أكدت ورقة بحثية بعنوان “من ملامح النظام السلطوي في مصر” أن للاستبداد في مصر 3 استراتيجيات رئيسية يعتمد عليها في طول بقائه ولكنها لا تضمن استمراره حيث أنها في ذاتها عوامل استبداله.
وقالت الورقة التي نشرها موقع “الشارع السياسي” إن هذه الاستراتيجيات “تطيل أمد بقائه بالتأكيد؛ كونها تقوم على استنزاف كل مكامن القوة في المجتمع الذي يحكمه النظام السلطوي”. موضحة أنها استراتيجيات تنهك المجتمع وتجرفه.
واستدركت أنها من جهة ثانية “لا تحقق ديمومته بالضرورة”؛ معزية ذلك إلى أن النظام السلطوي يقود المجتمع الذي يحكمه، والدولة التي يحتل أجهزتها، يقودهما إلى التحلل، ولذا يفقد النظام السلطوي تدريجيا مقومات بقائه؛ ولعل التدهور الاقتصادي والتردي المعيشي الذي تعيشه البلاد أكبر دليل على ذلك.
هندسة المجال العام
وضمن استراتيجية “هندسة المجال العام بما يضمن بقاء النظام القائم” قالت إنها “آفة النظام السلطوي، حيث أنه يخلق مجال سياسي لا يعبر حقيقة عن المجال الاجتماعي بكل مكوناته وتنوعها، فهو مجال مروض مؤمم يضم فقط المؤيدين والمعارضة المدجنة، وعليه تبقى الكثير من القوى الفاعل غير ممثلة؛ ومن هنا يتأتى عدم استقرار النظم السلطوية”.
وأوضحت أن هذه الاستراتيجية “تخلق مجال سياسي هش عرضة للتقويض أو للاقتحام من جانب القوى الاجتماعية غير الممثلة فيه، وهذه القوى عندما تقتحم المجال السياسي تقوضه، كونه يحتكم إلى قواعد وقوانين إقصائية لا تتيح لها المجال للتواجد والفاعلية”.
التعامل الأمني
واستتبعت الورقة هذه الهندسة من خلال محورين أحدهما يتعلق بالمجتمع المدني والثاني الأحزاب.
وعن محور “الأحزاب السياسية” قالت إن النظام الحاكم في مصر “يتعامل مع كل مساحات المجال العام من منظور أمني خالص؛ يظهر ذلك في كونه يزرع في كل مجال كيان؛ يستهدف من وجوده السيطرة على هذه المساحة والتحكم فيها. في المجال السياسي سعى النظام إلى تحقيق هذه الغاية عبر آليتين؛ الأولى حزب مستقبل وطن: حزب مستقبل وطن ومعه تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حيث يمثلان حجري الرحى الذي من المفترض أن تدور كل القوى السياسية الأخرى في مداريهما”.
واشارت إلى أنهما “يمثلان لدى السلطة القناة التي تنتج وتضخ الرموز والشخصيات السياسية التي يحتاجها النظام في إدارة عجلة المجال السياسي”.
أما الآلية الثانية؛ فلفتت إلى “الحوار الوطني”: والذي دعا إليه السيسي خلال حفل إفطار رمضاني عام 2022، بهدف إيجاد فاعلية تنشغل بها القوى السياسية المختلفة؛ فلا تدخل في حالة سكون وبيات كامل، ولا تنشط بشكل يهدد استقرار الوضع القائم؛ فالحوار الوطني يسمح للقوى المرضي عنها بمناقشة الملفات التي سمح النظام بمناقشتها، وفي النهاية ما يقدموه من مقترحات يظل توصيات للنظام القائم مطلق الحرية في الأخذ بها أو تجاهلها.
تأميم العمل الخيري
وضمن هندسة المجال العام يتحكم النظام استراتيجيا في المجتمع المدني: من جانب “الرغبة في السيطرة على مال الخير، وتوظيف أنشطة الجمعيات الأهلية ضمن خطة الدولة، وتوظيفها في كسب ولاء المستفيدين من هذه الخدمات، كانت هي الأهداف التي صاغت استراتيجية النظام للتعامل مع الجمعيات الأهلية”.
واعتبرت أنها “جزء من الاستراتيجية الرئيسية للنظام القائمة على تأميم كل المساحات والسيطرة التامة عليها”.
وأشارت إلى أن السيسي من خلال مبادرة 26 أبريل 2022، “التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي”، ينسق بين الجهات والهيئات التي تعمل تحت مظلته؛ بما يضمن تنظيم العمل الخيري بشكل مركزي، وبما يمنع حصول أي أسرة على الدعم من أكثر من جمعية أهلية.
غير أنها يبدو أنها باب لسرقة المال الخيري منبهة إلى أعضاء أربعة جمعيات خيرية منضمة للتحالف فإن “التحالف يُسهّل الكثير من أنشطة الجمعيات في مقابل حصوله على نسبة من أموالها تُخصم من حساباتها في البنوك لصالح صندوق تحيا مصر تحت بنود مختلفة بينها الدعاية وتنمية موارد الصندوق”.
وقالت إن الانضمام للتحالف يضمن تيسير عمل الجمعيات وتسهيل حصولها على التصاريح والموافقات اللازمة خلال ممارسة نشاطاتها، مقابل قبولها بأن تصبح جزء من استراتيجية النظام في السيطرة على حركة أموال الخير والرقابة على مسارات تدفقها.
الاستراتيجية الثانية
وتحت عنوان “نظام شمولي ودولة مهمشة” اعتبرت الورقة البحثية أن ذلك الملمح الثاني للنظام السلطوي.
وقالت إنه يخلق شبكة زبائنية ومنتفعين واسعة ومعقدة، تدير معظم الملفات التي من المفترض أنها مخولة للجهاز الإداري للدولة؛ هذه الشبكات تمكن النظام السلطوي من تحقيق هدفين: أن يظل الجزء الأهم من سياساته خارج الإطار القانوني والمؤسسي للدولة وبالتالي يبقى بعيدا عن أية مساءلة أو رقابة أو تدقيق، من جهة ثانية: يسمح للنظام القائم بحية كبيرة في إعادة تشكيل هذه الشبكات بصورة مستمرة حتى لا تمثل مصدر خطورة عليه، دون أن يخضع في عمليات الإحلال والتجديد تلك إلى أية ضغوط.
نماذج الشمولية
وأضافت أن الصعود السريع لـ إبراهيم العرجاني رئيس اتحاد قبائل سيناء المتحالف مع القوات المسلحة في مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك، دليل سافر على الشبكات غير الرسمية التي انتزعت أدوار كثيرة من المفترض أن تؤديها الدولة، وقد وصفه تقرير لمدى مصر بالرجل الذي “تتقاطع عنده خطوط الأعمال والسلطة والعلاقات الدولية.
وأوضحت أن صعود العرجاني ليس استثنائيا؛ إنما جزء من شبكات نفوذ تتمدد وتكتسب أرض جديدة بمرور الوقت، في هذا السياق نشير إلى “عقد قران محمد صافي ابن رجل الأعمال صافي وهبة، على مريم أحمد السيسي بنت المستشار أحمد السيسي أخو الرئيس السيسي” في أغسطس 2018، بعدها بسنة واحدة وتحديدا في أغسطس 2019 تم تعيين صافي وهبة بقرار من وزير الصناعة كرئيس للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي، وفي 2020 ظهر اسم صافي وهبة كرئيس لمجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان، واللي كانت شركة حكومية تم خصخصتها قبل الثورة.
اقصاء القوى المجتمعية
استراتيجة ثالثة شرحتها الورقة وهي “إقصاء قوى المجتمع الحية من المجال السياسي” وتعني إقصاء قوى المجتمع الحية، غير الحليفة للنظام، خارج المجال السياسي، مع الحرص على تفكيكها بشكل يحرمها من القدرة على ممارسة أي تأثير في ظل النظام القائم. هذه السياسة على المدى القريب تحمي النظام من صداع قوى المجتمع المتضررة من سياساته والمعارضة لاستمرارها”.
واستدركت أنها على المدى البعيد وأحيانا على المدى المتوسط تمثل مصدر تهديد دائم للنظام القائم؛ في حال تمكنت هذه القوى من اقتحام المجال السياسي ستسعى حتما إلى تغيير قواعد اللعبة التي لا تسمح لها بلعب أي دور أو ممارسة أي تغيير، هذا السعي لتغيير قواعد اللعبة قد يصل إلى حد تغيير النظام ذاته.
تطبيق الاستراتيجية بالاعتقال
واعتبرت الورقة أن عمليات الاعتقال المستمرة لكل من يبدي اعتراضًا، على مرتبات متدنية، أو ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات تأتي ضمن هذه الاستراتيجية.
ومنذ ذلك:
-احتجاز الأمن الوطني عددًا غير محدد من عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، في نهاية فبراير الماضي، على خلفية إضراب عمالها لمدة أسبوع احتجاجًا على تدني الأجور.
– مظاهرة أخرى انطلقت في 15 مارس 2024، بمنطقة الدخيلة بالإسكندرية، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وتدهور الأحوال المعيشية، ورفع المتظاهرون لافتات تحمل شعارات: «جوعتنا يا سيسي» و«سلمية.. الشعب والشرطة والجيش إيد واحدة»، وفرقت قوات الشرطة المتظاهرين بعد دقائق، وألقت القبض على العشرات، قبل أن تفرج عنهم بعد ساعات باستثناء سبعة ما زالوا رهن الاحتجاز.
– الحساسية التي يتعامل بها النظام مع الاحتجاجات الداعمة لغزة والمنددة بالعدوان الاسرائيلي؛ على الرغم من كون هذه التظاهرات لا تتعلق بالشأن الوطني.
https://politicalstreet.org/6370/?tg_rhash=5a15a1c1d945f4