93 % تراجعا بأعداد الحاصلين على الماجستير والدكتوراة…مصر تتجه لمجتمع الـ50% والعساكر

- ‎فيتقارير

 

وسط غياب الأمل  في مستقبل أفضل ، في ظل حكم العسكر، وتحكمهم في كل شيء، زاد اليأس بين الشباب المصريين خاصة، وعموم المصريين، وهو ما ارتد عكسيا على الكثير من الظواهر الاجتماعية، والأمراض والأزمات التي انتفشت في أوساط المصريين، ولم تكن موجودة قبل تغول العسكر،كالانتحار والقتل والسرقات على نطاق واسع والنهب والخيانات….الخ من جرائم مجتمعية.

إلى أن وصل الأمر إلى العلم والعلماء، إذ لم يعد خافيا على أحد تصاعد هروب الأطباء من مصر وكذا المهندسين والمؤهلين علميا في جميع القطاعات العلمية والأدبية، وذلك بعدما بات العسكر هم الباب الأساسي للتعيينات والترقيات ونيل الدرجات العلمية والوظيفية.

ولعل الأثر الأكثر خطورة وتهديدا لمستقبل مصر، هو تراجع أعداد الدارسين دراسات عليا بالجامعات المصرية، وهو ما يجعل مستقبل مصر بلا علماء، ليرتع العسكر ولا يجدون من ينغص عليهم حياتهم، وهو ما يرسخ مجتمع الـ50% ، ونصف المتعلمين.

ووفق دراسات علمية، يشهد التعليم العالي في مصر تراجعا ملحوظا في أعداد الطلاب الملتحقين به،  علاوة على الملتحقين بالدراسات العليا، مما يثير القلق حول مستقبل التنمية البشرية وسوق العمل في البلاد، في وقت يجري عسكرة كل شيء في مصر بأمر السيسي.

 

ووفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء العام الماضي، فقد حدث تراجع حاد بنسبة 93% في أعداد الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراة منذ عام 2016.

 

هذا التراجع مرده، العسكرة وسيطرة العساكر على كل مفاصل الدولة، وإهانة العلماء، وعدم الاكتراث بالخبرات المهنية، مقابل الاعتماد على ثقافة الـ”تمام ياافندم”.

وأيضا جمود المناهج الدراسية التي لا تزال تدرس مواد قديمة منذ عام 1965، في حين يشهد العالم ثورة تكنولوجية هائلة.

وفقا للجهاز المركزي، انخفض إجمالي عدد الحاصلين على الدكتوراة بنسبة 73% في عام 2021 مقارنة بعام 2009 الذي سجل 33.8 ألف خريج.

 

المصروفات الدراسية الباهظة

ووفق شهادات لعدد من طلاب الدراسات العليا، فقد واجهوا أزمات مالية عديدة، إذ كان عليهم الموازنة بين الدراسة وحضور المحاضرات، وإشغالهم التي حصلوها بشق الأنفس، ورواتبهم الضعيفة، في وقت تتزايد فيه المصروفات الدراسية بصورة جنونية.

 

وتشكل المصروفات الدراسية المتزايدة سنويا والاختيار الصعب بين العمل واستكمال الدراسة سببا رئيسيا في التراجع الملحوظ في أعداد المتقدمين لاستكمال الدراسات العليا.

علاوة على استمرار إدارات كثير من الكليات، التلاعب في أوراق الخريجيين، واستعمال الواسطات والرشى والمحسوبية في تعيينات المعيدين بالكليات، والذين يعدون أكثر من يستكمل دراساته العليا، التي غالبا ما يكون جزءا كبيرا من مصاريفها محمل على الجامعة.

 

ووفق شهادات طلابية، فإن  تكاليف الماجستير وصلت إلى 40 ألف جنيه مصري، سنويا، لا يستطيع الطالب تحملها، بجانب نحو 5 آلاف جنيه شهريا، مصاريف التسجيل الدراسة والطباعة والتصوير وتعيين المشرفين، وغيرها من المصروفات.

 

تراجع الوظائف بزمن العسكر

 

ووفق شهادت الدارسين، يرجع تناقص أعداد الدارسين دراسات عليا، لعدم توفر وظائف حقيقية للباحثين بعد حصولهم على درجات الماجستير أو الدكتوراة، وارتفاع مصروفات الدراسة بشكل مفرط، إضافة إلى توجه نحو أن يكون معظم المستكملين لدراساتهم العليا في سلك التدريس.

 

إحباط الطلاب

كما يرى خبراء أيضا أن هناك حالة من الإحباط لدى الطلبة والباحثين، بسبب شعورهم بعدم جدوى الحصول على الدرجات العلمية العليا، في ظل تجاهل السلطة لحملة الماجستير والدكتوراة وعدم تعيينهم في الجامعات أو المصالح الحكومية، على الرغم من أن القانون يمنحهم الحق في ذلك.

 

قانون الخدمة المدنية وغياب التشجيع

 

قبل ثماني سنوات، أصدر المُشرع المصري قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، بهدف تحفيز الموظفين على التطور العلمي وتحسين أدائهم، وقد نصت المادة 39 من القانون على منح حافز مالي يُعرف باسم حافز التميز العلمي وعلاوة تشجيعية.

 

ومع ذلك، فإن المبالغ المحددة لهذه الحوافز تُعد ضئيلة، ولا ترتقي لمستوى التحفيز المطلوب، حيث تُوزع على النحو التالي: 25 جنيها شهريا للحاصلين على مؤهل متوسط أو فوق المتوسط، 50 جنيها  شهريا للحاصلين على مؤهل عالٍ، 75 جنيها  شهريا للحاصلين على دبلومة مدتها سنتان دراسيتان على الأقل، 100 جنيه شهريا للحاصلين على درجة الماجستير أو ما يعادلها، أو دبلومتين من دبلومات الدراسات العليا لمدة سنة دراسية على الأقل لكل دبلومة، و200 جنيه شهريا للحاصلين على درجة الدكتوراة أو ما يعادلها.

 

وتُعد المبالغ التي نص عليها القانون ضعيفة جدا، فهي ليست مُحفزة، ومع ذلك، هناك شروط للحصول على العلاوة التشجيعية، وهي، أن تكون كفاية الموظف قد حُددت بمرتبة كفء، على الأقل خلال العامين الماضيين، وألا يكون قد سبق للموظف الحصول على هذه العلاوة خلال السنوات الثلاث الماضية، وألا يزيد عدد الموظفين الحاصلين على العلاوة في نفس السنة عن 10% من إجمالي عدد الموظفين في نفس المستوى والوظيفة، وفي حال كان عدد الموظفين في نفس المستوى والوظيفة أقل من 10، تُمنح العلاوة لأحد الموظفين المستحقين.

 

أما الشروط التي حددها القانون للحصول على حافز التميز العلمي، فتمثل في حصول الموظف على مؤهل علمي أعلى أثناء فترة خدمته، بما يشمل الحصول على دبلومة مدتها سنتان دراسيتان على الأقل، أو الحصول على درجة الماجستير أو ما يعادلها، أو الحصول على دبلومتين من دبلومات الدراسات العليا لمدة سنة دراسية على الأقل لكل دبلومة، أو الحصول على درجة الدكتوراة أو ما يعادلها.

 

ويرى كمال مغيث، الخبير التربوي، في تصريحات إعلامية، هناك عدة عوامل وراء ظاهرة تراجع أعداد طلاب الدراسات العليا في مصر، بعضها يتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، والبعض الآخر يتصل بالنظام التعليمي وفرص العمل المتاحة.

 

تتلخص هذه العوامل في ارتفاع تكاليف الدراسات العليا، خاصة في الجامعات الخاصة، بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مما يشكل عبئا ماديا كبيرا على الطلاب وأسرهم، ويواجه خريجو الدراسات العليا صعوبات متزايدة في الحصول على وظائف مناسبة في سوق العمل، خاصة في ظل تزايد معدلات البطالة بين الشباب.

 

يتابع، يصطدم الطلاب بأن العديد من التخصصات الدراسية في مصر لا تقدم فرصا حقيقية للبحث العلمي المثمر، مما يقلل من دوافعهم للتقدم للدراسات العليا، كما يفضل بعض الطلاب الموهوبين مواصلة دراساتهم العليا في الخارج، سعيا وراء فرص علمية وبحثية أفضل وآفاق وظيفية أوسع.

يشار إلى أن قوة الدولة وتقدمها، يرتبط إلى جد بعيد بأعداد الدارسين بمراحل الماجستير والدكتوراة وأعداد الباحثين، وهو ما يبدو أن مصر العسكر باتت غير مهتمة به، بدليل تراجع أعدادهم لأكثر من 93%، دون اكتراث من النظام العسكري، والذي لم يكتف بذلك، بل يخضع جميع الوظائف  لسيطرة العسكر، مشترطا حصولهم على دورات عسكرية، موصلا رسالته الكارثية، بأن مصر باتت للعسكر ومن يريد أن يترقى أو يوظف فعليه الخضوع للعسكر والدخول إلى بابهم، ليصبح شعار المرحلة “تمام يا فندم” ولا حاجة للعلم والعلماء، فقد أعلن السيسي نفسه على الملأ كفره البواح بدراسات الجدوى أو الدراسات العلمية.