أعلن نائب وزير الصحة، بحكومة الانقلاب خالد عبد الغفار، توقيع الوزارة بروتوكول تعاون مع البنك الأهلي المصري لتشغيل خمسة مجمّعات للرعاية المركزة، كمرحلة أولى بإجمالي 300 سرير، ومجمّعات الرعاية المركزة المقصودة هي وحدات تابعة لخمسة مستشفيات عامة.
ويأتي بروتوكول التعاون تنفيذًا لقانون «تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية»، المعروف بقانون “تأجير المستشفيات الحكومية”..
وبينما لم يذكر بيان نائب رئيس الوزراء، ما هي المستشفيات المتواجد فيها أسرة العناية المركزة، كشف مصدر حكومي إنه من بين تلك المستشفيات؛ حميات العباسية وعين شمس العام والقناطر الخيرية ومستشفيين أخريين في محافظتي الغربية والمنوفية، البيان لم يتطرق أيضا للجهة التي سيفوّضها البنك في إدارة تلك الأسرة، وآلية التشغيل، ولكن المصدر الحكومي أوضح لوسائل اعلام محلية، أن البنك الأهلي سيدير أسرة الرعاية المركزة من خلال مؤسسة مجتمع أهلي تابعة له تسمى «جمعية البنك الأهلي للأعمال الخيرية»، على أن يكون المرضى من القطاع الخاص أو التابعين لبرامج التأمين الصحي أو من فئة العلاج على نفقة الدولة، ما يضمن عائد مادي محدد للجهة المشغلة، أضاف المصدر أن الجمعية اشترطت بالنسبة لمستشفى حميات العباسية عدم استقبال أي حالات حميات من المستشفى وتشغيل أسرة الوحدة بالكامل، 30 سريرا، من غير الحالات المترددة على المستشفى.
وفسّر المصدر بأن نقل مسؤولية تشغيل وحدات الرعاية المركزة، من المستشفيات الحكومية إلى البنك الأهلي، يحقق استفادة للجانبين، لكنه سيضُر المرضى المترددين على تلك المستشفيات.
أوضح المصدر، الذي يعمل بوزارة الصحة، أن الحكومة ستتخلص من أزمة التشغيل الخاصة بتلك الوحدات، لافتا إلى أن وزارة الصحة تعاني من مشكلة في القوى البشرية، وأن أغلب الأطباء والتمريض يريدون الاستقالة بسبب تدني الأجور الحكومية، وميزانية المستشفيات الحالية لا تسمح بتعاقدات مع أطباء وتمريض لسد الحاجة.
وفقًا للمصدر، بعد انتقال تبعية وحدات الرعاية المركزة إلى البنك الأهلي و جمعيته الأهلية، ستنفصل تلك الوحدات عن المستشفيات الحكومية، ويُصبح من حق المستثمر جلب الكادر الطبي والفنيين والعمال برواتب مجزية بنظام التعاقد، وهو نظام لا يدفع فيه المستثمر ضرائب دخل أو تأمينات للعاملين وإنما يكتفي بدفع 10% ضريبة كسب عمل فقط، وذلك لأنه لا يتم تعيينهم بشكل كامل.
من ناحية أخرى، يعامل المستثمر معاملة المستشفيات الحكومية، بحسب المصدر، فيما يتعلق بأسعار المرافق مثلًا، ما يسمح بوجود هامش ربح من الخدمات الصحية، وبينها الرعاية المركزة المُقدمة لمن يُعالجون على نفقة الدولة والمُؤمن عليهم صحيا والذين يدفعون مباشرة، مضيفا أن لكل مجمع رعاية مركزة سيكون له صندوق يدير المستثمر موارده.
أما المريض غير القادر، المتردد على العيادات الخارجية وأقسام الطوارئ الموجودة بتلك المستشفيات، فلن يستطيع الحصول على الخدمة الصحية بشكل عاجل، وإنما سيكون عليه انتظار انتهاء إجراءات العلاج على نفقة الدولة، وتحديد غرفة عمليات وزارة الصحة مكانا له داخل أيًا من وحدات الرعاية المركزة التي يتوافر بها.
مصدر طبي بـ«حميات العباسية»، طلب عدم ذكر اسمه، وصف منح حق التشغيل بالمصيبة، قائلا «لو جالنا طفل في الاستقبال عنده التهاب سحائي صديدي ومحتاج رعاية مركزة في الحال ومفيش غير الحميات ينفع تحجزه، هنحوّله إلى أقرب حميات متوفر بها سرير عناية مركزة في بنها أو شبين الكوم حتى لو في 10 سراير فاضيين جوه العباسية».
طبيب ثاني بالمستشفى تحدث لـ«مدى مصر»، بعدما اشترط عدم ذكر اسمه، تحدث عن تفريغ المستشفيات الحكومية من الخدمة الصحية الحقيقية، وذلك بفصل الأقسام المُطوّرة فيها ومنحها للقطاع الخاص لإدارتها، كما أشار لخضوع الأمراض التي تعالجها مستشفيات الحميات لمنظومة الطب الوقائي التي تُلزم القوانين الحكومة بتوفيرها بالمجان، ولذا تم فصل وحدة الرعاية المركزة عن مستشفى حميات العباسية٬ لتشغلها الجمعية التابعة للبنك بشكل مستقل عن المستشفى.
المصدر الحكومي، من جانبه، أكّد على خطورة فصل الوحدات المتطورة بالمستشفيات الحكومية ومنحها للقطاع الخاص لتشغيلها، كونها تعد خَصما من الخدمة الصحية الحكومية، موضحا أن البنوك ومؤسسات المجتمع المدني قامت، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بالتبرع للإنفاق على تطوير عدد كبير من المستشفيات الحكومية لتحسين الخدمة الصحية للفقراء، ولكن الآن يتم إسناد إدارة المستشفيات بعد تطويرها للقطاع الخاص و«الأهلي» لتحقيق الربح منها بما يخصم من حصة الفقراء في الخدمة الصحية.
وتوقع المصدر الحكومي أن يتبع التعاقد مع البنك الأهلي تعاقدات كثيرة مع مستثمرين آخرين، خصوصا في مجال الرعايات المركزة.
ويعطي قانون «تأجير المستشفيات»، الذي أصدره قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في يونيو الماضي، لرئيس الوزراء سلطة الترخيص للمستثمر بتشغيل المنشآت الصحية القائمة لمدة قد تصل إلى 15 عاما، وإصدار قرار بتحديد شروط وأحكام التعاقد وتعديلها، وكذلك تحديد حصة الحكومة، وأسس تسعير الخدمات الصحية، إضافة إلى الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأوضاع الوظيفية والمالية للعاملين ووسائل الإشراف ومتابعة العمل.
وفور عرضه على مجلس النواب، أثار القانون عاصفة من الانتقادات والمخاوف من تخلي الدولة عن التزاماتها الأساسية في مجال الصحة، فضلا عن تساؤلات عن حدود الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص عند توليه تقديم الخدمة الصحية نيابة عن الحكومة.
رفع أسعار العلاج المجاني
واستبقت الحكومة القانون، بإصدارها في مارس الماضي، لائحة تقلّص نسبة العلاج المجاني وترفع أسعار جميع الخدمات الصحية في المستشفيات العامة والمركزية، ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة، التي يعتمد عليها الفقراء.
في مارس الماضي أيضا، أعلن وزير الصحة استحداث وتجهيز «مُجمّع الرعايات المركزة» في عدد من المستشفيات بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وهو عدد من أسِرة الرعاية داخل مستشفى واحدة، وتفقّد حينها الوزير مُجمّع الرعايات المركزة بمستشفى جلوبال ميديكال سيتي، وهي مستشفى خاص، ومستشفى عين شمس العام بمحافظة القاهرة، ومستشفى القناطر الخيرية المركزي بمحافظة القليوبية، بإجمالي 90 سريرًا، بواقع 30 سريرا بكل مستشفى.
يشار إلى أن مصر تعاني عجزا كاملا في خدمات العناية المركزة، بجانب ارتفاع أسعار خدمات الرعاية المركزة، التي يصعب على أكثر من 90% من المصريين توفيرها، إلا من خلال التأمين الصحي أو المستششفيات الحكومية، ما يعني أن الفقير عليه أن يموت قبل أن يدخل وحدة الرعاية المركزة، التي سيستولي عليها المستثمرون لتحصيل الأرباح من معاناة المصريين..
ويأتي انسحاب الدولة المصرية من مسئوليتها عن توفير الرعاية الصحية للشعب المصري ضمن مخططات الخصخصة والتخلي عن أعباء وحقوق دستورية للمصريين، مقابل ضرائب ورسوم كبيرة تحصل من جميع المصريين.