ضمن مخططات تدمير مصر الواضحة للعيان، بلا مواربة، هو إغراقها بمستنقع الديون، وتوريطها لعقود من التبعية والاذلال لشروطوإملاءات الصناديق العالمية والدائنين الدوليين وحتى المحليين، ولعل الأدهى والأمر، هو إنفاق تلك الأموال في مشاريع للعنجهية والتفاخر والشو، للسيسي ونظامه، دون أن يستفيد منها الشعب شيئا في موازاة انتقام اقتصادي شرس من عموم الشعب، أغرق المصريين في غياهب الفقر والعوز ، وبات التسول والسرقة والسلب والنهب، هو المخرج للكثيرين من أجل تحصيل لقمة عيش.
وضمن محاولات كشف مخاطر سياسات النظام، التي تستوجب وقفها فورا والعدول عنها، ما كشفته دراسة جديدة للمبادرة المصرية، تكشف ما وصل إليه الدين الحكومي وأعبائه، التي باتت تلتهم أموال المصريين.
91% من الضرائب للديون
وقد أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أمس الأحد، ورقة تحليلية للموازنة المصرية للسنة المالية الجديدة، التي بدأ العمل بها مطلع الشهر الماضي، أظهرت فيها سيطرة الديون الحكومية وفوائدها على كل جوانب الموازنة، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن دافعي الضرائب يمولون أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، في الداخل والخارج.
وقالت الورقة التي صدرت بعنوان 2024/2025 “موازنة فوائد الديون.. التقشف لنا والأرباح للدائنين”: إن “فوائد الديون المحلية والأجنبية في مصر، كما تظهر في الموازنة الجديدة، تستحوذ على نحو 91% من حصيلة الضرائب المتوقعة في العام المالي الجديد، ما تسبب في ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، وانقطاع الكهرباء، وتدهور مستوى التعليم، وعدم توفر الكثير من الأدوية الأساسية”.
وأوضحت الورقة أن التوسع في إصدار الديون الحكومية على مدار عدة سنوات أدى إلى إهدار موارد الميزانية في مصر، وتحويلها بعيدا عن خدمة المواطنين، وأشارت إلى أن الإجراءات التقشفية التي فرضتها الحكومة المصرية أحكمت قبضتها على معيشة المواطنين بعد بضعة أشهر من تخفيض قيمة العملة الوطنية،وهو أمر مرشح للتكرار، بناء على اتفاقات مصر مع صندوق النقد الدولي.
وتزامنت فترة إقرار الموازنة وبداية العمل بها مع سلسلة من القرارات الحكومية التي جاءت على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين في الغذاء والدواء والطاقة والحصول على الخدمات الطبية، حيث شهدت قرارات رفع سعر الخبز المدعم وزيادة أسعار الدواء، وخصخصة الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية، وزيادة أسعار تذاكر القطارات والمترو، ثم مؤخرا رفع أسعار الوقود، بكل ما يترتب عليها من آثار تضخمية تؤدي إلى المزيد من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
موازنة تعتمد على الديون
وعلى الرغم من أحاديث الكثير من المسئولين، عن الاتجاه نحو تقليص الديون وأعبائها، إلا أن الموازنة الجديدة، كان الملمح الأساسي لها، هو أن الديون والتزامات سدادها وفوائدها تبتلع جزءا كبيرا من أوجه الإنفاق التي تخطط لها الحكومة.
قروض جديدة
وأشارت الورقة إلى أن الطريقة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في الحصول على موارد جديدة لتغطي الفجوة بين الإيرادات والنفقات هي الحصول على قروض جديدة، مؤكدة أن هذا يزيد من احتمالات استمرار الاعتماد على الديون الحكومية، ويدفع إلى تدهور الأوضاع مع تراكم مدفوعات خدمة الديون، وأضافت: “هذا يعني أن سياسات مصر الاقتصادية ستظل حبيسة تلك الحلقة المفرغة، المحكومة بخدمة الدين، لعدد غير معلوم من السنوات في المستقبل”.
وتظهر بيانات الموازنة أن مخصصات الإنفاق على معظم بنود المصروفات ارتفعت بنسب تدور حول 20%، إلا مدفوعات فوائد الديون الحكومية التي زادت بنسبة 63%، والاستثمارات الحكومية التي تراجع الإنفاق عليها بنحو 15%.
خفض الإنفاق الحكومي على المواطنين
وأشارت الورقة إلى أن أخذ مؤشر تضخم أسعار المستهلكين في الاعتبار لحساب القيمة الحقيقية للنفقات، يبيّن أن الإنفاق على كل بنود الموازنة قد تراجع من حيث القيمة الحقيقية، باستثناء بند وحيد شهد نموا في الإنفاق الحقيقي، وهو بند فوائد الديون، الذي ارتفع بنسبة 21%.
ومع إشارتها إلى أن دافعي الضرائب يمولون أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، قالت الورقة: إنه “إذا تم حساب نصيب الفرد من مدفوعات فوائد الديون الحكومية المتضخمة، فإنه يبلغ 17.2 ألف جنيه سنويا، في حين يقل نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة مثلا عن 1900 جنيه سنويا”.
وهو ما يعني بالتبعية انهيار مستويات الصحة والتعليم والخدمات المقدمة للمواطنين، وتقليص الدعم الحكومي، وهو ما يزيد الفقراء فقرا، ويقود نحو مزيد من انهيار قيمة العملة وتفشي الأمراض والمعاناة بين المصريين، فيما ينعم النظام ومقربيه في أبراج ومنتجعات العلمين، في الصيف، وشتاء في شرم الشيخ والجلالة، بينما يأكل الشعب بعضه بعضا.