في ظل الدور الخبيث الذي تلعبه الإمارات بالمنطقة العربية، لصالح المشروع الصهيو أمريكي، والذي بات مفضوحا لكافة الشعوب والنظم بالمنطقة، والذي لم يعد قاصرا على إمداد إسرائيل بالطعام والبضائع ، بل تجاوزه لتسيير رحلات طيران خاصة للإسرائيليين من وإلى تل أبيب من جميع مطارات العالم، تجاوز الأمر التحريض على قوى المقاومة في عموم المنطقة العربية والقوى الإسلامية، وتدمير دول مثل ليبيا والسودان، وتخريب تجارب التحول الديمقراطي، كما في مصر واليمن وغيرها، وصولا إلى بناء قواعد عسكرية تخدم إسرائيل وأمريكا.
وفي ظل تمتين العلاقات بين الإمارات وإسرائيل أخيرا، وتجاوزها التطبيع السياسي والاقتصادي، لتصل إلى درجة تمكين الأخيرة من وضع أقدامها في المنطقة العربية.
وكانت آخر الخطوات في هذا الصدد، ما كشفته صحيفة معاريف العبرية، بشأن تسريع العمل في قاعدة عسكرية استخباراتية في جزيرة “عبد الكوري” اليمنية في أرخبيل سقطرى، بمدخل باب المندب.
وكشفت الصحيفة في 29 يوليو 2024 إن إسرائيل والإمارات تجهزان كابوسا لإيران والحوثيين على مقربة من حدودهما، تحت المظلة الأميركية بعد تزايد هجمات الجماعة في البحر الأحمر.
وجاء ذلك بعد لقاء رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي مع قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريل، وقادة عسكريين من الإمارات ودول أخرى في يونيو 2024، وفق ذات المصدر.
خطة إماراتية
وعقب تدخلها في اليمن بدعوى محاربة الحوثي، احتلت الإمارات جزيرة سقطرى، وسيطر الانفصاليون المدعومون منها عليها بالقوة وطردوا القوات الموالية للرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في 21 يونيو 2020.
وكانت الخطة الإماراتية هي السيطرة على أهم مواني اليمن، لذا سيطرت على 12 ميناء قبالة سواحل البلاد.
وهي موانئ عدن، والمخا، والمكلا، والضبة، وبير علي، وبلحاف، ورودوم، وزوباب، والخوخة، والخوبة، وقنا، والنشيمة.
كما عملت على بناء ميناء جديد في “المهرة” بتكلفة تقدر بنحو 100 مليون دولار، بحسب صحيفة “ذا كرادل” 24 مارس 2023.
ومن خلال التحكم بهذه الموانئ ومضيق باب المندب، تستطيع الإمارات السيطرة على أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم، مما يرفع مكانتها في التجارة العالمية والإقليمية إلى لاعب استراتيجي.
وتُعد جزيرة “عبد الكوري” ثاني أكبر جزر أرخبيل سقطرى الواقعة بين خليج عدن والقرن الإفريقي.
وسعت الإمارات لاحتلال هذه الجزيرة اليمنية لأهميتها، حيث تقع ضمن ممر شحن رئيس يربط أوروبا وآسيا، بالقرب من باب المندب.
مسلسل الخيانة مع إسرائيل
ثم بدأت أبوظبي بإنشاء وتطوير قاعدة عسكرية مشتركة مع إسرائيل في “عبد الكوري” في ديسمبر 2021.
وقد جرى الكشف عن الوجود الإسرائيلي في أرخبيل سقطرى وقاعدة “عبد الكوري” في البداية من خلال موقع المنتدى اليهودي الفرنسي “JForum” وهو موقع تابع للجالية اليهودية الفرنسية ، وكان قد أكد في 30 أغسطس 2020 أن الإمارات وإسرائيل تخططان لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى.
كاشفا أنه “وفقا لمصادر يمنية، تجري إسرائيل والإمارات كل الاستعدادات اللوجستية، لإنشاء قواعد استخباراتية لجمع المعلومات في جميع أنحاء خليج عدن من باب المندب في جزيرة سقطرى”.
وفي أغسطس 2020، كشف موقع “ساوث فرونت” الأميركي للتحليلات الاستخبارية أيضا عن نية الإمارات وإسرائيل إنشاء مرافق عسكرية واستخباراتية في جزيرة سقطرى.
ونقل الموقع عن مصادر عربية وفرنسية قولها: إن “وفدا من الضباط الإماراتيين والإسرائيليين زار الجزيرة، وتفقد عدة مواقع بهدف إنشاء مرافق استخباراتية”.
كما أكد موقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي في 9 سبتمبر 2020، وصول ضباط من المخابرات الإماراتية والإسرائيلية إلى سقطرى، في نهاية أغسطس 2020.
وأوضح أن “المجلس الانتقالي” الجنوبي يتعرض لضغوط من الإمارات، للموافقة على إنشاء قاعدة استخباراتية إماراتية إسرائيلية مشتركة.
أيضا أكد تقرير لـ “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية” في نوفمبر 2023، أن سقطرى تضم قاعدة استخباراتية إماراتية بالتعاون مع إسرائيل، يمكن أن تنشر بها أجهزة استشعار إسرائيلية الصنع لمواجهة الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
تسليم مفتاح
وفي 13 يناير 2022 كشفت منصة تحقيقات استخبارات المصادر المفتوحة “إيكاد” عبر صور أقمار صناعية حصلت عليها من موقع Planet، عن بناء قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة عبد الكوري القريبة من باب المندب.
ثم أظهرت صور أقمار صناعية جمعها فريق إيكاد من الأقمار الصناعية Maxar و”Sentinel Hub” عام 2023 أن الإمارات بدأت ببناء مدرج جديد للطائرات في جزيرة عبد الكوري بجانب المدرج القديم الذي بدأ بناؤه في ديسمبر 2021.
ونشر في 27 مارس 2023، تفاصيل القاعدة التي تبنيها الإمارات في عبد الكوري من خلال صور الأقمار الصناعية.
كل هذه التطورات كشفت إجراء الإمارات تحديثات عسكرية متسارعة في جزيرة “عبد الكوري” اليمنية، ثاني أكبر جزيرة في أرخبيل سقطرى.
بينت أن تسارع تطوير القاعدة ووجود سفن مجهولة تحمل العلم الإماراتي وإمدادات مستمرة للقاعدة الإماراتية العسكرية، تزامن مع عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، ووجود أصابع إسرائيلية هناك.
إذ جرى رصد زيادة في طول المدرج الرئيس للقاعدة، بحيث يصبح قادرا على استيعاب طائرات الشحن العسكرية والقاذفات الإستراتيجية.
تهجير سكان سقطري
كما تزامن مع سعي الإمارات لطرد السكان الأصليين للجزيرة عبر تقديم عروض مالية مغرية لهم للرحيل.
أيضا تزامن تطوير هذه القاعدة الإماراتية الإسرائيلية، مع تطوير قواعد عسكرية أخرى توجد بها قوات أميركية مثل قاعدة الريان جنوب اليمن ، وقواعد عملت الإمارات على تطويرها وبنائها خلال الأعوام الماضية، مثل “ميون” عند بوابة باب المندب، و”المخا” المطلة على البحر الأحمر.
وهو ما أظهر أن ما يحدث هو تسريع لعملية الطوق الأمني لصد هجمات الحوثيين وردع إيران.
ووفق تقديرات عسكرية، فإن ما فعلته أبو ظبي في هذه القاعدة أشبه بتسليم مفتاح لدولة الاحتلال، وإحضار إسرائيل إلى قلب المنطقة العربية لتتحكم في منطقة باب المندب، وهو ما يرقى إلى خيانة كبيرة وخطة إماراتية لإهداء الاحتلال الإسرائيلي قاعدة عسكرية في اليمن لمواجهة الحوثيين، بعدما دخلها حكام أبوظبي بحجة تحرير صنعاء، لكنهم سلموا مفتاح البلاد للإسرائيليين في صورة قواعد عسكرية مشتركة.
وهو ما يعني أن الأمن القومي العربي بات مهددا أكثر من أي وقت مضى، بعد أن جلبت الإمارات، إسرائيل إلى اليمن، وتحديدا إلى جزيرة سقطرى الواقعة في المحيط الهندي.
وهو الأمر الذي يهدد مصر أيضا، إذ إن القاعدة تبدو مواجهة لمصر، وقواعدها وموانيها على البحر الأحمر، ما يجعل الأمن القومي المصري مكشوفا أكثر، مما هو عليه الآن للصهاينة، وسط صمت مخز من نظام السيسي، الذي يجري شراء صمته على جرائم إسرائيل والأمارات بالمنطقة وبمصر بالأموال.
وهو ما يفاقم أزمات مر ومستقبلها السياسي والعسكري والاستراتيجي، إذ تهدف الإمارات من خلال تلك القاعدة، إلى إحكام السيطرة العسكرية والاقتصادية والملاحية من شمال بحر العرب حتى خليج عدن، وصولا إلى البحر الأحمر فخليج السويس.