قالت مجلة “أنديا توداي” إن “الانتخابات التي تشهدها الهند 19 أبريل : 1 يونيو 2024، ستفسر عن انتخاب 88 عضوا لمجلس الشعب، أحد مجلسَي البرلمان على 7 مراحل، وفي 13 ولاية من بينها كيرالا وبراديش في المرحلة الثانية.
ويتنافس في هذه الانتخابات “التحالف الوطني الديمقراطي” بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، و”التحالف الوطني التنموي الشامل” الذي يضم كثيرا من الأحزاب المعارضة.
ومن بين المرشحين البارزين في هذه الانتخابات الزعيم المعارض راهول غاندي، والممثلة السابقة وصانعة الأفلام هيما ماليني من قادة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
وتسمح الانتخابات الهندية لنحو 968 مليون ناخب أن يدلوا بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس الشعب في البرلمان اليفدرالي، ومن المقرر الإعلان عن نتائج الانتخابات في 4 يونيو.
وعلى الأرض يمارس “مودي” لعبة انتخابية أدمنها على مدى نحو 20 عاما، يقصد بها تعبئة الناخبين الهندوس سياسيا على طول الانقسام الهندوسي المسلم في الفترة التي تسبق الانتخابات.
المثال الأخير
وكمثال على رغبة “مودي” تحويل الانتخابات الهندية إلى حرب بين الهندوس والمسلمين، قال رئيس الوزراء “ناردينا مودي” أمام حشد في ولاية راجاستان: إنه “إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، فسوف تأخذ ثروة الهندوس وتعطيها لأولئك الذين لديهم المزيد من الأطفال”، في إشارة واضحة إلى المسلمين.
وفي تقرير كتبه البروفيسور أبوورفاناند، مدرس اللغة الهندية في جامعة دلهي، ل”الجزيرة نت” إن مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا قررا أن يتنافسوا في هذه الانتخابات الوطنية المكوّنة من سبع مراحل كأبطال للمصالح الهندوسية، يشيعون أن الأغلبية الهندوسية تواجه خطرا، إذ يتآمر حزب المؤتمر المعارض مع الجالية المسلمة لسرقة ثرواتهم، ومستحقاتهم وتسليمها للمسلمين.
وقال: إن “تصريح مودي الأخير بحق المسلمين أثار غضبا في بعض الأوساط، وطالب المواطنون والمنظمات من جميع أنحاء البلاد من لجنة الانتخابات الهندية، باتخاذ إجراءات ضده؛ بسبب خطاب الكراهية الذي ألقاه”.
حتى إن الاتحاد الشعبي للحريات المدنية، وهي جماعة حقوقية، طالب باستبعاد مودي من خوض الانتخابات؛ بسبب هذا التحريض الطائفي العلني.
ولم تسفر ردود الفعل هذه عن أي تغيير في الخطاب، وفي الواقع، ضاعف رئيسُ الوزراء موقفه بعد يومين.
ويوم الثلاثاء، في خطابه أمام تجمع انتخابي آخر في راجاستان، ادّعى مودي مرة أخرى أن حزب المؤتمر كان يتآمر للاستيلاء على ثروات الهندوس، وتوزيعها على أشخاص مختارين.
ولضمان عدم وجود أي غموض، ذهب مودي إلى اقتراح أن حزب المؤتمر سوف ينتزع المخصصات – أو الحصص في التعليم والتوظيف والخطط الحكومية وما إلى ذلك – من الطبقات الهشة، والطوائف المصنفة، والقبائل ويعطيها للمسلمين.
وكانت هذه محاولة واضحة لإخافة الفئات الهشة وطائفة “الداليت” من الناخبين الهندوس، ودفعهم للتصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.
وفي يوم الثلاثاء أيضا، قال رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث: إن “حزب المؤتمر يريد تطبيق الشريعة الإسلامية، وكانت هذه محاولة واضحة لإثارة الذعر من أسلمة الهند”.
مسلسل عنصري
واهتمت تقارير برصد تراجع الهند، اعتبرت لفترة طويلة أكبر ديمقراطية في العالم في 2021، بعدما خفَّضت مؤسسة فريدوم هاوس تصنيفها من “حرة” إلى “حرة جزئيا”، وسلطت الضوء على التآكل المستمر للديمقراطية وتراجع الحريات منذ وصول مودي إلى سدة الحكم، ووصفها معهد أبحاث أنواع الديمقراطية (V-Dem) بأنها استبداد انتخابي في ظل الحزب الحاكم الهندوسي الذي انخفض مستوى الديمقراطية في عهده إلى مستوى عام 1975، عندما فُرضت حالة الطوارئ في الهند.
وقالت منظمة “Common Cause”: إن “مسلمي الهند يعيشون في ظل حكومة بهاراتيا أسوأ أيامهم، ووصف التقرير أفراد الشرطة بأنهم متحاملون على المسلمين، وسط تصاعد الإفلات من العقاب لمن يعتدون على المسلمين، ووثق إلغاء المحاكم والهيئات الحكومية شكاوى تثبت تورط الهندوس في الهجوم على المسلمين”.
وأوضحت أن هناك الكثير من الأسباب وراء شعور أكبر أقلية دينية في الهند بالتهميش والقلق بشأن الانتخابات القريبة، أولها “جهاد الحب“، وهو مصطلح يتم الترويج له بشكل متزايد من القادة ووسائل الإعلام الهندية، ويزعم أن الرجال المسلمين يجذبون النساء الهندوسيات للزواج كجزء من الحرب المقدسة الإسلامية ضد الهندوس، حتى يتمكنوا بعد ذلك من اعتناق الإسلام.
هذا المصطلح موجود منذ عام 2009، عندما هربت سيلجا راج البالغة من العمر 18 عاما مع صديقها المسلم، وادَّعى والدها أنه تم غسل دماغها وإغراؤها، ووجدت المحكمة العليا في كارناتاكا أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، لكن في السنوات الأخيرة، قوبلت الزيجات بين الأديان بالقمع.
لدى اليمين الهندوسي المتطرف معلومات كاذبة للترويج لهذه الرواية، حتى إن الجماعات اليمينية المتطرفة نشرت مقالات عن المسلمين الذين تزوجوا من الهندوس وحب الجهاد ما أدى إلى وقوع هجمات مميتة.
اعتداءات معنوية
وتجلت الاعتداءات المعنوية، إحداها في عرض مسلمات للبيع على شبكة الإنترنت، في حادثة سُجلت لأول مرة في عام 2018، وتجدد الاعتداء في صيف عام 2021، عندما عُرضت 80 امرأة مسلمة للبيع في مزاد علني بهدف السخرية.
السبب الثاني هو عمليات الإعدام خارج نطاق القانون لحماية البقر، فقد حوَّل القوميون الهندوس البقرة إلى أكثر الحيوانات استقطابًا في البلاد، ففي الأعوام الـ10 الأخيرة، اُرتكبت 76% من جرائم الكراهية في هذا البلد ضد المسلمين، 90% منها وقعت في السنوات الـ5 الاخيرة، وكثير منها له علاقة بلحم البقر.
تم حظر ذبح الأبقار في معظم أنحاء الهند، لكن بعض السياسيين والجماعات اليمينية المتطرفة ذهبوا إلى أبعد من ذلك من خلال تشجيع حشود حماية الأبقار على مهاجمة المسلمين والداليت (المنبوذون)، وقد تم إعدام البعض في الشوارع للاشتباه في تناولهم لحوم البقر.
السبب الثالث بحسب التقرير يرتكز على محو تاريخ المسلمين، فرغم أن الإسلام وصل الهند في القرن الأول للهجرة، وحكم المسلمون شبه القارة الهندية نحو 8 قرون، ولهم تاريخ طويل وغني، بما في ذلك بعض المواقع الأثرية الأكثر شعبية في البلاد، ويكافح المسلمون لعقود طويلة لإثبات أنهم من سكان البلاد الأصليين، فإن الأحزاب اليمينية تدعي أنهم مهاجرون، وتعْهد السلطات الهندوسية إلى تقويض هذا التاريخ الآن.
رئيس حكومة غوجارات
وبحسب البروفيسور الهندي أتقن “مودي” سبّ المسلمين والاستهزاء بهم والهجوم عليهم دون أن ينطق بكلمة مسلم.
وخلال فترة توليه منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات في 2002، اندلعت أعمال شغب أدت إلى طرد آلاف المسلمين من منازلهم وإجبارهم على الإقامة في مخيمات الإغاثة. وعندما بدأت حكومة الولاية في هدم هذه المعسكرات وواجهت انتقادات بسبب ذلك، قال مودي: إنه “لا يستطيع السماح لمصانع إنتاج الأطفال بالعمل”.
ودون أن ينطق بكلمة “مسلم”، قال: إن “هؤلاء هم الأشخاص الذين كان شعارهم “نحن خمسة، ولنا 25″ ويشير ذلك إلى أن الرجال المسلمين يتزوجون أربع مرات وينجبون 25 طفلا”.
وأضاف أنه في خطاباته اللاحقة، واصل تأليب الهندوس ضد المسلمين بمساعدة التلميحات، مثل: “الثورة الوردية” (غير النباتية)، و”الثورة البيضاء” (النباتية)، أو المقابر (في إشارة إلى ممارسات الدفن الإسلامية)، ومحارق الجثث، (في إشارة إلى الممارسة الهندوسية المتمثلة في حرق بقايا الجثث).
وفي خطابه يوم الأحد، أشار مودي بشكل مباشر إلى المسلمين على أنهم أولئك الذين ينجبون المزيد من الأطفال، والمتسللون، مما أثار نظرية مؤامرة شريرة مفادها أن المسلمين غرباء ويهدفون إلى التفوق على الأغلبية الهندوسية.
ورأى أنه من الواضح أن رئيس الوزراء يلعب لعبة خطيرة، إذ يحول الانتخابات إلى حرب بين الهندوس والمسلمين، ويطلق حزب بهاراتيا جاناتا على نفسه اسم حزب الهندوس علنًا. وليس من الخطأ أن نستنتج من خطابه أنه قبلَ أن يكون ناخبوه من الهندوس فقط. وقد أوضح قادة آخرون في حزبه ذلك أيضا. وفي العام الماضي، أعلن رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، أنه لا يريد أصوات “ميا” وهم المسلمون الناطقون باللغة البنغالية.
ونقل ابور فاند عن بعض المحللين رؤيتهم أن حزب بهاراتيا جاناتا أصبح يائسا؛ لأنه لم يتلقَّ الدعم المتوقع في المرحلة الأولى من الانتخابات، وقد دفعه هذا اليأس إلى تجربة صيغته القديمة المتمثلة في الاستقطاب الهندوسي من خلال توليد الخوف من سيطرة المسلمين على الهند.
انتقاص خطاب المسلمين
وعن خطابات مودي منذ بدء هذه الحملة الانتخابية، فأغلبها يحمل تصور أحزاب المعارضة على أنها مناهضة للهندوس. فقال: إن “بيان المؤتمر يحمل بصمة الرابطة الإسلامية، في إشارة إلى الحزب السياسي الذي تأسس في ظل الاحتلال البريطاني لتأمين حقوق المسلمين”.
وادّعى أن قادةَ المعارضة لديهم عقلية المغول، ” يعني حكام الهند المسلمين من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر”، وأنهم أهانوا الهندوس من خلال تناول الأسماك خلال المناسبات الهندوسية المقدسة، وتناول اللحوم خلال شهر صوان المقدس عند الهندوس، وإنهم يفعلون ذلك لإرضاء ناخبيهم، ومَن يمكن أن يكون هؤلاء الناخبون غير المسلمين؟.
وزعم “مودي” انغماس زعماء المعارضة في ممارسات مناهضة للهندوس؛ لاسترضاء المسلمين، في حين لا تحتاج المعارضة إلى أصوات الهندوس ولا تستطيع أن تفعل أي شيء من أجل تنفيرهم، لكن الافتقار إلى المنطق لم يمنع مودي وحزب بهاراتيا جاناتا من تكرار هذه الادعاءات في محاولة لاستفزاز الهندوس ضد المسلمين.
واعتبر الأكاديمي الهندي “ابورفاند” أن ذلك يعد انتهاكا واضحا لمدونة قواعد السلوك النموذجية للجنة الانتخابية المستقلة، والتي بموجبها لا يُسمح لأي شخص بالحصول على أصوات أو القيام بحملات على أسس دينية أو طائفية.
وأضاف أنه انتهاك لقانون تمثيل الشعب، الذي يعتبر الدعاية الطائفية جريمة، وينص القانون على أن الطعن الذي يقدمه المرشح، أو أي شخص آخر بموافقة المرشح، للتصويت أو الامتناع عن التصويت على أساس دينه أو عرقه أو طائفته أو لغته، يعد ممارسة انتخابية فاسدة، إذا ثبتت إدانته بموجب هذا الحكم، يمكن أن يواجه الفرد عقوبة السجن لمدة تصل إلى ستّ سنوات.
وأشار إلى أن هذا البند من القانون هو الذي أدَّى إلى حظر الانتخابات لمدة ستّ سنوات في عام 1999 على بال ثاكيراي، مؤسس حزب شيف سينا؛ بسبب محاولاته التحريض الطائفي.
وقال: “على الرغم من الدعوات لاتخاذ إجراءات لوقف استخدام حزب بهاراتيا جاناتا، الخطابَ التحريضي في الانتخابات الجارية، فإن لجنة الانتخابات الهندية التزمت الصمت التام بشأن هذه القضية. وذلك لأنه جسم معرض للخطر”.
تشريعات ضد المسلمين
وفي ديسمبر، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من تمرير تشريع من خلال البرلمان أدى إلى تغيير تشكيل لجنة الاختيار المكلفة بتعيين مفوضي الانتخابات، وفي وقت سابق، كان رئيس المحكمة العليا في الهند جزءا منها، إلى جانب رئيس الوزراء وزعيم المعارضة، والآن تم تعويضه بوزير يختاره رئيس الوزراء.
وبحسب تقارير، فقدت اللجنة الانتخابية “المستقلة” استقلالها. وهي تتصرف كهيئة حكومية منذ ذلك الحين، حيث تصدر إخطارات لزعماء المعارضة بشأن الهفوات الصغيرة، ولا تتخذ أيَّ إجراء بشأن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها قادة حزب بهاراتيا جاناتا، وهذا يعني فعليًا أن الانتخابات في الهند معرضة للخطر أيضا.
ومع استمرار حملة التحريض التي يقوم بها حزب بهاراتيا جاناتا، يُنصَح المسلمون بعدم الرد؛ لأن ذلك سيجعل الهندوس ينجذبون نحو حزب بهاراتيا جاناتا، المسلمون يلتزمون الصمت، لكن كذلك لجنة الانتخابات الهندية والمحاكم.