وسط زفة إعلامية كبيرة، وتطبيل بتضمين مشروع الموازنة الجديدة، أرقاما أكبر للمصروفات الحكومية ومخصصات للتعليم والصحة بأوامر السيسي، وكلام معسول من وزير المالية يتصادم مع المنطق الاقتصادي بالأساس، خاصة حينما يتحدث عن زيادة الحصيلة الضريبية دون زيادة أعباء جديدة.
في ضوء تلك المعطيات، وافق مجلس الوزراء، الأربعاء، على مشروع الموازنة الجديدة للدولة عن العام المالي 2024-2025، وموازنات الهيئات العامة الاقتصادية، تمهيدا لإرسال الموازنة إلى مجلس النواب في موعدها الدستوري نهاية مارس الجاري، وذلك لمناقشة بنودها وإقرارها قبل بدء سريانها في 1 يوليو المقبل.
وقال وزير المالية محمد معيط: إن “الحكومة ستقدم للبرلمان، يوم الأحد المقبل، ما يعرف بموازنة الحكومة العامة لأول مرة، التي تشمل الموازنة العامة للجهاز الإداري للدولة وموازنات الهيئات الاقتصادية، ما يرفع إجمالي حجم المصروفات العامة إلى مبلغ 6.4 تريليونات جنيه، مقابل إيرادات تبلغ 5.05 تريليونات، بعجز متوقع 1.35 تريليون جنيه (28.5 مليار دولار) (الدولار = 47.35 جنيها).
وعلى هامش اجتماع المجلس، أمس ، أشار معيط إلى توجيه نصف إيرادات برنامج الطروحات (بيع الشركات الحكومية) لخفض حجم المديونية بشكل مباشر، مع العمل أيضا على إطالة عمر الدين، الذي يسعى الحكومة لخفضه إلى 80% ، في 2027 ، ووضع سقف لإجمالي الاستثمارات العامة للدولة بكامل هيئاتها وجهاتها لا يتجاوز تريليون جنيه في العام 2024-2025، بهدف إفساح المجال للقطاع الخاص، وزيادة مساهمته في النشاط الاقتصادي التنموي، ولم يتعرض معيط نهائيا لاقتصاد الجيش الذي يمثل أكثر من اقتصاد الدولة، رغم توصيات صندوق النقد الدولي بتوحيد المواونة، والتي قررت حكومة السيسي إرجائها إلى أجل غير مسمى، متجاهلة اكثر من 12 ألف صندوق خاص، علاوة على صناديق الاستثمار العسكري.
واستطرد معيط بأن إيرادات الموازنة العامة للدولة (الجهاز الإداري) سترتفع في العام المالي الجديد بنسبة 36% لتصل إلى 2.6 تريليون جنيه، بينما ترتفع المصروفات إلى 3.9 تريليونات جنيه بزيادة نسبتها 29%، زاعما أن السيسي وجه بزيادة مخصصات قطاعي الصحة والتعليم بنسبة أكبر من 30%، باعتبارهما من أهم أولويات الدولة لاستكمال استراتيجية بناء الإنسان.
جبايات جديدة
وأكمل معيط أن الموازنة الجديدة تستهدف زيادة الإيرادات غير الضريبية بنسبة 60%، والإيرادات الضريبية بنسبة 30%، مُدعيا أن ذلك لن يكون بفرض أعباء جديدة على المواطنين أو المستثمرين، وإنما بتوسيع القاعدة الضريبية، وتعظيم جهود النظم الضريبية الإلكترونية في دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
وهو ما يعني فرض ضرائب ورسوم على صغار المشاريع الصغيرة كالباعة الجائلين والباعة بالأسواق الشعبية، وأصحاب الحرف، وهو ما يفاقم الأزمات المعيشية لملايين المصريين.
أزمة هيكلية
وأدى ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى الضغط على المالية العامة المصرية، وزيادة عجز الموازنة خلال أول 7 أشهر من العام المالي 2023-2024 إلى 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 4.4% في الفترة نفسها من العام المالي السابق عليه، مسجلا نحو 789.8 مليار جنيه.
وجاء العجز مدفوعا بارتفاع فوائد الدين 100% على أساس سنوي خلال الفترة نفسها، لتصل إلى 962.9 مليار جنيه، بينما بلغت الإيرادات خلال الفترة نفسها من العام نحو 952 مليار جنيه، بارتفاع 38.6% عن الفترة ذاتها من العام المالي السابق.
الفقراء يدفعون الثمن
وجاءت الزيادة في مخصصات الدعم محدودة من خلال تخصيص نحو 147 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، مقابل نحو 120 مليار حاليا، ونحو 134 مليار جنيه للسلع التموينية، وذلك مقابل نحو 127 مليارا في موازنة السنة الجارية، بزيادة قدرها 5% فقط، على الرغم من زيادة الأعباء على متوسطي ومحدودي الدخل، المتأثرين بزيادة معدلات التضخم، وتآكل قيمة الجنيه.
وزادت مخصصات برنامج “تكافل وكرامة” للطبقات المعدمة والتي تشمل نحو 22 مليون شخص إلى 40 مليار جنيه بدلا من 36 مليار جنيه فقط.
قنابل أرقام الموازنة
وعلى الرغم من التصريحات المعسولة لوزير المالية وتطبيل الأذرع الإعلامية لرحمة السيسي وإنسانيته ، الذي أمر بتوسيع مخصصات الفقراء – على حد زعمهم- تتضمن الموازنة كوارث اقتصادية يدفعها الفقراء، ومنها:
لا ضرائب جديدة
وكان صادما تصريح وزير المالية محمد معيط، زيادة حصيلة الضرائب أكثر من 43% ، دون إضافة أي أعباء إضافية على المواطنين والمستثمرين.
وذلك على الرغم من أن حالة الركود في الأسواق تؤثر على الحصيلة الضريبية، بسبب تراجع قدرة الجنيه الشرائية وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى.
ويتصادم كلام وزير المالية، مع السياسات الحكومية القائمة بالفعل، إذ تقوم بزيادة أسعار الخدمات والرسوم والدمغات وزيادة أسعار الوقود، وكلها زيادات يتحملها الجميع دون أي مراعاة للبعد الاجتماعي لطبقات المجتمع المختلفة والمتفاوتة.
ويتزايد رقم العجز في الموازنة، بصورة مقلقة للغاية، بسبب خفض قيمة الجنيه ورفع أسعار الفائدة.
وهو ما يصعب تحقيق مستهدفات الضرائب ، بسبب الركود الاقتصادي، ونقص مستلزمات الإنتاج وزيادة تكاليف التصنيع وتراجع القدرة الشرائية، وبالتالي سوف تنخفض الحصيلة الضريبية وليس زيادتها.
استمرار التضخم
كما أن الحديث عن خفض معدلات التضخم لا يتماشى مع الإجراءات الاقتصادية المتمثلة في خفض الجنيه وزيادة أسعار الطاقة والوقود ورفع الفائدة بشكل متتال.
ومطلع العام الجاري، فرضت الحكومة حزمة من زيادات الأسعار على الخدمات والرسوم تضمنت زيادة أسعار خدمات استراتيجية رئيسية مثل الكهرباء والنقل والمواصلات والاتصالات والإنترنت ومضاعفة قيمة رسوم بعض الأوراق والمستندات الحكومية، كان آخرها زيادة أسعار جميع أنواع الوقود بنسب تتجاوز 21%.
استمرار زيادات الديون السيادية
ولم تعالج الموازنة الجديدة، مشكلة الديون المتفاقمة، ولم تسع لعلاجها، ومنذ الانقلاب العسكري في 2013، يعتمد نظام السيسي على الاقتراض والمنح من داعمي النظام العسكري، فلا يوجد خطط تنمية ولا صادرات، حيث إن إجمالي الدين المحلي تضاعف أكثر من 9 أضعاف والدين الخارجي 4 أضعاف رغم حصول النظام العسكري على قرابة 55 مليارا مساعدات ومنح ومن بيع رأس الحكمة بخلاف حصيلة بيع جزيرتي تيران وصنافير وجزيرة الوراق ومثلث ماسبيرو ، علاوة على قروض إجمالية تجاوزت الـ120 مليار دولار، منذ 2014.
-استمرار الاعتماد على الأموال الساخنة
ومع الفشل الاقتصادي والإدارة بالنظم العسكرية البعيدة عن الاقتصاد، يعتمد النظام المصري على الأموال الساخنة، ويدفع معدلات فائدة للمقرضين الدوليين من أعلى المعدلات عالميا، وعليه يتفاقم عجز الموازنة بشكل متسارع وغير مسبوق.
ومع تزايد سياسات الجبايات ورفع الضرائب ستتحول مصر بلدا طاردا للاستثمار وطاردا للكفاءات، والعجز نتيجة فوائد الديون والتي تتجاوز 30%، مما جعل كل بيوت المال توصي بإقراض الحكومة المصرية قروضا قصيرة الأجل.
-انهيار العملة وزيادة نسبة الفقر
كما يؤدي العجز المتفاقم لزيادة معدلات الفقر وانهيار العملة، وارتفاع التضخم البالغ حاليا نحو 37%.