مع الإعلان عن نظام الثانوية العامة الجديدة الذي شوهت صورته ومناهجه وزارة التعليم بحكومة الانقلاب، بدأت ظاهرة هروب الطلاب من الثانوية العامة إلى التعليم الفنى لأن الثانوية العامة أصبحت همًا وغمًا وكربًا على الطلاب وأسرهم وتحولت إلى كابوس بعد أن كانت الوجهة المفضلة لكل الطلاب، وقرر الكثيرون الابتعاد عنها والفرار منها.
أرجع خبراء التربية هذا الهروب الكبير إلى الضغط النفسيّ والعصبيّ الذي يدخل دوَّامته جميع الطلبة منذ أن تطأ أقدامهم المرحلة الثانوية، وهي نفس الضغوط التي تعيشها أسرهم، إضافة إلى دوامة الدروس الخصوصية التي تستنزف ميزانية كل أسرة وتكبدها آلاف الجنيهات شهريًا.
شهدت السنوات الأخيرة اتجاه الكثير من الأسر إلى التعليم الفنى والمدارس التكنولوجية، وهو ما انعكس بدوره على زيادة أعداد طلاب التعليم الفنى إلى أكثر من 2 مليون طالب طبقًا لإحصاءات تعليم الانقلاب لعام 2023.
الدروس الخصوصية
فى هذا السياق أكد عدد من أولياء الأمور أن الثانوية العامة عبء كبير عليهم وعلى أبنائهم ولهذا صاروا يفضلون إلحاق أبنائهم بالمدارس التكنولوجية والفنية.
وقالت منى محمود – موظفة -: “ابنتي عانت كثيرًا فى مرحلة الثانوية العامة من الدروس الخصوصية التى كانت تستنزف أغلب دخل الأسرة خاصة المواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء، والتى وصلت تكلفتها إلى 200 جنيًا فى الحصة الواحدة، موضحةً أنه رغم كل ذلك لم تحصل إلا على مجموع 68% بالثانوية العامة.”
وأكدت منى محمود في تصريحات صحفية أن المدارس الفنية والمهنية أفضل بكثير من الثانوية العامة، حيث يلتحق خريجوها بسوق العمل فور انتهائهم من الدراسة مباشرة، وهذه ميزة كبيرة لا تتحقق في الغالبية العظمى من خريجي الكليات.
وقالت نورهان علي – موظفة -: إن ابنها لم يكن يرغب في الالتحاق بالثانوية العامة، لكنها ضغطت عليه على أمل أن يلتحق بعدها بالتعليم الجامعي، لكنه لم يحصل إلا على مجموع قليل في الثانوية العامة، فاضطر إلى دخول معهد خاص من أجل الحصول على شهادة جامعية.
وأضافت: ندمت على عدم إلحاق ابني بالتعليم الفني من البداية، خاصة وأن المدارس الفنية الآن على أعلى مستوى من الكفاءة المهنية، ناصحة أولياء الأمور بتشجيع أبنائهم على دخول التعليم الفني.
تعليم مرهق
وأكدت الخبيرة التربوية بثينة عبد الرؤوف أن عددًا كبيرًا من أولياء الأمور يشجعون أبناءهم على الالتحاق بالمدارس الفنية والابتعاد عن شبح الثانوية العامة المرعب.
وقالت بثينة عبد الرؤوف في تصريحات صحفية: “الثانوية العامة حاليًا نظام تعليم مُرهق للجميع، وتنوع المدارس الفنية والتكنولوجية والمهنية، ومدارس الشركات الخاصة الكبرى، شَجع الكثير من الأسر على إلحاق أبنائها بالتعليم الفني، خاصةً أن فرص العمل فيه أفضل بكثير من فرص عمل خريجي الجامعات.”
وأضافت: معظم المدارس التكنولوجية والفنية تختار الطلبة الحاصلين على مجموع مرتفع نسبيًا، وتعقد اختبارات قبول للراغبين في الالتحاق بها، وهي صورة جديدة عن التعليم الفني، على عكس الصورة الذهنية القديمة لدى أولياء الأمور بأن الفاشلين هم من يلتحقون بالمدارس الفنية والتجارية.
وأوضحت بثينة عبد الرؤوف أن الثانوية العامة في الفترة الأخيرة أصبحت مصدر رعب للأهالي، وتسبب ضغطًا ذهنيًا وعصبيًا وماديًا رهيبًا على الأسر.
هناك أسر لا تستطيع مجابهة تكاليف الدروس الخصوصية بسبب ارتفاع أسعار المحاضرات والحصص التي تصل إلى مئات الجنيهات في الحصة الواحدة، خاصةً في المراجعات النهائية للطلبة، وهو ما دفع الأهالي إلى تشجيع أبنائهم على الالتحاق بالتعليم الفني.
وأشارت إلى أن هناك سببًا جوهريًا آخر يدفع الأهالي لإلحاق أبنائهم بالتعليم الفني، وهو سهولة الدخول النسبي إلى الجامعات مقارنة بالثانوية العامة، خاصة مع وجود جامعات تكنولوجية وأهلية وخاصة، مما جعل الأهالي يطمئنون لمستقبل أبنائهم في حالة رغبتهم في استكمال تعليمهم الجامعي، وهو ما كان يشكل قلقًا كبيرًا لمعظم الأهالي لأن التعليم الفني لم يكن يؤهل لاستكمال التعليم الجامعي.
وتوقعت بثينة عبد الرؤوف أن تشهد السنوات القادمة ازديادًا في أعداد طلاب التعليم الفني في ظل إنشاء مدارس فنية على مستوى عالٍ تعمل على تأهيل الطلاب مباشرة لسوق العمل.
شبح مخيف
وأكد خبير تطوير التعليم الفنى الدكتور أحمد الجيوشى، أن الثانوية العامة أًصبحت شبحًا مخيفًا للأسر والتى أثقل كاهلها الضغط النفسيّ والعصبيّ والماديّ نتيجة نظام الثانوية العامة.
وقال الجيوشي في تصريحات صحفية: “أصبح التعليم الفني يمثل حجر الزاوية، وله أهمية توازي أهمية الثانوية العامة، خاصة مع زيادة عدد طلابه التي وصلت إلى أكثر من مليوني طالب في عام 2023.
وأشار إلى أن انتشار عدد كبير من المدارس الفنية، خاصةً المدارس التطبيقية والتكنولوجية، جعل التعليم الفني يشهد إقبالًا كبيرًا من الطلاب، بل وأصبح تنسيق الالتحاق بها يقترب من تنسيق مدارس الثانوية العامة.
موضحًا أن المدارس التكنولوجية والفنية تضمن مستقبلًا جيدًا لطلابها من ناحية التدريبات العملية والأجور الجيدة، والاحتياج الكبير لبعض التخصصات مثل التخصصات الميكانيكية التكنولوجية المتعلقة بالسيارات، والتخصصات الطبية المساعدة مثل التمريض والمعاهد الصحية، والتخصصات التطبيقية التكنولوجية.
وأضاف الجيوشي: “هناك أسباب عديدة وراء زيادة الإقبال على المدارس الفنية والتكنولوجية، منها الارتفاع الكبير في مصاريف الدروس الخصوصية في الثانوية العامة التي تكبد الأسرة الكثير من الأموال، والبطالة الكبيرة بين خريجي الجامعات، والاهتمام المتزايد بالمدارس الفنية ووجود شركات كبرى أنشأت مدارس خاصة فنية للطلاب للاستفادة من خبراتهم ودراستهم بعد تخرجهم، بالإضافة إلى حاجة سوق العمل المتزايدة إلى المزيد من خريجي التعليم الفني والمهن الحرفية. كل ذلك سيجعل للتعليم الفني شأنًا كبيرًا في السنوات المقبلة.”