هل فشل الانقلاب في صرف عفريت “التفجيرات”؟

- ‎فيأخبار

كتب سيد توكل:

عرفت مصر العمليات الإرهابية مع بداية انقلاب جمال عبدالناصر على الرئيس محمد نجيب، وتغول العسكر في قمع وقهر الشعب، وتم اختراع تدبير حرائق ومحاولات اغتيال وهمية لتشويه الخصوم مثل جماعة الإخوان المسلمين، وصنع أسباب ومبررات لأحكام قاسية بحقهم وصلت حد الإعدام والتصفيات، ودارت عجلة الإرهاب العسكري وانتقلت من عبدالناصر إلى من يليه حتى وصلت للسفيه عبدالفتاح السيسي، وطالت التفجيرات كنائس المسيحيين، بينما تولت جرافات الجيش هدم مساجد المسلمين في سيناء، أو الهجوم عليها بالرصاص مثل مسجد الفتح برمسيس، أو حرقها وتدميرها بالكامل مثل مسجد رابعة العدوية.

الحصيلة ثقيلة في عدد الضحايا وبعضها اختار العقل المجرم المخطط أن تتم في يوم عيد ديني عند المسيحيين المصريين، مما رفع من بشاعة الجريمة الإرهابية التي تمثل اعتداء سافرا على كل المصريين وليس على المسيحيين وحدهم.

من جانبه يقول الدكتور عصام عبدالشافي، المحلل السياسي، إن نظام الانقلاب مستفيد من تفجير الكنائس ويستخدم الورقة المسيحية في حصوله على الدعم الغربي وحصوله على شرعية له ولنظامه.

وتابع عبدالشافى -خلال حديثه على فضائية، "مكملين"- أن التفجير "ليس له تأثير على بنية المجتمع المصري بل التأثير سيكون على الانقلاب وإن كان سيكون تأثير محدود".

وعن المستفيد من هذه التفجيرات قال عبدالشافى، "هناك جهات فئات مستفيدة من التفجيرات فى مقدمتها "الجماعات العنيفة المتطرفة التى تبث الرعب فى نفوس المصريين وتحاول إرباك المشهد السياسى"، واصفا إياهم بالأداة التى يتم توظيفها لمثل هذه الأحداث وقتما يشاء وفى مقدمتها تنظيم داعش.

واستطرد، كما أنها "تفيد النظام بالدرجة الأولى لا سيما بعد لقاء قائد الانقلاب مع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، وأن النظام استشعر أنه أصبح الورقة الرابحة فى يد الولايات المتحدة، وأن النظام يستخدم فزاعة الإرهاب ليبث الرعب فى نفوس المصريين".

وبين، أن السيسى لا يملك سوى لفظ "القوى الشر"، مثل ما استخدمه جورج بوش فى 2010 وهذا يعد تمرير للفشل بامتياز رغم القبضة الأمنية التى ينشرها على المصريين.

من المستفيد؟
وفي وقت سابق أوضحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر موقفها من تفجيرات الكنائس، محملة في بيان واضح وشديد اللهجة سلطات الانقلاب مسؤولية التفجيرات، وبأنها "تتلاعب بأرواح الأبرياء".

ما زال المصريون يذكرون وزير الدفاع عام 2013 عبدالفتاح السيسي عندما طالب الشعب بمنحه تفويضا لمحاربة "الإرهاب المحتمل"، وهو التفويض الذي اتخذه جسرا للانقلاب على سلطة رئيسه المنتخب محمد مرسي، لكن النتيجة بعد ذلك كانت انتشار الإرهاب لا القضاء عليه.

وبسرعة كبيرة وكما هي عادة إعلام الانقلاب المضلل تسارع أبواقه باستثمار التفجيرات والمتاجرة بدم الضحايا من أجل الانتقام من الخصوم السياسيين، خاصة من جماعة الإخوان المسلمين الذين تعج بهم سجون العسكر.

أما نظام الانقلاب نفسه فقد سارع بلعب دور الضحية، متهما قوى لم يسمها بدعم الإرهاب والجماعات الإرهابية، في إشارة إلى الدول والقوى التي لم تدعم الانقلاب على إرادة الشعب المصري.

ولا يختلف اثنان في أن مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013، تمر بواحدة من أحلك الفترات في تاريخها الحديث، سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو على المستوى الأمني خاصة بعد إجهاض أول تجربة ديمقراطية في تاريخ البلاد الطويل، وانقلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على اول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الدكتور محمد مرسي.

وليست العمليات الإرهابية الغامضة التي تعرفها مصر، سواء في منطقة سيناء أو في قلب المدن المصرية إلا عنوانا من عناوين هذا الانهيار الشامل الذي تمر به البلاد.

ولو جئنا إلى تنظيم "داعش" المخابراتي شماعة الانقلاب، نجد أن هذه التفجيرات الإجرامية لا تُقدم للإسلام أي شيء، بل إنها تُسهم مع حملة عالمية يُعاني من آثارها المسلمون، إن تنظيم داعش يقول للعالم أجمع بهذه التفجيرات: "نعم نحن إرهابيون ونرفض أي دين آخر ونرفض أي مسلم يختلف عن إسلامنا"، الذي يتم طبع كتبه المتطرفة بحبر الدماء، وهذا ما يعزز من التأكيد على أن هذا التنظيم في خدمة أنظمة الانقلاب والعسكر، ويحقق مقولة مبارك وبن علي وبشار والقذافي وأخيرا السيسي، والتي تخير الغرب بالقول:" إما أنا أو داعش".

وبذل تنظيم "داعش" المخابراتي ويبذل منذ عام 2012 كل جهد لتقديم الإسلام كدين عنيف دموي، وهو ما يتلاقى مع أعداء الإسلام، الذين يقومون بدورهم دولياً، في التحريض ضد المسلمين المقيمين في أوروبا وأمريكا، بعد كل عمل إرهابي فردي ، ويُكمل البغدادي وشلّته الباقي داخل المنطقة العربية التي انحسر عنها ربيع الثورات.

اشمعنى الكنائس؟
في 2015 وبعد اتخاذ السيسي ونظامه قرارات تزيد الفقر وتخفض مستوى المعيشة في البلاد، أعلنت سلطات الانقلاب عن انفجار عبوة ناسفة في مدينة نصر، دون قتلى أو جرحى، قيل إنها استهدفت أحد القضاة، لكن الواضح أن مثل هذه التفجيرات باتت تحدث بعد كل قرار يغضب الشارع المصري.

وتشير تحليلات إلى أن هذه الخطة باتت متبعة بعد كل خطوة قد ترفع الغليان الشعبي في مصر إلى حد قد يخرج الناس معه إلى الشوارع، وكأن الانقلاب يرسل رسالة إلى الشعب مفادها إما الصبر على السيسي أو تعم الفوضى والإرهاب البلاد.

إن استهداف التفجيرات دور العبادة بما هي واحدة من أقدس الفضاءات التي يتحرك فيها الفرد الاجتماعي، تمثل أبشع أنواع الجرائم التي تهدف إلى ترويع الآمنين من المدنيين، وذلك في أكثر الأماكن قدسية للمصريين.

وهي تمثل كذلك أهم عناوين الفشل الأمني للانقلاب، الذي لم ينجح في عزل المجموعات الإرهابية الحقيقية المرتبطة بأجندات إقليمية ودولية، هدفها زرع الفوضى وضرب السلم الاجتماعي، وتفكيك الوحدة الوطنية باستهداف الأقليات والفئات الأكثر هشاشة.

استهداف الكنائس رسالة إلى الخارج، أكثر منها إلى الداخل لأنها موجهة إلى الغرب خاصة، من أجل التنديد «بالإرهاب الإسلامي» كما يسميه أعداء الأمة، وهو استهداف يأتي في سياق زيارة بابا الفاتيكان إلى سلطات الانقلاب وتعميد القاتل عبد الفتاح السيسي.

من المستفيد من هذه الهجمات الإرهابية؟ بالتأكيد ليس الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه لأنه الخاسر الأكبر من كل العنف والفوضى التي تسود البلاد، وليست الأحزاب والقوى المعارضة للانقلاب مستفيدة هي الأخرى من الهجمات لأن بشاعة الجريمة ستبرر عنف النظام مع معارضيه السياسيين وستمنحه ضوءا أخضر للمضي بحجة مقاومة الإرهاب.

العنف والفوضى والإرهاب والجريمة، وكل أشكال الانحراف الاجتماعي ليست في الحقيقة إلا النتيجة الطبيعية للانحراف السياسي، الذي تم بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي، "التفجيرات" عفريت حضره الانقلاب وفشل في صرفه.