لماذا تراجع الدور المصري خلال الحرب الإسرائيلية على غزة؟

- ‎فيعربي ودولي

نشر موقع “العربي الجديد” تحليلا سلط خلاله الضوء على الحرب الإسرائيلية على غزة، وأسباب تراجع الدور المصري خلال تلك الحرب.

ومع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها السابع، تتصاعد التوترات الإقليمية التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار العنف.

وفي 15 أبريل، ولأول مرة في التاريخ، شنت إيران ضربة انتقامية مباشرة ضد دولة الاحتلال بعد أن دمرت الأخيرة قنصليتها في دمشق.

ويأتي هذا الارتفاع في التوترات الإقليمية في الوقت الذي وصلت فيه الحرب في غزة إلى مرحلة قاتمة تتمثل في مقتل أكثر من 34,000 فلسطيني، من بينهم حوالي 14,000 طفل، بعد أكثر من 200 يوم من الحرب.

ومن المحتم أن تزداد مثل هذه الوفيات الجماعية مع الغزو الإسرائيلي لرفح – بعد أسابيع من المفاوضات مع المسؤولين الأمريكيين والانحرافات الإقليمية – يبدو حتميا، وربما يدفع العديد من الفلسطينيين البالغ عددهم 1.5 مليون فلسطيني الذين تقطعت بهم السبل في جنوب غزة عبر الحدود إلى مصر.

ومع اندلاع هذا الحريق من العنف في غزة، يبدو أن مصر، أكبر دولة عربية، غائبة عن العمل.

لم يتمكن، عبد الفتاح السيسي، من كبح جماح أحد أقرب حلفائها، دولة الاحتلال، أو الضغط على الولايات المتحدة لوقف حرب الاحتلال، التي تشكل تهديدا واضحا لاستقرار النظام المصري.

علاوة على ذلك، لم تفتح القاهرة حدودها مع غزة للتخفيف من حدة المجاعة التي لها تأثير مدمر على المدنيين، وأوضحت عدم رغبتها في قبول اللاجئين الفلسطينيين.

وبصرف النظر عن خطاب عدم السماح بنقل دولة الاحتلال الجماعي للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، وطلب دعم إضافي لأمن الحدود من الولايات المتحدة، لم تتخذ القاهرة موقفا نشطا ضد الحرب الإسرائيلية الوحشية على مدى الأشهر الستة الماضية.

وينبع هذا الدور – الضعيف بشكل ملحوظ – من نظام أغرق البلاد في أزمة اقتصادية عميقة، ونخبة عسكرية تهتم في المقام الأول بالبقاء على المدى القصير، وأسلوب عمل محسوبية يرى الحرب في غزة كوسيلة لتحقيق مكاسب مالية.

 

الأزمة الاقتصادية في مصر

لقد دُفعت مصر إلى أزمة ديون دراماتيكية مع عواقب اقتصادية مدمرة على الفقراء والطبقة الوسطى. ولم يتسبب ذلك في انهيار العملة الوطنية وزيادة معدلات الفقر واستهلاك الموارد الوطنية فحسب، بل وضع مصر أيضا في موقف ضعيف للغاية من حيث اتخاذ مواقف بشأن غزة لا تتماشى مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

ومنذ بدء حرب غزة، باعت مصر أراض لدول الخليج لتعزيز الاقتصاد، أي صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة لتطوير منتجع رأس الحكمة على الساحل الشمالي، في حين توصلت القاهرة أيضا إلى صفقة قرض موسعة بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي وتلقت حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي مقابل الحد من الهجرة.

وكانت تدفقات التمويل الأجنبي هذه حاسمة لدرء الانهيار الاقتصادي الكامل. ومع ذلك، فقد جعلوها أكثر اعتمادا على إرادة القوى الغربية الدولية وقلصوا قدرة مصر على التصرف فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية أو تحدي الحصار المفروض على غزة علنا، وكلاهما يتمتع بدعم غربي.

 

العلاقات مع الاحتلال

عامل آخر هو التحالف الوثيق بين مصر ودولة الاحتلال، والذي يمتد من التعاون الأمني إلى التكامل الاقتصادي، وحتى الدعم السياسي العلني من تل أبيب.

عندما كانت مصر تواجه تمردا متزايدا في سيناء، على سبيل المثال، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي متورطا بشكل مباشر في جهود مكافحة التمرد، حيث تم تنفيذ أكثر من 100 غارة جوية لدعم قوات الأمن المصرية.

وفي الوقت نفسه، باعت الشركات الإسرائيلية برامج تجسس متطورة إلى مصر استخدمتها للتجسس على المنتقدين، وأبرزهم أحمد الطنطاوي، وهو شخصية معارضة كان ينظر إليه على أنه التهديد الوحيد الموثوق به للسيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2023.

تعبر هذه العلاقات أيضا إلى الساحة الاقتصادية ، وبشكل أكثر تحديدا في قطاع الطاقة. انتقلت مصر الآن إلى أن تكون مستوردا للغاز الطبيعي على الرغم من الطموحات السابقة في أن تكون مركزا إقليميا للطاقة ، وهي طموحات تضمنت صفقة ضخمة بقيمة 15 مليار دولار لشراء الغاز الإسرائيلي لإعادة تصديره إلى أوروبا.

وقد تؤدي نهاية هذه الطموحات الآن إلى زيادة اعتماد مصر على استيراد الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي المتزايد، مما يضعف موقفها بشكل أكبر.

هناك أيضا الدعم السياسي العلني الذي تتلقاه مصر من دولة الاحتلال وحلفائها في واشنطن، حيث ضغطت أيباك علنا نيابة عن النظام في عام 2013 في أعقاب الانقلاب الدموي الذي أوصل الجيش إلى السلطة. كان الهدف هو الحفاظ على المساعدات العسكرية الأمريكية ، التي تبلغ 1.3 مليار دولار ، تتدفق إلى الاستبداد العسكري الوليد. 

في ضوء ذلك، تعتبر دولة الاحتلال حليفا لا غنى عنه أثبت أنه لا يقدر بثمن في إبقاء النظام في السلطة، وبناء على هذه الحسابات، ستخطو مصر بخفة شديدة إذا اشتبهت في أن سياساتها ستعطل التحالف.

وهذا يترجم إلى التضحية بالاستقرار على المدى الطويل على حدودها والمخاطرة بتدفق جماعي للاجئين الفلسطينيين – الأمر الذي من شأنه أن يضر بالموقف المحلي للنظام – من أجل الحفاظ على تحالفه مع دولة الاحتلال سليما.

ويشمل أيضا المساعدة في الحصار المفروض على غزة، الذي يزيد بشكل غير مباشر من التوترات الإقليمية ويساهم بشكل مباشر في المجاعة التي تتكشف في الأراضي الفلسطينية.

 

المحسوبية في مصر

وأخيرا، هناك الطبيعة المحسوبية لنخب النظام، التي تستخدم الحرب في غزة لإثراء نفسها على حساب الفلسطينيين اليائسين. وبشكل أكثر تحديدا، هناك حالة إبراهيم العرجاني، وهو زعيم قبلي في سيناء ورئيس ميليشيا خاضعة لعقوبات النظام شاركت في عمليات مكافحة التمرد في سيناء.

والعرجاني هو مالك شركة “هلا”، وهي شركة تتقاضى من الفلسطينيين آلاف الدولارات لترتيب خروجهم من القطاع وتتمتع بعلاقات وثيقة مع قوات الأمن المصرية. هذه الممارسة ليست غير إنسانية فحسب، بل إنها تضر أيضا بالمصداقية المحلية للنظام.

ومع ذلك، فإنه يدل على قوة شبكة المقربين من الأجهزة الأمنية وشركائهم التي بناها السيسي لتعزيز قبضته على السلطة، وهي مجموعة من النخب التي يمكن القول إنها نمت بقوة أكبر من أن يسيطر عليها السيسي. وهذا يسمح لهذه النخب بإلحاق الضرر باستقرار النظام على المدى الطويل من أجل احتمال تحقيق ثروات سريعة.

في النهاية، لا يمكن فهم هذه السياسة إلا من خلال عدسة الهوس بالبقاء في السلطة بأي ثمن. المنطق بسيط، قاوم نقل الفلسطينيين إلى سيناء من خلال إغلاق الحدود وحصار غزة دون أي إجراءات سياسية ملموسة قد تخفف من الكارثة الإنسانية التي تتكشف.

إن الحفاظ على التحالف مع دولة الاحتلال وداعمي مصر الغربيين يتفوق على أي مخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل.

في الجوهر، ينظر النظام المصري إلى احتمالات بقائه على قيد الحياة باعتبارها معززة إلى حد كبير بدعم الغرب والاحتلال، والتضحية بما قد يعتقد الكثيرون أنه ضرورة للأمن القومي.

وقد زاد هذا المنطق بشكل كبير من احتمال حدوث تصعيد إقليمي، وحتى حرب شاملة، والتي كان من الممكن أن تتضاءل إلى حد كبير لو اتخذت مصر موقفا أقوى وحاولت من جانب واحد التخفيف من حدة المجاعة في غزة.      

 

رابط التقرير: هنا