ممدوح الولي يكتب: لماذا أبقت مصر على قيادات البنوك العامة؟

- ‎فيمقالات

 

 

قبل ثلاثة أسابيع تم تسريب خبر تبادل رئيسي البنك الأهلي المصري وبنك مصر، أكبر بنكين في البلاد، منصبيهما، بحيث يتولى رئيس البنك الأهلي رئاسة بنك مصر ويتولى رئيس بنك مصر البنك الأهلي، في سابقة جديدة حيث جرى العرف على كون كل من البنكين يمثل مدرسة مصرفية ذات ملامح خاصة، وقيل إن سبب ذلك هي تعليمات البنك المركزي التي تتيح بقاء رئيس البنك لثلاث دورات كلا منها لثلاث سنوات، أي بحد أقصى تسع سنوات، بينما استنفد رئيسا البنكين تلك المدة، حيث يشغل رئيس البنك الأهلي منصبه منذ عام 2013 والآخر منذ بداية عام 2015.

 

ولكن لماذا الحرص على إبقاء الرئيسين على صدارة أكبر بنكين في البلاد؟ سيبرر البعض ذلك بتحقيق البنكين أكبر رقم أرباح بين البنوك الستة والثلاثين العاملة في البلاد، لكن خبراء المصارف لا يقيسون أداء البنوك بحجم الأرباح وإنما بمؤشرات الربحية، وذلك من خلال مؤشرين رئيسيين أولهما العائد على حقوق الملكية والثاني العائد على الأصول.

 

وبتطبيق المؤشرين فقد كانت النتيجة ليست جيدة للبنكين، فمن بين 29 بنكا أعلنت قوائمها المالية عن العام الماضي، فقد جاء بنك مصر في المركز الثاني عشر والبنك الأهلي في المركز السادس عشر بمؤشر العائد على حقوق الملكية، وبمؤشر العائد على الأصول كان ترتيب بنك مصر العشرين والبنك الأهلي السابع والعشرين.

 

ولم يكن هذا التأخر في مؤشرات الربحية قاصرا على العام الماضي، بل استمر ذلك خلال السنوات الماضية أيضا، ففي عام 2022 وبمؤشر العائد على حقوق الملكية جاء بنك مصر في المركز السادس عشر والأهلي في المركز العشرين، وبمؤشر العائد على الأصول جاء بنك مصر في المركز العشرين والأهلي في المركز السادس والعشرين، وهو ما يعنى أنه لو كانت هناك جمعية عمومية منصفة في البنكين لطلبت تغيير رئيسي البنكين.

يمكن استبعاد حُسن أداء البنكين كمبرر لبقاء رئيسيهما في موقع القمة، ليصبح السبب الأقرب للصحة هو تماهي رئيسي البنكين مع الطلبات الحكومية، سواء لتمويل مشروعات حكومية بغض النظر عن دراسات الجدوى الخاصة بها، أو التوسع في شراء أدوات الدين الحكومي من أذون خزانة وسندات خزانة لسداد عجز الموازنة الحكومية، كذلك إمداد الحكومة بما تحتاجه من عملات أجنبية.

آخرون سيبررون بقاء رئيسي البنكين بمعدلات النمو التي حققها البنكان بالعام الماضي، ولكن تلك المعدلات للنمو يجب مقارنتها بمتوسط أداء البنوك وكذلك معرفة أسبابها، فإذا كان البنك الأهلي قد حقق نموا في إجمالي الأصول بنسبة 19.8 في المائة وبنك مصر بنمو 14.9 في المائة، فقد حققا نموا أقل من متوسط نمو الأصول للبنوك البالغ 24.6 في المائة، وتكرر الأمر مع نمو الودائع بنسبة 15.9 في المائة بالبنك الأهلي و8.6 في المائة ببنك مصر، بينما كان متوسط نمو الودائع للبنوك 18.4 في المائة.

 

استثمارات محدودة بالشركات بالبنوك العامة

 

أما أسباب النمو للأصول فيدخل فيها عوامل سعر الصرف وسعر الفائدة والتضخم، فقد بلغ معدل تغير سعر الصرف خلال العام الماضي بنسبة 34.9 في المائة، وهو ما يعني ارتفاع قيمة القروض بالعملات الأجنبية في البنوك بنفس النسبة، مما ينعكس على زيادة قيمة الأصول تلقائيا، ونفس الأثر لقيمة الودائع التي يملكها البنك بعملات أجنبية، كما زاد سعر الفائدة بنسبة 3 في المائة خلال العام الماضي، وهو ما ينعكس على تسعير القروض التي تمنحها البنوك، كذلك بلغت نسبة التضخم خلال الشهر الأخير من العام الماضي 35.2 في المائة.

 

وهكذا يمكن استبعاد حُسن أداء البنكين كمبرر لبقاء رئيسيهما في موقع القمة، ليصبح السبب الأقرب للصحة هو تماهي رئيسي البنكين مع الطلبات الحكومية، سواء لتمويل مشروعات حكومية بغض النظر عن دراسات الجدوى الخاصة بها، أو التوسع في شراء أدوات الدين الحكومي من أذون خزانة وسندات خزانة لسداد عجز الموازنة الحكومية، كذلك إمداد الحكومة بما تحتاجه من عملات أجنبية لشراء سلع أساسية أو غير أساسية، وأيضا التنازل عن بعض الحصص التي تملكها بنوك عامة في شركات عندما أرادت الحكومة بيع تلك الحصص لجهات سعودية وإماراتية أو غيرها.

 

ويأتي توسع بنكي الأهلي ومصر في إقراض الحكومة وشراء أدوات الدين التي تطرحها، على حساب إقراضهما للقطاع الخاص الذي يعاني من صعوبة الاقتراض، كذلك على حساب نشاطهما الاستثماري في القطاع الحقيقي، فرغم توجيه البنك الأهلي في العام الماضي تريليونين و26 مليار جنيه للاستثمارات المالية، فقد اتجهت معظمها لشراء أدوات الدين الحكومي، بينما كان نصيب مشاركات البنك في شركات شقيقة وتابعة بقيمة 12 مليار جنيه فقط، بنسبة ستة في الألف من مجمل الاستثمارات أي أقل من الواحد في المائة، بينما النسبة التي يساهم فيها بنك مصر في شركات هي 6 في المائة من مجمل استثماراته المالية.

 

وهكذا كان قرار رئيس الحكومة بتعيين رئيسي البنكين لثلاث سنوات جديدة يمكن تكرارها مستقبلا، بينما يتم التجديد لمحافظ البنك المركزي لمدة سنة واحدة، في رسالة لا تخلو من مغزى، كذلك التغاضي عن تعدد مناصب رئيس البنك الأهلي الجديد وعضويته في مجالس إدارات ست شركات قابضة وهيئات عامة، خلاف مناصبه الشرفية المصرفية محليا وعربيا والتي من الطبيعي أن تؤثر على مدى تفرغه لمهام عمله.

 

55 في المائة من أصول البنوك ببنكين

المهم لدى الحكومة أن تطمئن لوجود قيادات منفذه للتعليمات كي تواصل إنقاذ الحكومة دائما، خاصة وأن البنكين قد بلغ نصيبهما النسبي معا 54.8 في المائة من أصول البنوك العاملة في البلاد بنهاية العام الماضي، كما يستقطب البنكان نسبة 55.8 في المائة من الودائع التي ترد للبنوك، ويمنحان نسبة 59.2 في المائة من مجمل القروض، ويملكان نسبة 55.5 في المائة من استثمارات البنوك بالأوراق المالية وأدوات الدين الحكومي، ولديهما شبكة ضخمة من الفروع.

فالمهم لدى الحكومة أن تطمئن لوجود قيادات منفذة للتعليمات كي تواصل إنقاذ الحكومة دائما، خاصة وأن البنكين قد بلغ نصيبهما النسبي معا 54.8 في المائة من أصول البنوك العاملة في البلاد بنهاية العام الماضي، كما يستقطب البنكان نسبة 55.8 في المائة من الودائع التي ترد للبنوك، ويمنحان نسبة 59.2 في المائة من مجمل القروض، ويملكان نسبة 55.5 في المائة من استثمارات البنوك بالأوراق المالية وأدوات الدين الحكومي، ولديهما شبكة ضخمة من الفروع الممتدة لأنحاء البلاد، حيث يحتل بنك مصر المركز الثاني بعدد الفروع بين البنوك ويحتل البنك الأهلي المركز الثالث، بينما يحتل البنك الزراعي المركز الأول بعدد الفروع، وهو بنك مملوك أيضا بالكامل للحكومة لكن معظم الفروع موجودة بالقرى مما يجعل نشاطها أقل من نشاط فروع بنكي مصر والأهلي الموجودة في المناطق الصناعية والتجارية والحضرية.

 

وهكذا تهتم الحكومة أكثر ببنكي الأهلي ومصر المملوكين لها بالكامل أكثر من غيرهما رغم وجود بنوك أخرى مملوكة لها بالكامل، منها البنك الزراعي والبنك العقاري المصري العربي وبنك القاهرة والمصرف المتحد وبنك التنمية الصناعية، إلا أن البنك العقارى قد مر بأزمة ديون متعثرة خلال الأعوام العشرين الماضية، كما مر البنك الزراعي بمشكلة تعثر قروض قبل سنوات، ولهذا لا ينشر البنكان قوائمهما المالية منذ سنوات، أما المصرف المتحد المُنشأ من اندماج ثلاثة بنوك متعثرة عام 2006، فلم ينشر شيئا عن أدائه خلال تلك السنوات سوى قبل شهور، بعد الإعلان عن نية طرحه للبيع، ونفس الأمر لبنك القاهرة الذي يدور الحديث عن بيعه منذ عام 2007 وحتى الآن، دون تحديد موعد دقيق لطرحه رغم إدراجه في البورصة كتمهيد للطرح.

 

وجرت تسريبات إعلامية عن تغيير وشيك لقيادات البنوك العامة: القاهرة والعقارى والصناعي، وتعيين رئيس للبنك الزراعي بعد تعيين رئيسه وزيرا للزراعة. وإذا كان البنك الأهلي وبنك مصر يحتلان المركزين الأول والثاني بين البنوك العاملة في مصر، سواء في قيمة الأصول أو الودائع أو القروض أو الاستثمارات المالية أو حقوق الملكية، فيشغل بنك القاهرة المركز السادس من حيث قيمة الأصول، بينما يقترب البنك الزراعي من المركز العاشر والمصرف المتحد في المركز الثالث والعشرين، أما كل من البنك العقاري والصناعي فلا توجد عنهما أية بيانات مالية حتى يمكن تحديد مركزيهما.