شَهدت مصر حادثًا كارثيًا في محطة الزقازيق بالشرقية، حيث خرج أحد القطارات عن مساره، مما أسفر عن وفاة أربعة أشخاص وإصابة أكثر من 50 آخرين، وفقًا لحصيلة أوليّة.
في مساء يوم الحادث، اصطدم قطار الركاب رقم 281 القادم من الزقازيق إلى الإسماعيلية بقطار الركاب رقم 336 المتجه من المنصورة إلى الزقازيق، في منطقة أمام الكوبري الجديد بلوك 5 بمدينة الزقازيق.
في أعقاب الحادثة، خرج كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير النقل، في مقابلة تلفزيونية ليؤكد أن “العنصر البشري” هو المسؤول الأول عن الحادث، مُشيرًا إلى أن “القطارات والمعدات سليمة” وأن الوزارة قامت بتحديث الأنظمة والمعدات الخاصة بالقطارات.
ورغم تصريحات الوزير، فإن الشارع المصري غاضب ومشحون، حيث يرى الكثير من المواطنين والمختصين أن هذه التصريحات تمثل محاولة للتهرب من المسؤولية الأكبر المتمثلة في الإهمال والتقصير الذي طال العديد من القطاعات الحكومية، بما في ذلك السكك الحديدية.
كان هذا الحادث هو الأحدث في سلسلة طويلة من حوادث القطارات في مصر، التي أصبحت مشهدًا مألوفًا في السنوات الأخيرة.
ووفقًا لشهود عيان، فإن الحادث لم يكن بسبب خطأ بشري، بل كانت السيارات قديمة ومتآكلة، رغم ما تقوله الحكومة عن التحديثات والمليارات المنفقة عليها.
وأثارت تصريحات الوزير حالة من الغضب بين المواطنين والمهتمين بالشأن العام، حيث رأى الكثيرون أنها تمثل تهربًا من المسؤولية الحقيقية للوزارة.
وتساءل المواطنون كيف يمكن القاء كل المسؤولية على العاملين بالمحطة، بينما تظل الوزارة هي الجهة التي تُشرف على إدارة هذا القطاع الحيوي.
ويُرجع مراقبون الكارثة التي تُعاني منها السكك الحديدية إلى الفساد والإهمال في وزارة النقل وهيئة السكك الحديدية.
ويذهب خبراء النقل والسكك الحديدية إلى أن المشكلة أكبر من مجرد خطأ بشري.
ويقول الدكتور خالد عبد الحميد، أستاذ هندسة النقل: “تصريحات الوزير محيرة، عندما نتحدث عن حوادث القطارات، يجب أن ننظر إلى العوامل المتعددة التي تساهم في حدوث هذه الحوادث، بدءًا من حالة البنية التحتية وصولاً إلى تدريب العاملين، فنياً في جهات مختصة، وليس في الأكاديمية العسكرية، على صفا وانتباه وتمام يا أفندم!”
وأضاف عبد الحميد: “نعم، قد يكون هناك خطأ بشري في بعض الحالات، ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو التفسير الوحيد، فالأنظمة القديمة والمعدات المهترئة تسهم بشكلٍ كبير في وقوع الحوادث، والتحديثات التي تتحدث عنها الوزارة قد تكون جزئية، ولكنها بالتأكيد ليست كافية.”
المسؤولية عن حوادث القطارات في مصر لا يمكن أن تُنسب فقط إلى العاملين في المحطات، فهناك قضايا أكبر تتعلق بالفساد والإهمال المستشري في مختلف قطاعات الدولة.
وتشير تقارير عديدة إلى أن الفساد في وزارة النقل يمتد لسنوات، حيث تم إهدار مليارات الجنيهات على مشروعات لم تُنفذ بشكلٍ كامل أو لم تحقق الهدف المرجو منها.
ووفقًا لخبراء، فإن بعض الممارسات الفاسدة التي تشهدها الوزارة، كما في مشاريع كثيرة يُعلن عنها، لكنها على أرض الواقع مجرد وعود.
ويرى الخبراء ضرورة وجود رقابة مستقلة على عمليات التحديث والمشروعات الحكومية لضمان تنفيذها بالشكل المطلوب، وليس بالشكل الإعلامي والترويجي لوزير النقل.
بدائية وسائل الإنقاذ
في ظل غياب وتدني مستوى آليات الإنقاذ، اندفع الأهالي إلى الصراخ وطلب المساعدة بشكلٍ بدائي، حيث لم تتوافر فرق الإنقاذ بشكل كافٍ، وكان على المواطنين تقديم يد العون في ظروف صعبة.
وعلاوةً على أسباب الحادث، تكشف الفوضى في إدارة الطوارئ عن أزمة أخرى في القطاع، فلم يكن هناك أي تنظيم فعّال لمساعدة المصابين، وقد اعتمد الأهالي بشكلٍ رئيسيّ على أنفسهم في تقديم الدعم.
هذه الفوضى تكشف عن عدم الاستعداد الكافي لمواجهة مثل هذه الكوارث.
وأشار حسن عبد الله، أحد المتطوعين في جهود الإنقاذ: “كانت هناك حالة من الفوضى العارمة، لم تكن هناك فرق إنقاذ متاحة في الوقت المناسب، قمنا بكل ما بوسعنا لمساعدة المصابين، ولكن كان من الواضح أن هناك نقصًا في التنسيق والدعم الرسمي.”
تناقضات في التصريحات
وأظهرت التحقيقات الأولية تناقضات كبيرة حول أسباب الحادث، ففي البداية، أعلن المسؤولون عن وفاة عامل التحويلة، وهو ما أثار تساؤلات حول كيف يمكن لعامل واحد فقط أن يكون سببًا في كارثة بهذا الحجم.
لكن التصريحات الرسمية لم تتطابق مع ما نشرته وسائل الإعلام، حيث أفادت التقارير بأن مسؤولين من المحافظة قد أعلنوا عن التحفظ على عامل التحويلة، بالإضافة إلى شخصين آخرين، وهو ما يزيد من الغموض حول هوية المسؤولين الفعليين عن الحادث.
وتقول فاطمة الشاذلي، إحدى المواطنات الناجيات من الحادث: “الوضع كان فوضويًا للغاية، لم يكن هناك أي تنظيم أو دعم إسعاف، والأهالي هم من قاموا بإنقاذ المصابين، وقد شاهدنا مشهدًا مروعًا حيث كانت خدمات الطوارئ متأخرة جدًا، كنت أتمنى أن يكون هناك تنظيم أفضل للموقف.”
مسؤولية كامل الوزير
وسبق أن أثارت تصريحات الوزير حول إلغاء تقنية ATC (Automatic Train Control) التي توقف القطار في حالات الطوارئ، جدلاً واسعًا.
فإلغاء هذه التقنية يعني زيادة المخاطر في حالات الطوارئ، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على سلامة الركاب.
وتعود هذه القرارات إلى تعليمات صادرة عن الوزير، ما يثير التساؤلات حول مدى جديته في حماية سلامة المواطنين.
وأوضح محمد يوسف، خبير في مجال النقل السككي: “قرار إلغاء نظام ATC هو قرار كارثي، هذه التقنية كانت توفر أمانًا إضافيًا للقطارات، وإلغاؤها يعد تراجعًا كبيرًا في معايير السلامة،
من الواضح أن هناك تجاهلاً لسلامة الركاب، وهذا يظهر في الحوادث المتكررة.”
وجاء إلغاء كامل الوزير لنظام التحكم الآلي بالقطارات، في إطار طنطنته الإعلامية عن إلغاء التأخيرات بالمواعيد.
جهاز الـATC
يُشار إلى أن الجهاز يوقف القطار في كل منطقة تجديد إشارات، كما من شأنه إيقاف القطار في أي منطقة قد تشهد حوادث قبلها بـ300 متر.