في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة، يعيشها أغلب المصريون في ظل حكم عسكري قمعي، تتفاقم معاناة الغلابة وتتكاثر عليهم المشكلات الاجتماعية، التي تعجزهم عن تلبية احتياجات أبنائهم وأسرهم.
ولعل هروب الرجال في مصر من المسئولية، وعدم قدرتهم على الاستجابة لمتطلبات الحياة.
وفي سياق اجتماعي وسياسي واقتصادي مأزوم، وفي غضون أقل من يومين، حدثت محاولة انتحار جديدة في محافظة الجيزة، حيث قام شخص بإضرام النار في جسمه بسبب مشاكل نفسية.
حيث تم استلام بلاغ من إدارة شرطة النجدة حول شخص يقوم بإشعال النار في نفسه في منطقة المنيب.
وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، بعد أن أصيب بحروق جسيمة.
كرداسة
وفي حادث آخر، قام رجل بسكب البنزين على جسده وإشعال النار في نفسه في كرداسة شمال قطاع أكتوبر.
وتم نقله إلى المستشفى، حيث تبين أنه أصيب بحروق من الدرجة الثانية، تم فتح تحقيق في الحوادث لمعرفة تفاصيلها وتم تحرير محاضر بالوقائع.
وفي فبراير الماضي، عادت عجلات الانتحار تفتك بالمصريين مرة أخرى بعد توقف لم يدم كثيرا، حيث أقدم مواطن على التخلص من حياته، بإلقاء نفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة حدائق حلوان، ونقل جثمانه إلى المشرحة تحت تصرف النيابة.
والحادث لم يكن الأول، إذ شهدت محطة قطارات السكة الحديد برمسيس، حادثا مأساويا بإقدام شخص على التخلص من حياته تحت عجلات القطار.
وأعلنت منصة حقهم الحقوقية ،عن انتحار والدة أحد الفتية المحكوم عليهم بالسجن 15 عاما بتهمة التظاهر، في القضية رقم 1530 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، المعروفة إعلاميا في مصر بقضية “الجوكر”.
ضغوط اقتصادية وانعدام أمل
أرجع الباحث عمار علي حسن، تلك المؤشرات المرتفعة إلى أن قسما كبيرا من المجتمع المصري أصبح غير قادر على الاستمرار في الحياة؛ نتيجة الضغوط الاقتصادية الهائلة وانعدام الأمل في المستقبل، كما أن هناك انتحارات لأسباب عاطفية أو خلافات أسرية، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالاضطرابات النفسية، أو ما يسمى بالاكتئاب العميق أو الاكتئاب الانتحاري.
يوافقه الرأي الباحث محمد الصاوي، حيث قال: إن “حالات الانتحار مؤشر لقادم أسود للبلاد، من حيث البيئة الخصبة للحالة التي يعيشها المصريون”.
وأشار إلى أن دولا مثل السويد ينتحر بها الفرد لعدم شعوره بالحياة برغم العيش الرغد الموجود فيه، لكن حالة المصريين تختلف جذريا فهم لا يجدون الحياة من الأساس كي يعيشوا، وهذا سبب كاف لإطلاق أنفسهم لحالات الانتحار في الميادين والشوارع وأسفل عجلات المترو.
أرقام كارثية
وأصدرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، تقريرا عن حالات الانتحار في مصر خلال الأشهر الستة الماضية من العام الماضي، وذلك تحت عنوان حالات الانتحار في مصر الإحباط الاجتماعي وغياب الدولة.
وقالت: إن “عدد حالات الانتحار بلغ خلال فترة التقرير 186 حالة، وجاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27% ثم محافظة القليوبية بـ14 حالة 7.52% ومحافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%”.
كما جاءت محافظات القاهرة الكبرى الثلاث القاهرة والجيزة والقليوبية في الصدارة، بما يزيد على ضعف حالات الانتحار المسجلة في باقي المحافظات بمعدل 96 حالة بنسبة 51.61% تليها محافظات الدلتا مضافا إليها محافظة الإسكندرية بـ52 حالة بنسبة 27.95% وفي المركز الثالث جاءت محافظات الوجه القبلي بمعدل 30 حالة بنسبة 16.12% تليها محافظات القناة في الترتيب الأخير بـ4 حالات بنسبة 21.5%.
وأشار التقرير إلى أن عدد الذكور كان الأعلى في معدل حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12% بينما وصل عدد الإناث إلى 63 حالة بنسبة 33.87%.
وتابعت، جاء الانتحار شنقا في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%، يليه تناول قرص غلة سام أو كيماوي أو مبيد حشري أو أقراص دوائية زائدة في المرتبة الثانية بـ46 حالة بنسبة 24.73%، يليه في الترتيب الثالث الانتحار بالقفز من طابق عال بمنازل المنتحرين أو من مبان تابعة بأماكن عامة بـ31 حالة بنسبة 16.6%.
وهكذا يتواصل نزيف الأرواح بزمن السيسي الذي فاقم نسب الفقر بين المصريين لتتجاوز 60% كما تفاقمت نسب البطالة لتتجاوز 34% ، كما ضيق أي مساحة للتعبير عن الرأي أو الاحتجاج للتعبير عن غضب الشعب، ما يقود كل المجتمع للانفجار والفوضى أو الاحتراب الداخلي، في أسوا حصاد لسياسات السيسي القمعية.