قبل أن يلتقط المصريون أنفاسهم من تبعات المراجعة الثالثة لبرنامج الاقتصاد المصري من قبل صندوق النقد الدولي والتي تمت في شهر يوليو الماضي، بدأت الاستعدادات للمراجعة الرابعة التي من المقرر أن تتم في الأول من شهر أكتوبر المقبل وتحصل الحكومة في حال إقرارها على شريحة جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار. مع العلم أن البعثة كان من المقرر أن تصل الشهر المقبل، إلا أنه تم تأجيل الزيارة لأسباب لم يتم الكشف عنها بعد من قبل الحكومة أو المؤسسة المالية.
كانت إيفانا فلادكوفا هولار – رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر قالت في وقت سابق: إن “البعثة الفنية لدى صندوق النقد ستجري المراجعة الرابعة على اقتصاد مصر في الفترة من منتصف سبتمبر حتى نهاية ديسمبر، وبعد المراجعة سيتم الإفراج عن شريحة بقيمة 1.3 مليار دولار”.
وصرفت مصر بنهاية يوليو الماضي الشريحة الثالثة ضمن قرض صندوق النقد بقيمة 820 مليون دولار، ليبلغ إجمالي ما انتهت مصر من الحصول عليه ضمن التسهيل الممدد من الصندوق حوالي 1.987 مليار دولار.
ويستمر أجل برنامج التمويل من صندوق النقد الدولي المتفق فيه مع مصر في منتصف ديسمبر 2022 حتى منتصف شهر سبتمبر 2026.
وبحسب وثيقة المراجعة الثانية على اقتصاد مصر، ستحصل البلاد على شرائح بقيمة 1.2 مليار دولار في 15 مارس من عام 2025 و2026، وفي منتصف شهر سبتمبر من العام 2024 و2025 و2026.
ضغوط اقتصادية
يشار إلى أنه في المراجعة السابقة التي قامت بها بعثة صندوق النقد، تعرض المصريون لضغوط شديدة في تكاليف الحياة وأمورهم المعيشية وجموح في التضخم وضغوط غير مسبوقة جراء استجابة الحكومة للشروط المجحفة التي فرضها صندوق النقد مقابل الإفراج عن شريحة هزيلة تبلغ قيمتها 820 مليون دولار، علما بأن حصيلة تلك الشريحة لم يستفد منها الاقتصاد المصري في شيء، بل وُجِّهت إلى سداد أقساط ديون مستحقة للصندوق تفوق تلك القيمة.
وصاحب صرف الشريحة الأخيرة تطبيق إجراءات تقشفية عنيفة بحق المواطن والأسواق والاقتصاد مثل، زيادة رغيف الخبز بنسبة 300% مرة واحدة، ززيادة أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي بنسبة تبلغ 15% وهي الزيادة الـ 11 خلال فترة لا تتجاوز 10 سنوات، زيادة فاتورة الكهرباء للمنازل بنسبة تصل إلى 50%، وامتدت الزيادة للقطاعين الصناعي والتجاري، زيادة أسعار الأدوية بنسب تفوق النسبة السابقة، حتى مياه الشرب والمواصلات العامة ورسوم النظافة لم تسلم من تلك الزيادات.
التعويم الكارثي للجنيه
ويطالب صندوق النقد بشكل ملح بتحرير سوق الصرف الأجنبي في مصر وضرورة منحه مرونة أكبر، وما صاحب ذلك من تعويمات متلاحقة وتهاوي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وهو ما أفقر المصريين وأضاع مدخراتهم وأضعف قدرتهم الشرائية وأشعل نيران التضخم والغلاء.
كما صاحب صرف الشريحة الثالثة أيضا المحافظة على أسعار فائدة مرتفعة على الجنيه المصري لجذب مزيد من الأموال الأجنبية الساخنة سواء لأدوات الدين الحكومية أو البورصة، وهو ما يمثل إرهاقا للموازنة العامة للدولة وضغطاً إضافيا على العملة المحلية، ومواصلة الحكومة برنامج بيع أصول الدولة من شركات وأراضٍ، وتوجيه جزء من موارد الدولة إلى سداد الجزء الأكبر من مستحقات شركات النفط والغاز العالمية، وهو مطلب مستمر لبعثات صندوق النقد للقاهرة.
ومع استعداد صندوق النقد الدولي لإرسال بعثة فنية إلى القاهرة بداية شهر أكتوبر المقبل لإجراء المراجعة الرابعة لاتفاق القرض المبرم مع الحكومة المصرية والبالغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار، أصبح من نافلة القول إن الأسواق على موعد مع زيادات جديدة في الأسعار، وإن الحكومة قد تعلن عن زيادات أخرى في أسعار السلع والخدمات الرئيسية مثل البنزين والسولار والغاز المنزلي والقطارات ومترو الأنفاق والكهرباء والمياه، وزيادة أسعار نحو 1600 صنف أدوية، مع خفض الدعم الحكومي المقدم لتلك السلع وغيرها، علما بأن خفض الدعم تمهيدا لإزالته كاملة هو مطلب حيوي للصندوق وافقت عليه الحكومة وبدأت بالفعل التنفيذ، وذلك وفق الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام.
كما من المتوقع زيادة الضرائب والرسوم الحكومية مع تحجيم الإعفاءات الضريبية، وقطع شوط كبير في مجال خصخصة التعليم والصحة والمستشفيات العامة، والتباحث مع الحكومة بشأن رفع القيود المفروضة على استيراد السلع من الخارج.
وبحسب عبد السلام، في مقال له بالعربي الجديد، لا يتوقف الأمر على ذلك، فقبل وصول بعثة صندوق النقد من المتوقع أن تتنازل الحكومة المصرية عن مزيد من أصول الدولة لمستثمرين خليجيين، فصفقة بيع “رأس جميلة” للسعودية باتت جاهزة للتوقيع، ويجري الإعداد للتنازل عن أصول أخرى.
ووفق قديرات استراتيجية، فأنه ما دامت هناك اتفاقات وبرامج موقعة مع صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض ضخمة، لن ينعم المصري بالحد الأدنى من رفاهية الحياة، وستواصل الأسعار الزيادة لتضغط على غالبية المواطنين بمن فيهم المنتمي إلى الطبقة الوسطى المتآكلة، وسيتواصل الضغط على الجنيه المصري مع سداد أعباء الديون الخارجية وتراجع إيرادات أنشطة رئيسية مثل قناة السويس التي فقدت نحو 3.5 مليارات دولار منذ تهديد جماعة الحوثي الملاحة في البحر الأحمر، كما تراجعت الإيرادات بنحو 57% خلال الربع الأول من 2024.