قبل أيام قليلة من بداية العام الدراسي الجديد، أثار محمد عبداللطيف وزير تعليم الانقلاب أزمة الكثافات الطلابية في الفصول، والتي تصل إلى 80 طالبا في بعض محافظات الجمهورية، وزعم أنه سيقدم حلولا لهذه الأزمة، بحيث لا يزيد عدد الفصل الدراسي عن 45 طالبا .
تصريحات وزير تعليم الانقلاب، تكشف عن جهله بالتحديات الكبيرة التي تواجه منظومة التعليم خاصة التعليم ما قبل الجامعي الذي يحتضن أكثر من ٢٥ مليون طالب ، وهذه الأعداد الكبيرة، أحدثت واحدة من أكبر مشكلات التعليم وهي الكثافات الطلابية في الفصول.
كانت حكومة الانقلاب قد أعلنت في أكتوبر ٢٠٢٢، عن خطةا للتصدي لأزمة ارتفاع كثافة الفصول المدرسية، من خلال زيادة مخصصات قطاع التعليم، حيث خصصت ١٥ مليار جنيه، لإنشاء وتنفيذ ٢٥ ألف فصل جديد لخفض متوسط الكثافة الطلابية من ٥٥ طالبا لكل فصل إلى ٤٥ طالبا.
وزعمت حكومة الانقلاب أنها تستهدف الوصول بالكثافة الطلابية إلى ٣٥ طالبا في الفصل الواحد، بحلول عام ٢٠٣٠، من خلال التوسع في إنشاء المدارس.
٤ تحديات
وبعد نحو عامين وفشل الخطة الأولى، عادت حكومة الانقلاب للبحث عن حلول جديدة لأزمة الكثافات الطلابية، وأعلن محمد عبداللطيف وزير تعليم الانقلاب أن هناك أربعة تحديات تواجه العملية التعليمية.
وقال عبداللطيف خلال مؤتمر صحفي : إن “هناك أكثر من ٢٥ مليون طالب بالمدارس، مشيرا إلى أن الوزارة تحتاج إلى ما يزيد عن ٢٥٠ ألف فصل جديد، وما يقرب من ٤٦٩ ألف معلم لسد عجز المعلمين الذي تعاني منه المدارس في مختلف الصفوف الدراسية”.
وأوضح أن محاور خطة تعليم الانقلاب لحل أزمات الكثافات الطلابية ، تتضمن : نقل المدارس الثانوية للفترة المسائية والاستفادة منها في الفترة الصباحية للمرحلة الإعدادية، وحصر الفراغات التعليمية واستغلالها كفصول، وتعديل الأسبوع الدراسي واستخدام فكرة الفصل المتحرك
وأشار عبداللطيف إلى أن عدد أيام الدراسة، سيزيد يومًا ليصبح خمسة أيام تعليم أكاديمي بدلًا من أربعة، إضافة إلى يوم سادس للأنشطة، واستخدام فكرة الفصل المتحرك لتقليل الكثافات.
وكشف أنه في ضوء الزيارات الميدانية لنحو ١٠ محافظات، والاجتماعات التي عقدت مع أكثر من ٢٠٠ مدير إدارة تعليمية؛ للوقوف على أهم المعوقات التي تواجه العملية التعليمية على أرض الواقع؛ انتهت الوزارة إلى وضع خطة لأهم التحديات التي تتمثل في العجز في أعداد المعلمين – الكثافات الطلابية بالفصول – ارتفاع نسب الغياب بالمدارس – إعادة هيكلة التعليم الثانوي.
أزمة متشعبة
في المقابل قال الدكتور حسن شحاتة، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس: إن “أزمة الكثافات الطلابية في مدارس مصر، هي أزمة متشعبة ولها العديد من الآثار المترتبة عليها، والتي من أبرزها انخفاض التحصيل العلمي للطلاب نتيجة لانعدام التفاعل بين المدرس والتلميذ داخل الفصول بسبب كثرة الأعداد”.
وأضاف “شحاتة” في تصريحات صحفية أن الكثافات الطلابية أزمة نسبية وتختلف من محافظة لأخرى ففي الوقت الذي تعاني فيه مدارس القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية من تكدس طلابي ، وصل إلى حد الـ٨٠ طالبا لكل فصل في بعض المناطق، تشهد مدارس بعض المحافظات عددا ضئيلا مثل الوادي الجديد ومطروح.
وحول امكانية حل أزمة التكدس والكثافات الطلابية المرتفعة في الفصول، أشار إلى أن التطور التكنولوجي سهل كثيرا من إيجاد وسائل تعليمية متطورة وفعالة، وأبرز الأمثلة على ذلك السبورة الذكية والتابلت، الأمر الذي يخلق بيئة تعليمية تفاعلية.
وتابع”شحاتة”: هناك العديد من الأساليب التعليمية الناجحة، من أبرزها التعليم التعاوني، وهو نظام تعليمي يرتكز على تقسيم الفصل الواحد إلى مجموعات صغيرة لا تتعدى الـ١٠ طلاب، وهذه المجموعات يتم اختيارها بعناية مع ضرورة اختلاف المستويات بين طلاب المجموعة الواحدة، وتركز العملية التعليمية على المنافسة بين المجموعات الأمر الذي يخلق نوعا من التفاعل الإيجابي بين الطلاب والمعلمين، ورفع مستوى التحصيل العلمي إلى مستويات قياسية.
ولفت إلى أن هناك حلولا أخرى مثل ما يسمى بالتعليم المقلوب، والذي يعتمد على تعزيز التحصيل العلمي من خلال توزيع عدد من التكليفات على الطلاب والمجموعات الدراسية داخل الفصل، ويتم حل تلك التكليفات في المنزل بعد وقت المدرسة، الأمر الذي يعطي فرصة للطلاب لمواصلة التحصيل العلمي بعد وقت المدرسة وأيضا تبادل الأفكار والآراء والتشاركية في إيجاد الحلول.
وأكد “شحاتة” أن هناك أفكارا تقليدية ثبت نجاحها في بعض المناطق من أبرزها تقسيم اليوم الدراسي إلى فترتين صباحية ومسائية، إلا أنها في الوقت نفسه تعد حلولا مؤقتة، بالتوازي مع التوسع في إنشاء المدارس.
التهرب الضريبي
وقال الدكتور كمال مغيث، الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية: إن “الكثافات الطلابية من أبرز المشكلات المتعمقة في العملية التعليمية الأمر الذي وصل إلى تعليم الطلاب في أماكن غير مؤهلة في بعض المناطق، مؤكدا أن بعض المدارس اضطرت لإقامة العملية التعليمية في فناء المدرسة “الحوش”،
وطالب “مغيث” في تصريحات صحفية بضرورة العمل على إيجاد حلول جذرية للنهوض بالتعليم، موضحا أن الحل الأول والجذري لأزمة الكثافات الطلابية يكون برفع ميزانية الأبنية التعليمية وزيادة مخصصات التعليم بشكل عام في موازنة دولة العسكر، لأن التعليم قضية قومية، ولا نهوض ولا تنمية بغير تعليم جيد.
وأشار إلى أن هناك حلولا لمشكلة الكثافات الطلابية دون حاجة إلى اللجوء لرجال الأعمال لتقديم تبرعات أو بناء مدارس لا يستطيع قطاع كبير من الشعب الدراسة بها نظرًا لارتفاع تكلفة التعليم في المدارس الخاصة، موضحا أن الحل يكون من خلال مكافحة التهرب الضريبي، والذي وصل إلى ٦٠٠ مليار جنيه بحسب التقديرات الأخيرة، وهو الأمر الذي يمكن استغلال جزء منه في الارتقاء بالعملية التعليمية.