أعلنت حكومة الانقلاب عن خطة لخصخصة قطاع الكهرباء، والسماح للقطاع الخاص بالعمل في مجال إنتاج الكهرباء، ما يعني انسحابها من هذا القطاع وإلغاء الدعم بالكامل، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي دون اعتبار للمواطنين الذين لا يستطيعون الحصول على لقمة العيش والاحتياجات الأساسية اليومية في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار .
وتضغط بعثة صندوق الدولي المتواجدة في القاهرة الآن على حكومة الانقلاب لإلغاء الدعم واستجابت حكومة الانقلاب لهذه الضغوط، وقررت رفع سعر رغيف الخبز ورفع أسعار البنزين والوقود ودراسة التحول إلى الدعم النقدى بدلا من الدعم العيني بجانب خصخصة قطاع الكهرباء، ما يعني تحكم الشركات الخاصة في الأسعار وإلغاء الدعم.
كان محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس وزراء الانقلاب قد كشف عن بدء تلقي طلبات القطاع الخاص من أجل بدء إنتاج الكهرباء.
وقال الحمصاني في تصريحات صحفية : “هذا الاجراء يأتي في إطار تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، ودعم دور القطاع الخاص في مختلف القطاعات وعلى رأسها قطاع الكهرباء، مؤكدا أنه خلال الفترة الماضية تم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات مع القطاع الخاص في مجال إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة”.
وزعم أن وزارة كهرباء الانقلاب في إطار نفس السياسة تسعى إلى دعم دور القطاع الخاص وتعزيز مشاركته في قطاع الكهرباء من خلال إتاحة الفرصة لتلقي طلبات التسجيل للشركات الراغبة في المرحلة الأولى من مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية وفق تعبيره.
وأشار الحمصاني إلى أن الشركات التي لديها رغبة في إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال مشروعات تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة بإمكانها أن تتقدم بطلباتها، وسوف يسمح لها بنقل الكهرباء عن طريق الشبكة المصرية للكهرباء وأن تقدم الطاقة للمستهلكين، وفق تعبيره .
كما زعم أن دولة العسكر تزيد تدريجيا من قدرات الشبكة، وهناك سعي لزيادة نسبة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة، التي يتم توليدها، وخلال المرحلة الأولى وبعد الاتفاق مع الشركات على توليد الطاقة سيتم بيعها للمستهلكين الجدد، وسوف يتم البيع طبقا للشرائح التي سيتم تطبيقها من شبكة الكهرباء في إطار الاتفاقات الثنائية مع القطاع الخاص .
وأوضح الحمصاني أنه تم عقد قواعد تنظيمية للاتفاقات الثنائية مع القطاع الخاص، من حيث الإنتاج والاستهلاك وسوف تباع للمواطنين طبقا للشرائح التي تباع بها للمستهلكين .
القطاع الخاص
من جانبها اعترفت وزارة كهرباء الانقلاب بأن حكومة الانقلاب بدأت تلقي طلبات من القطاع الخاص لمشروعات إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
وقالت الوزارة: إنه “تم السماح للشركات، التي تنتج الكهرباء من مصادر متجددة باستخدام شبكة الشركة المصرية لنقل الكهرباء، لبيعها لمستهلكين جدد”.
ونوه محمد شاكر وزير كهرباء الانقلاب إلى أن فترة تلقي تلك الطلبات تمتد من مطلع شهر يونيو الحالي، وحتى نهاية شهر أغسطس القادم.
وكشف أن مجلس إدارة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك أقر مؤخرا القواعد التنظيمية للاتفاقيات الثنائية بين القطاع الخاص إنتاجا واستهلاكا وكافة العقود اللازمة في هذا الشأن.
دولة العسكر
في هذا السياق زعم وزير مالية الانقلاب محمد معيط، أن بقاء دعم المواد البترولية ضد مصلحة دولة العسكر، مشيرا إلى أن قيمة الدعم تصل إلى 154.5 مليار جنيه (2024-2025)، فيما يعلق رئيس وزراء الانقلاب آماله على مساهمة رفع أسعار الخبز المدعم بنحو 125 مليار جنيه، في تخفيف العبء عن الموازنة العامة لدولة العسكر، بصورة تتناسب مع الزيادة الرهيبة في الأسعار.
وأشار مدبولي، في تصريحات صحفية إلى إمكانية زيادة أسعار المواد البترولية في ظل سعي حكومة الانقلاب إلى العودة إلى ما يسميه “مرحلة التوازن” بين سعري التكلفة والبيع النهائي بحلول عام 2025، مع بقاء دعم السولار حتى بعد عام 2025.
وتضغط إدارة الصندوق لدفع حكومة الانقلاب إلى الالتزام ببرنامج طرح الشركات العامة والتابعة للجيش في البورصة خلال العام الجاري، وتوجيه 50% من إيراداتها لسداد خدمات الدين العام، ودعم الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، مع إعادة تدوير نسبة من الإيرادات وعلاج الخلل في تمويل استثمارات مشروعات البنية التحتية العامة، المحدد سقفها بنحو تريليون جنيه.
صندوق النقد
وقالت مصادر مطلعة: إن “بعثة صندوق النقد الدولي المتواجدة بالقاهرة حاليا تولت على مدار خمسة أيام مراجعة التزام البنك المركزي بمرونة سعر الصرف، واستمرار تشديد السياسات النقدية والمالية، وناقشت البعثة تراكم متأخرات شركات النفط الدولية بقيمة 5 مليارات دولار، وديون الجهات الأجنبية المستحقة لدى الوزارات والبنك المركزي، التي تأثرت بنقص الدولار، وخطط حكومة الانقلاب بشأن سداد تلك المستحقات أو التفاوض مع الجهات الدائنة، على تأجيل السداد، لتصفية المتأخرات والالتزام بعدم تراكم متأخرات جديدة، وتوفير السيولة بالبنوك بما يمكن تلك الجهات من إنهاء المتأخرات في الوقت المناسب لكل الأطراف”.
وكشفت المصادر أن البعثة ألزمت حكومة الانقلاب بعدم احتفاظ الوزارات والجهات التابعة لها بأرصدة خاصة من العملات الصعبة، ووضعها بالبنك المركزي، واستبدالها بالجنيه، لتوحيد جهة الصرف للدولار، وتسهيل تتبع نفقات الوزارات بالنقد الأجنبي، في إطار برنامج التقشف الحكومي، الذي تعهدت بتنفيذه منذ يوليو 2023 .
وأشارت إلى مواجهة حكومة الانقلاب صعوبات هائلة في بيع محطتي كهرباء سيمنز بالعاصمة الإدارية وبني سويف وأربع محطات لتحلية المياه، و10 شركات منها شركتا وطنية للوقود وصافي للمياه المعدنية التابعتان للجيش.
حالة اضطراب
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن حالة الاضطراب التي تمر بها حكومة الانقلاب منذ وصول بعثة صندوق النقد إلى القاهرة ترجع إلى شدة الضغوط التي يمارسها الصندوق لتنفيذ كافة التعهدات المتفق عليها في مارس الماضي، والتي تشمل عدم تجاوز نفقات الاستثمارات الحكومية عن المبالغ المتفق عليها عند تريليون جنيه، وتحرير سعر الصرف، وطرح الشركات العامة منها التابعة للأجهزة السيادية في البورصة، دون القبول بتجزئة البيع وقصره على شركة واحدة، أو الإخلال بمبادئ الإفصاح والشفافية.
وأشار عبد المطلب في تصريحات صحفية إلى توجه خبراء الصندوق بعدم التهاون الذي أبدوه من قبل في متابعة القروض التي حصلت عليها حكومة الانقلاب أثناء أزمة كورونا 2020 واندلاع الحرب في أوكرانيا 2022، مع تتبعهم التفاصيل الدقيقة لإدارة موارد دولة العسكر، والدين العام وتنفيذ إصلاح هيكلي بما يدفع بدور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد.
واعتبر أن لجوء حكومة الانقلاب إلى دعوة المواطنين إلى حوار مجتمعي حول زيادة أسعار الخبز والوقود وإلغاء الدعم العيني بأنها محاولة للإفلات من التزاماتها مع صندوق النقد، بالقفز إلى الأمام، لتظهر أمام بعثة الصندوق المتواجدة بالقاهرة أنها تسعى للوفاء بالتزاماتها مع الصندوق دون القدرة على الالتزام بكافة التعهدات.
وتوقع عبد المطلب أن تركز بعثة الصندوق مع حكومة الانقلاب، حول توظيف المبالغ التي حصلت عليها دولة العسكر من بيع رأس الحكمة، وطرح الشركات العامة، لتحسين الاقتصاد، في ظل عدم وجود طاقة شرائية للطروحات، مشيرا إلى أن القفز بالحديث حول إلغاء الدعم العيني وتحويله إلى نقدي يتعارض مع انتهاء حكومة الانقلاب من مشروع الموازنة الجديدة، التي حددت نفقات الدعم وسبل تقديمه للمواطنين.
موجة غلاء
وأكد عبد المطلب أن قرار حكومة الانقلاب رفع أسعار الخبز والكهرباء أمر متفق عليه مسبقا مع الصندوق ومقرر وفقا لمؤشرات الموازنة المقبلة، وسيتم تنفيذه، مشيرا إلى أن عدم جدية الحكومة في إدارة حوار مجتمعي حول زيادة الأسعار، يأتي لفشل الحوار الوطني في الخروج بنتائج عملية تستهدف إصلاحا شاملا، يبدأ بتغيير حكومة الانقلاب والأشخاص القائمين على إدارة الاقتصاد، الذين تسببوا في تفاقم الأزمة المالية، وبقاء الوضع الذي دفع إلى استفحال الأزمة الاقتصادية إلى ما هى عليه .
ولفت إلى صعوبة لجوء حكومة الانقلاب إلى رفع أسعار السولار والبنزين حاليا، في ظل تراجع سعر النفط إلى ما دون 85 دولارا للبرميل، وعدم وجود مبرر يشعل الأسعار، لاسيما أن الإنقاذ المالي الذي قاده الصندوق مع مؤسسات التمويل الدولية يشمل تأمين المخاطر المترتبة على استمرار الحرب في غزة واضطراب حركة الملاحة بالبحر الأحمر، وتراجع عوائد السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، بالإضافة إلى وجود مخاوف من موجة غلاء جديدة، تدفع بزيادة معدلات التضخم والاضطراب الاجتماعي الناتج من تراجع قدرة المواطنين على تحمل أعباء المعيشة.