مع حلول الذكرى الحادية عشر لمذبحة رابعة، ماتزال الحقائق عن فساد العسكر وأعوانه من (إعلام- قضاء- جيش- دولة عميقة- رجال أعمال) تتكشف فهناك البعض ممن أيدوا سفك الدماء المعصومة فب مذبحة رابعة شعروا بوخز الضمير، فتراجعوا عن تصريحاتهم التي برّروا فيها قتل المعتصمين السلميين وسفك دمائهم.
لكن التاريخ سيذكر أن هناك من هلل لقتل الأبرياء، وهناك من رقص على دمائهم، وهناك من برر ذلك بحجج ومزاعم واهية وهناك من سيظل شاعرا بتأنيب الضمير، لأنه شارك ولو بسكوته وإقراره في سفك الدماء وأنه باع دينه ودنياه بدنيا غيره.
الإعلام والتلاعب بالعقول
التاريخ لايرحم، وأنه سيذكر يوما ما أن المصري قتل أخاه المصري بدم بارد، وبتحريض من إعلام مأجور وممول من الخارج، وأن المستفيد الوحيد من هذه المذابح هم العسكر.
من أول وهلة من تعيين عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع، قام ببناء أزرع إعلامية مناهضة للرئيس الدكتور محمد مرسي، حيث شنت حينها العديد من الحملات الإعلامية الممنهجة ضد الرئيس، والتي مهدت الطريق أمام الانقلاب عليه بعد سنة من استلام مهامه رئيسا لمصر، وبعد أشهر من اختياره السيسي وزيرا للدفاع.
وعمد الإعلام على دعم حركة الانقلاب بالترويج وحشد للمتظاهرين التي أطلق عليها “ثورة 30 يونيو”، ولم يكتف الإعلام بمواكبة خطوات السيسي بالدعم، وإنما عمل على التحريض على قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية المطالبين بعودة الرئيس مرسي، وساند قوات الأمن وهي تقتحم الميدان بالدبابات وتطلق الرصاص على المتظاهرين.
وعقب فض الاعتصام بدأت مراحل خيوط المؤامرة التي اعتمدها نظام السيسي وأجهزة الدولة العميقة لإعادة السيطرة على المشهد الإعلامي في مصر، تتكشف عبر تسريب مكالمات الضباط وفيديوهات اللقاءات التي صاغت المشهد الإعلامي.
وكشفت التسريبات التي بثتها قناة “مكملين” تدخل ضباط الأمن فيما يقدمه بعض نجوم برامج “التوك شو” حيث يظهر في أحد التسجيلات صوت النقيب في المخابرات الحربية “أشرف” وهو يوجه مقدم البرامج في قناة “العاصمة” سعيد حساسين إلى الطريقة التي يجب أن يتحدث بها عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، ويشرح له ضرورة التعبير عنقبول القرار.
كما أظهرت تسجيلات أخرى اتصالا بين ضابطين في المخابرات الحربية هما النقيب “أشرف” والمقدم “إمام”، دافع فيه النقيب أشرف عن المذيع بقناة “العاصمة” عزمي مجاهد في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من إدارة القناة.
وفي نفس التسجيل يتحدث الضابطان بشكل صريح عن وضع خريطة دقيقة لما يقدم في الشاشات، وعدم القبول بأي نوع من الأخطاء.
القضاء
رغم قسوة مشاهد الفض ووحشية قوات الأمن بالتعاون مع قوات الجيش ، إلا أن غياب العدالة والإفلات من العقاب طوال هذه السنوات هو سيد الموقف حتى بعد مرور 11 عاما على ذكرى الفض.
وأصبحت السلطة القضائية أداة طيّعة في يد السيسي يسلطها على معارضيها، ويتم من خلالها إصدار أوامر اعتقال وإعدامات بحقهم ملصقا بهم تهما جنائية، حيث إن الفساد متفشٍ في السلطة القضائية، وعدم تمكن القضاة من إقرار سيادة القانون في ظل انعدام استقلال القضاء نتيجة الانتهاكات الممنهجة لسلطة الانقلاب.
ويقول الخبير القانوني ياسر حمزة: إن “ممارسات القضاء على أرض الواقع، تكشف عن تسيسه واستغلال سلطة الانقلاب له في اتخاذ إجراءات عقابية ضد معارضيها تحت غطاء قانوني وقضائي”.
ولفت ياسر حمزة إلى أن إهدار حقوق المتهمين من معارضي الانقلاب ومنعهم من الحصول على أبسط حقوق العدالة -وفقا للمعايير الدولية- والإفراط في استخدام الحبس الاحتياطي بحقهم ورفع الحد الأقصى لمدة هذا الحبس، كل ذلك يلقي بظلال من الشك حول السلطة القضائية ومصداقيتها ونزاهتها.
وعن الأمثلة التي تدلل على عدم استقلالية القضاء وتبعيته لسلطة الانقلاب، قال حمزة: إن “هناك عشرات من البلاغات الرسمية التي قدمت بخصوص المجازر التي ارتكبت ضد المعارضين بأحداث المنصة والحرس الجمهوري وميادين رابعة العدوية والنهضة ورمسيس ومسجد الفتح وغيرها”.
وأضاف الخبير القانوني أنه وبالرغم من ذلك لم تطلب النيابة العامة بالتحقيق في تلك البلاغات، في حين يُحاكم أطفال ونساء بتهم ملفقة.
الدولة عميقة
وبعد 11 عاما على مذبحة رابعة تبين للمعارضين أن 30 يونيو لم تكن ثورة شعبية عفوية، بل كانت انقلابا مدبّرا من قبل “الدولة العميقة” في مصر، أي شبكة من المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية ذات النفوذ الكبير لإعادة السيطرة على مفاصل الدولة.
ويقول سياسيون ومراقبون: إن “هذه الجهات لعبت دورا هاما في حشد التظاهرات وتأليب الرأي العام ضد الرئيس المنتخب، وإن الأجهزة الأمنية والعسكرية شاركت في صنع سخط شعبي لتوجيه الأحداث بما يخدم مصالحها”.
وأوضحوا أن الأجهزة الأمنية والدولة العميقة ساعدوا في تأليب مكونات ثورة 25 يناير على حكم الدكتور مرسي، من خلال خلق الأزمات وزرع الخلافات، واستخدمت الإعلام كأداة رئيسية لشيطنة الحكم الجديد ، واتهامه بالفشل في إدارة شؤون البلاد.
وأشاروا إلى أن الأجهزة الأمنية في مصر عملت خلال الشهور التي سبقت 30 يونيو 2013، على زرع الشقاق بين فصائل المجتمع، من خلال نشر الخلافات لتحريض الشارع المصري ضد حكم الرئيس مرسي، إذ شجعت الأجهزة الأمنية والإعلام على النزول إلى الشوارع والتظاهر ضد مرسي وحكومته، متخذين من الجيش والشرطة حماية لهذه المظاهرات.
الجيش
بدعم من الأجهزة الأمنية والعسكرية في مصر، خرج المعارضون إلى الشوارع في مظاهرات 30 يونيو 2013، لشكيل غطاء للانقلاب العسكري وذريعة لتدخل الجيش، وفي 3 يوليو 2013 أعلن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع حينها عن الإطاحة بالرئيس مرسي، وتشكيل حكومة انتقالية، وتعطيل العمل بالدستور، وعادت الأحكام العرفية.
كشف النظام العسكري الجديد سريعا عن نواياه الحقيقية تجاه الشركاء المدنيين، حيث بدأ في ما كان يوصف بقمع كل المؤيدين للديمقراطية والداعين لتحقيق مطالب الثورة، ما أدى إلى وأد المطالب الشعبية وتفرد المؤسسة العسكرية بالحكم.
شهدت الفترة التي تلت الانقلاب، حملة قمع واسعة ضد المعارضين السياسيين، سواء من التيار الإسلامي أو من القوى الثورية التي كانت جزءاً من ثورة 25 يناير.
بعد أقل من عام تفرّد الجيش بالسلطة في البلاد، ما أدى إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية وتهميش القوى السياسية المدنية.
العائدون لمعسكر الثورة
الذين مازالوا يصرون على نصرة الباطل وتأييد روايته وتبرير مذبحة رابعة وسفك الدماء فهؤلاء نقول لهم كما قال الشيخ سلمان العودة : “ألا أيها المستبشرون بقتلهم, أطلت عليكم غمّةٌ لاتفرّجُ”، لكن من رأى الحق، وعاد إلى صوابه وقرر استكمال ثورته، “فإن الله غفور رحيم”، “وإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين”.
ووصف العديد ممن شاركوا في 30 يونيو بأن ما حدث يعد عملية خداع كبرى للشعب المصري والثوّار والسياسيين الذين تورطوا فيها، لأنها تحولت إلى عدوان على الحريات وإرادة الجماهير التي جاءت بالرئيس مرسي رئيسا للبلاد وانقلاب على ثورة 25 يناير”.
وأكدوا أن 30 يونيو ليست بثورة بل ثورة مضادة قادها الفلول وكارهو الثورة والتيار الإسلامي، والراّغبون في تحطيم الديمقراطية الوليدة، والذين حولوا مصر إلى دولة مماليك في السطو على كرسي السلطة.
وفاق الثوار الذين شاركوا في 30 يونيو بعد أن تم التضحية بهم إما بالزج في السجون أو الإقصاء للتأكد للجميع أنها عملية خداع المقصود منها القضاء على الثورة والاستيلاء على السلطة وعودة الديكتاتورية وحكم الفرد مرة أخرى.
فالنظام العسكري بقيادة السيسي استطاع الاستمرار في مخططه بتفرقة رفقاء الثورة والقضاء عليهم واحدا تلو الآخر، ونشر الرعب والفزع في قلوب الأحرار والمدافعين عن مكتسبات ثورتهم من خلال القمع الوحشي وكان النموذج الماثل أمام الجميع هو مذبحة رابعة لنشر الرعب في قلوب المصريين، ويستتب له الأمر في نهاية المطاف.