مسابقة “مديرو العموم” بمصلحة الضرائب المصرية التي كانت وزارة مالية الانقلاب قد أعلنت عنها في شهر فبراير عام ٢٠٢٢ نموذج لما تشهده مصر من فساد ومحسوبية في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، حيث تضمنت المسابقة شبهات وإجراءات مخالفة لقانون الخدمة المدنية رقم ٨١ لسنة ٢٠١٦ ، وكذلك قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم ٣٥ لسنة ٢٠١٩.
كما افتقرت المسابقة للمعايير والضوابط الضرورية ، حيث قامت اللجنة المعنية بالمسابقة بتغيير أسماء المقبولين أكثر من مرة، ما دفع عددا من المستبعدين إلى التقدم بشكاوى أكثر من مرة، مؤكدين أنهم تمكنوا من إثبات أن هناك أسماء تم قبولها بالمخالفة للقانون، حيث يمنع القانون تعيين من يصدر بحقه أحكام قضائية تتعلق بالشرف والأمانة، وكذلك من صدرت ضده أحكام قضائية وقرارات جزائية تتعلق بنطاق عمله، لكن اللجنة خالفت ذلك كله .
في المقابل تقدم عدد من المستبعدين بشكاوى لمعرفة أسباب استبعادهم، ما اضطر اللجنة الفنية للوظائف القيادية إلى تصحيح مسار المسابقة، فقامت خلال شهر يوليو 2023 بالاتصال مرة أخرى بأشخاص آخرين لإجراء التحاليل الطبية للتعيين في المسابقة بمعهد تحليل المخدرات بإمبابة بمحافظة الجيزة.
كما تقدم المستبعدون بشكاوى للمرة الثانية، ما دفع رئيس مصلحة الضرائب إلى إصدار قرار بعقد امتحان تحريري لجميع المتقدمين، في أكتوبر2023 بمعهد النظم والمعلومات، وهو عبارة عن امتحان إلكتروني (من 90 سؤالا اختياريا) في الحاسب الآلي، واللغة الإنجليزية، والمحاسبة، والضرائب، والإدارة، والقدرات النفسية.
مدير عام
كانت مصلحة الضرائب المصرية قد نشرت في شهر فبراير 2022 الإعلان رقم 2 لسنة 2022 عن توفر 588 درجة وظيفية بالمسمى الوظيفي “مدير عام”، بحسب ما ورد بالإعلان، وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية، وكذا قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 35 لسنة 2019 بشأن معايير وتقييم الوظائف، على أن يبدأ التقديم لمدة شهر في المدة من 13/3/2022 تنتهي في 12/4/2022.
وبعد توضيح الإعلان الوظائف الشاغرة، نشر الشروط اللازمة لشغل الوظائف، والتي جاءت في أربعة بنود رئيسة هي:
1- مؤهل عالٍ يتوائم مع نوع وطبيعة العمل.
2- قضاء مدة بينية مقدارها عام على الأقل في وظيفة بالمستوى الوظيفي الأول (أ) وذلك بالنسبة للموظفين بالجهاز الإداري للدولة، وبالنسبة لغيرهم قضاء مدة كلية مقدارها 17 عاما على الأقل تتفق مع طبيعة عمل الوظيفة.
3- أن يتوافر لدى المتقدم المهارات والقدرات اللازمة لشغل الوظيفة وإنجازاته السابقة.
4- اجتياز البرامج التدريبية المقررة، في ضوء ما يحدده الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
وأبلغت الأمانة الفنية والموارد البشرية المترشحين بالتوجه لإجراء الكشف الطبي ، ما يعنى إعلان أسماء المقبولين والسير في إجراءات التعيين طبقا للمادة 17 من القانون 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، وهو ما يتضح معه أن جهة الإدارة ماضية في تعيين المذكورين ممن تم الاتصال بهم لإجراء الكشف الطبي.
سري للغاية
في هذا السياق قال أحد المستبعدين -فضل عدم ذكر اسمه- إن من ضمن المخالفات الصارخة وجود أعضاء في لجان المسابقة مثارة حولهم شبهات عدة من تحقيقات في النيابة العامة في قضايا تزوير وصدور قرارت وزارية بمراجعة قراراتهم الإدارية السابقة، ومن صدرت بحقهم قرارات وأحكام من النيابة الإدارية، ما يبطل عمل هذه اللجان وقراراتها، وبالتالي فاختيار أصحاب هذه الوظائف يكون باطلا.
وأضاف : المفاجأة الأغرب والتي تثير أكثر من علامة استفهام هو الخطاب الذي أرسلته اللجنة الفنية الدائمة للوظائف القيادية بوزارة مالية الانقلاب إلى رئيس مصلحة الضرائب وعليه عبارة (سري للغاية) مؤكدا أنه أرفق مع الكتاب أسماء المقبولين، وطالب الخطاب بأن يتم التعامل مع هذه الأسماء في إطار تام من السرية والكتمان .
وأوضح المستبعد أنه طبقا للقانون تكون جميع المسابقات علنية وتعلن شروطها ومعايير اختيارها، كما يجب إعلان أسماء المقبولين بالطرق التي تمكن أصحاب الضرر بالحق في الطعن على بعض أو كل أسماء المقبولين في حال وجود أسباب قانونية توجب الطعن على قبول تلك الأسماء أمام القضاء المختص.
حجب النتيجة
وقال مستبعد آخر: “كان من المفترض ظهور النتيجة فورا بعد الانتهاء من الامتحان، كما هو متبع في الامتحانات الإلكترونية من خلال جهاز الحاسب الآلي، إلا أن المفاجأة كانت في حجب النتيجة، وحين سأل الممتحنون عن السبب كانت الإجابة، بأن ذلك هو طلب اللجنة المسئولة عن المسابقة”.
واضاف: عندما أرسل المتقدمون للمسابقة شكاوي لمعرفة درجاتهم في الاختبار، استجابت اللجنة بعد شهر ونصف الشهر، وقامت بإرسال رابط إلكتروني لمعرفة النتيجة بإدخال الرقم القومي لكل من تقدم للمسابقة؛ فتظهر رسالة مضمونها “عذرا تم وضع اسمك على قوائم الانتظار بهذه المرحلة مع إمكانية التواصل معك في مراحل لاحقة”.
وتابع : تم دعوة زملاء آخرين لحضور المقابلات الشخصية بدعوى تحقيقهم أعلى الدرجات في الاختبار الإلكتروني، وتم حجب نتيجة هؤلاء الزملاء بحجة ترشيحهم للمقابلة الشخصية، وتم حجب درجاتهم في الاختبار، كما قامت اللجنة المعنية بالمسابقة بالاتصال بأشخاص آخرين؛ لإجراء التحاليل الطبية اللازمة، وهذه الخطوة مفترض أنها الأخيرة بعد التقييمات التي بناء عليها يتم اختيار المقبولين، بحسب القانون.
قانون الخدمة المدنية
وأكد أحد المستبعدين أن اللجنة خالفت قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 بإجراء اختبارات تحريرية بالمخالفة للمادة 17 من القانون والمواد 53 و 55 و 56 من لائحته التنفيذية لهذا القانون، موضحا أن القانون لا ينص على إجراء اختبارات تحريرية للمتقدمين للمسابقة.
وشدد على أن اللجنة خالفت كذلك قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 35 لسنة 2019 وذلك بعدم الإعلان الفوري عن نتيجة الاختبار الإلكتروني .
وكشف المستعبد أنه منذ التقديم للمسابقة والمستندات المنصوص عليها في الإعلان في الفترة من 13/3/2022 إلى 12/4/2022 وحتى الآن لم يتم إجراء أي مقابلات مع المتقدمين للمسابقة؛ بالمخالفة لمواد لقانون الخدمة المدنية رقم 17 و أرقام 53 و55و56 من لائحتة التنفيذية.
مؤهل مناسب
وأكد أحد المتقدمين للمسابقة ، أنه تم اختيار عناصر ضمن المقبولين لا تحمل المؤهل المناسب للأعمال الضريبية، مشيرا إلى أنه تم اختيار حاصلين على بكالوريوس الزراعة، وليسانس الآداب قسم جغرافيا، ومعهد فني لاسلكي.
وقال: إن “المفاجأة الأغرب كانت اختيار أحد المتقدمين الصادر ضده أحكام قضائية في تحرير إيصالات أمانة في القضية رقم 31787 لسنة 2019 قسم إمبابة، حصر 1821 لسنة 2020 وتم الحكم فيها غيابيا بالحبس سنتين بجلسة 2/2/2020، أيضا صدر ضده حكم بالحبس شهرين في واقعة سرقة في القضية رقم 8981 لسنة 2002 جنح العجوزة بجلسة 3/8/2002، كما صدر ضده جزاءات إدارية من النيابة الإدارية في أكثر من واقعة، وبالرغم من ذلك تم تكليفه مديرا عاما للإدارة العامة لمكافحة التهرب الضريبي القاهرة ثالث مدمج بما يعد مخالفة صريحة للقانون”.
اختفاء الملفات
وأكد أحد المستبعدين أنه طبقا للقانون، فإن اللجنة مُلْزَمة بإجراء مقابلات مع جميع المتقدمين لاختيار العناصر الأكفأ والأجدر بشغل الوظائف المطلوبة؛ للتأكد من المعايير الخاصة بالسمات الشخصية وهو ما لم يحدث .
وقال: “تم استبعاد مجموعة كبيرة من المتقدمين ومنهم أصحاب كفاءات وقدرات خاصة لا ينقصهم سوى اختبارهم والتأكد من كفاءاتهم، مؤكدا أنه تم إجراء المقابلات مع المجموعة التي تم اختيارها فقط”.
وكشف أنه تم اختفاء عدد من الملفات الخاصة بالمتقدمين، مما دفع اللجنة إلى مطالبة المتقدمين بإعداد الملفات مرة أخرى؛ مما يثبت أن هناك إهمالا في الحفاظ على مستندات ووثائق المتقدمين.