحملها المصريون .
وأكدوا أن تأثير التعويم سيكون سلبيا على الأسعار التي كان يُنتظر أن تتراجع، لكنها الان ترتفع من جديد، خاصة أسعار السلع الغذائية وفي مقدمتها اللحوم والدواجن والبقوليات .
وشدد الخبراء على أننا أصبحنا أمام متوالية لا نهائية بين خفض الجنيه ورفع سعر الدولار، ثم النزول بشهادات بنكية جديدة بقيم فائدة أعلى مؤكدين أن كل هذا لن يحل المشكلة الاقتصادية .
الجهاز المصرفي
من جانبه أكد الدكتور حسن الصادي أستاذ اقتصاديات التمويل بكلية التجارة جامعة القاهرة؛ أن تحرير سعر الصرف لن يؤدي إلى حل مشكلة السوق غير الشرعية للعملة الأجنبية.
وقال الصادي في تصريحات صحفية : سعر الصرف سوف يمضي بنا إلى مستويات غير مسبوقة وليس النزول بسعر الصرف؛ مؤكدا أن حكومة الانقلاب حررت سعر الصرف وقالت اليات السوق لكن السوق المصري ليس مكتملا حتى نطبق فيه أليات العرض والطلب .
وتساءل : هل ترك التسعير للسوق سيؤدي لسعر واحد؟ مستبعدا ذلك لأن لدينا سوقين للصرف احدهما قانوني والأخر غير قانوني؛ السوق القانوني هو الموجود في البنوك وشركات الصرافة أما السوق غير القانوني فهو السوق الموازية المجرم بالقانون.
وأضاف الصادى : لدينا سوق يلبي احتياجات غير قانونية مثل سوق المخدرات والأثار والرشاوي وغسيل الأموال؛ هل هؤلاء سيدخلون البنوك؟ شخص يتاجر في الاثار والمخدرات هل سيدخل إلى البنوك؟ هل سيتم تحويل المال السياسي داخل البنوك المصرية؟ هل تجارة السلاح ستكون من خلال البنوك بالتأكيد لن يحدث ذلك.
وأشار إلى أن لدينا طلب لا يمكن أن يذهب للجهاز المصرفي وبالتالي طلب هؤلاء يلبي قبل الطلب الحقيقي الخاص بالدولار ويجب أن يضع هامش ربح لأغراء الناس من أجل تغيير العملة لديهم؛ هذه التجارة لن تختفي وتحتاج إلى دولار؛ سوف يحدث نوع من الكمون المؤقت لأنهم كونوا مخزونا من الدولار مؤخرا ولا يعنيهم بأي شيء قيمة الدولار بـ 70 أو 75 لانهم يتعاملون في تجارة غير مشروعة وأوضح الصادى أن هؤلاء كانوا يطلبون الدولار بسعر فوق الـ 30 جنيها وسوف يطلبونه بسعر فوق الـ 50 جنيها الآن وبعد فترة سوف يأتي صندوق النقد الدولي في المراجعة ليقول إن لديك سعرين ويطلب تحريك سعر الصرف مجددا إلى 60-65 وبالتالي سوف يقفز السوق في الخارج إلى 75 جنيها وكأننا نجري وراء سراب .
وأوضح أن ما يحدث كأن صندوق النقد يقول اقضى على السعر الرسمي؛ وهم يقولون إن الجهاز المصرفي يجب أن يكون مثل السوق الموازية؛ وبهذا الشكل نقوم بالقضاء على الجهاز المصرفي والسوق الشرعية للعملة لافتا الى أنه لو تدخل البنك المركزي في سعر الصرف سوف يسأله صندوق النقد الدولي عن أسباب التدخل رغم أن كل الدول تتدخل لتحدد سعر الصرف الأنسب للنشاط الاقتصادي.
تأثير سلبي
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب وكيل وزارة الصناعة والتجارة الخراجية الأسبق، إن التعويم كان متوقعًا أو كان منتظرًا منذ فترة موضحا أن قرارات البنك المركزي يمكن وصفها بأنها تنفيذ لجزء من تعهدات الانقلاب لصندوق النقد الدولي، بانتهاج سياسات سعر صرف مرن، وانتهاج سياسات من شأنها استهداف التضخم .
وقال عبدالمطلب في تصريحات صحفية إن قرارات رفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس بمقدار حوالي 27 بالمئة، وإصدار البنك الأهلي ومصر شهادات جديدة بعائد 30 بالمئة، وقرار مرونة سعر الصرف، دفعت سعر صرف الدولار لما بين 45 و47 جنيهًا بعد ساعتين من القرار، مؤكدا أنه خلال أيام ربما يصل الدولار إلى 55 أو 65 جنيهًا في السوق السوداء .
وبالنسبة لتأثير هذه القرارات أعرب عن اعتقاده أن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت لتحقيق قياس دقيق؛ مؤكدا أن التأثير سيكون سلبيا على الأسعار التي كان يُنتظر أن تتراجع، لكنها الان ترتفع من جديد، خاصة أسعار السلع الغذائية وفي مقدمتها اللحوم والدواجن والبقوليات .
وأضاف عبدالمطلب : أيضًا قد تؤدي هذه السياسات إلى تأجيل بعض مشروعات الاستثمار خاصة الأجنبي المباشر منها؛ لحين بيان الموقف منتقدا قراري رفع سعر الفائدة بهذه النسبة الكبيرة، وطرح بنكي الأهلي ومصر شهادة جديدة بفائدة 30 بالمئة مشيرا إلى أن الكم الموجود حاليًا لدى الناس من أموال لاستثماره في هذه الشهادات لن يكون بنفس الحجم الذي كان موجودا بشهادات 27 و25 بالمئة.
وأوضح أن تلك الشهادات كانت قد استقطبت بالفعل جزءًا كبيرًا من أموال المودعين،لكن مسألة أن يكون هناك كسر للشهادات السابقة لا أعتقد أن يحدث ذلك لأن الثقافة المالية تنتشر، مؤكدا أن الإقبال على الشهادات الجديدة لن يكون كبيرًا .
وأوضح عبدالمطلب ان الجهاز المصرفي لديه أمل أنه بعد تخفيض قيمة الجنيه ستتجه الأرصدة الدولارية لدى الأفراد إلى الجهاز المصرفي الرسمي للاستفادة من سعر الصرف، وهذا قد يوفر سيولة من النقد المصري ما قد يذهب ببعض هذه السيولة للاستثمار بتلك الشهادات، خاصة أن العائد 30 بالمئة وهو عائد كبير.
وتابع ان “تحرير سعر الصرف” أو “تعويم الجنيه”، معناه عدم تدخل حكومة الانقلاب أو البنك المركزي في تحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الذي يحدده سوق العرض والطلب، فيما يكون التعويم حرًا أو موجها.
تعويم مدار
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله: التعويم وزيادة أسعار الفائدة خطوات متوقعة ؛ موضحا أن ما قبل هذه الخطوة كان مجرد محاولات من حكومة الانقلاب للبحث عن مصادر دولارية، والتى زعمت الفترة الماضية إنه لا يمكن التعويم إلا بعد الحصول على مصادر دولارية، وإن هذا التعويم لن يكون له أثر وفق تعبيرها .
وأضاف ذكر الله في تصريحات صحفية أن صفقة مشروع (رأس الحكمة) بين مصر والإمارات في 23 فبراير الماضي، وما أعلن عقبها من مشروعات أخرى بغض النظر عن جديتها أو كونها مذكرات تفاهم حتى الآن اعتبرتها حكومة الانقلاب مصادر دولارية .
وتابع : إذًا هناك مصادر دولارية؛ إما دخلت بالفعل الاقتصاد المصري أو منتظر أن تدخل، وبغض النظر عن كميتها؛ وبالتالي فمن وجهة نظر حكومة الانقلاب والبنك المركزي أصبح المناخ مواتيًا لهذا التعويم الجديد .
وأكد ذكر الله، أن قرار البنك المركزى ليس تعويمًا بالمفهوم الكامل، ولكنه تعويم مدار كما حدث من قبل في 2022، بمعنى أن هذا الانخفاض في سعر الجنيه سيكون مدارًا من قبل حكومة الانقلاب، وأنها لن تسمح بتعويم كامل على إطلاقه، لاسيما أن الموارد الدولارية الجديدة لم تدخل حتى الآن السوق المصري.
ولفت إلى أنه من المنطقي أن يتوازى مع ذلك قرار برفع سعر الفائدة لكي لا تحدث عملية جديدة من عمليات الدولرة أو تحويل الودائع المصرية من الجنيه إلى الدولار مؤكدًا أننا أمام متوالية لا نهائية بين خفض الجنيه ورفع سعر الدولار، ثم النزول بشهادات بنكية جديدة بقيم فائدة أعلى .
وشدد ذكر الله على أن كل هذا لن يحل المشكلة الاقتصادية ؛ مؤكدا أن المشكلة أعمق من هذه الإجراءات التي ربما تسهم في الحلحلة أو في حل على المستوى الجزئي، وربما تخفيف الأزمة الحالية بشكل أو بآخر حتى لا تكون المعضلة الكبيرة التي استمرت منذ عامين تقريبًا وحتى الآن؛ لكن الأزمة مستمرة حتى إشعار آخر .