تواصل حكومة الانقلاب الضغط على المواطنين في جميع المجالات وتعمل على كتم أنفاسهم، حتى لا يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة، فبعد الارتفاع الجنوني في الأسعار وعجز المصريين عن الحصول على احتياجاتهم الأساسية اليومية حتى من المواد الغذائية، أعلنت حكومة الانقلاب عن إلغاء العلاج المجاني، وهكذا تتجه المنظومة الصحية إلى الانهيار في زمن الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي، ما يهدد بحرمان أبناء الفئات الفقيرة والتي تعيش تحت خط الفقر من العلاج.
في هذا السياق بدأت المستشفيات العامة والنوعية، والوحدات الصحية، في جميع أنحاء الجمهورية، رفع أسعار جميع الخدمات التي تقدمها للمرضى .
وقررت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب تقليص نسبة أسِرَّة العلاج المجاني بالمستشفيات إلى 25%، مع منح تخفيضات تصل إلى 30% من قيمة العلاج لغير القادرين .
كانت صحة الانقلاب قد أصدرت، لائحة جديدة للمستشفيات والوحدات الصحية الحكومية، تتضمن إعادة تسعير الخدمات الصحية التي تقدمها المنشآت الصحية الحكومية ، باستثناء التطعيمات الإجبارية للأطفال والطوارئ ومبادرات الصحة العامة التي ما زالت بالمجان، بزعم زيادة الموارد المالية الذاتية للمنشآت الصحية لصالح صندوق تحسين الخدمة بكل منها.
العلاج المجاني
تضمنت اللائحة التي صدرت في الثالث من مارس الجاري برقم 75 لسنة 2024 ونشرتها جريدة الوقائع المصرية رفع أسعار تذاكر العيادات الصباحية من جنيه إلى عشرة جنيهات في المستشفيات العامة، وخمسة جنيهات في الوحدات الصحية، على أنه يجوز مضاعفة كل منها خمس مرات، بعد موافقة مديرية الصحة المختصة.
وبالإضافة إلى تقليص نسبة العلاج المجاني بالمستشفيات العامة من 60% في اللائحة القديمة، إلى 25% في اللائحة الجديدة التي بدأ تطبيقها في الرابع من مارس الجاري، استحدثت اللائحة الجديدة نصا يحدد المستحقين للعلاج المجاني في تلك المستشفيات، وحصرتهم في ست فئات هم: الحاصلين على معاش تكافل وكرامة، والمعاقين حاملي بطاقات الخدمات المتكاملة، وأسر شهداء ومصابي الجيش والشرطة، وهذه الفئات، وفقا للائحة، تحصل على العلاج دون أي إجراءات.
أما من لا يتمتعون بنظام تأمين صحي أو رعاية صحية، وحالات الطوارئ والحوادث التي تتطلب التدخل السريع لإنقاذ حياة المريض، أو من يخشى تفاقم حالته، اشترطت اللائحة حصولهم على توصية من لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى وموافقة لاحقة من مدير المستشفى.
وبخلاف تلك الفئات، لم تحدد اللائحة الجديدة أي آلية لعلاج غير القادرين ماديا باستثناء سلطة مدير المستشفى في منحهم خصم لا يتجاوز 30% من تكاليف الخدمة بعد خصم قيمة الأدوية والمستلزمات.
قرار خاطئ
من جانبه وصف الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء السابق اللائحة بأنها تغول على حقوق غير القادرين في العلاج جاءت بناء على قرار خاطئ في وقت عصيب، موضحا أن زيادة قيمة الكشف بالعيادات الخارجية للمستشفيات العامة ليصبح عشرة جنيهات، مع العلم بأن قيمة الكشف حاليا بمعظم المستشفيات العامة تتراوح بين جنيه واحد وخمسة جنيهات، ليس العائق الرئيسي أمام وصول غير القادرين للعلاج، بما أن تكاليف الكشف لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من تكاليف التحاليل والفحوصات الأخرى التي سيتحمل المواطن دفع تكاليفها بعد تطبيق اللائحة الجديدة، والتي تتضمن زيادة أسعار جميع الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الحكومية.
وشدد الطاهر في تصريحات صحفية على أن الغالبية العظمى من مرضى المستشفيات العامة غير قادرين على تحمل تكاليف العلاج بأجر.
وانتقد تحميل اللائحة أجور المتعاقدين والمثبتين على الصناديق (العمالة المؤقتة) على كامل إيرادات المستشفى وليس على النسبة المخصصة لتحسين الخدمة (نفقات التشغيل)، معتبرا أن هذا الأمر ينتقص عمليا من المبالغ المخصصة للأطباء والعاملين لصالح نفقات التشغيل .
وأعرب الطاهر عن تخوفه من أن يكون الغرض من زيادة الموارد المحصلة من المواطنين، هو تغطية نفقات التشغيل لتقليل المصروف من الميزانية وليس تحسين الخدمة، كما تبرر اللائحة.
وفيما يتعلق بالنسبة المخصصة للعاملين (50% كحد أقصى)، قال: إن “تطبيق اللائحة فيما يخص توزيع النسب على كل فئة من العاملين بالمستشفى، لن يكون عمليا بمعظم المستشفيات، لوجود خلل في أعداد العاملين ببعض الفئات موضحا أنه قد يكون هناك مستشفى يعمل به 500 طبيب وطبيب أسنان وصيدلي وعلاج طبيعي (ونصيبهم 42%)، في حين إن به 200 ممرضة (ونصيبهم 34%)، وبالتالي قد يكون المبلغ المستحق للممرضة ضعف المبلغ المستحق للطبيب”.
وأضاف الطاهر أنه كان من الأفضل تحديد عدد من النقاط لكل شخص طبقا لفئته، ويتم جمع هذه النقاط وقسمة المبلغ المخصص عليها، فيحصل كل شخص على نصيبه بطريقة أكثر عدالة مهما كان الخلل في الأعداد، الطبيب له عشر نقاط، والممرض ثماني نقاط، والإداري ست نقاط، والعامل أربع نقاط، وهكذا.
وانتقد كذلك تخصيص اللائحة 2% لمدير المستشفى و1% لنوابه من النسبة المحددة للعاملين من صندوق تحسين الخدمة، معربا عن أسفه لعدم وجود فترة انتقالية تسبق تطبيق نظام العلاج وفقا للائحة الجديدة.
مجلس الإدارة
وأكد محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء ، أن اللائحة الجديدة حولت الانضمام إلى مجالس إدارات المستشفيات من عمل تطوعي إلى عمل بأجر، وقلصت من صلاحيات مديريات الصحة ووزارة صحة الانقلاب على المستشفيات لصالح مجلس إدارة بكل مستشفى، موضحا أنها منحت كل مجلس سلطة اتخاذ قرارات تخص المستشفى التي يديرها بمعزل عن باقي المستشفيات.
وقال فؤاد في تصريحات صحفية: إن “اللائحة ألزمت أيضا مجلس الإدارة بالبحث عن موارد تُدّر ربحا على المستشفى الحكومي، مذكرا بأن المستشفيات العامة والنوعية والوحدات الصحية التي تطبق عليها اللائحة بنيت من أموال دافعي الضرائب، لتوفر الخدمة الصحية للفقراء وليست لتحقيق الربح”.
وكشف أن الرسالة التي تريد حكومة الانقلاب إيصالها من وراء تلك اللائحة أنها عاجزة ماليا عن إدارة المستشفيات والوحدات الصحية الموجودة في المحافظات والقرى، نتيجة عدم وجود موارد، وأن الفرصة سانحة للقطاع الخاص للدخول وتقديم الخدمة عبر زيادة حصته في تلك المستشفيات والوحدات شيئا فشيئا.
واعتبر فؤاد أن تخصيص اللائحة 2% لمدير المستشفى و1% لنوابه من النسبة المحددة للعاملين من صندوق تحسين الخدمة، «بابًا للفساد» مشددا على أنه كان من الأفضل أن تخفض اللائحة تلك النسبة أو على الأقل تضع حدًا أقصى للمبلغ المستحق لمدير المستشفى.
تخبط حكومي
وحذر علاء غنام، مدير برنامج الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، من اللائحة الجديدة وانعكاساتها السلبية على الأوضاع الصحية بصفة عامة، معتبرا أن هذه اللائحة بمثابة إعلان عن بداية خصخصة القطاع الصحي الحكومي وتمويله من جيوب الناس .
وقال غنام في تصريحات صحفية: إن “اللائحة الجديدة تسري على جميع المنشآت الصحية التابعة لمديريات الشؤون الصحية بالمحافظات، التي يلجأ إليها المواطنون الأكثر فقرا في جميع محافظات البلاد”.
وأكد أن اللائحة تعبر في مجملها عن تخبط السياسة الحكومية تجاه إدارة ملف الصحة، موضحا أنه في الوقت الذي تعلن فيه وزارة صحة الانقلاب عن استعدادها لتدشين المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل في خمس محافظات جديدة، لتوفير الخدمة الصحية لجميع المواطنين، تصدر لائحة لرفع أسعار الخدمات الصحية وتقليص نسب العلاج المجاني في عدد كبير من المستشفيات العامة.