في ظل العسكرة والغشم الذي يحكم به السيسي مصر، تراجعت دور المؤسسات المستقلة والرقابية في مصر، وبات الجميع يدور في فلك النظام، ولا يجرؤ أحد على معارضة ما يجري على أرض مصر، أو تقييمه أو إعلان رأيه المخالف بأي درجة من درجات الخلاف مع النظام، ومن بين تلك المؤسسات المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان تقريرًا لتقييم أداء “المجلس القومي لحقوق الإنسان” الرقابي على سجون مصر ومقار الاحتجاز المختلفة، في الفترة الممتدة بين عامي 2020 و2023، حيث بيّن أنّ أداء المجلس تراجع كثيرًا في مهامه مقارنةً بما كان معتادًا في نمط عمله سابقًا.
وقد استخلصت الجبهة هذا التقييم من خلال تفنيد التقرير السادس عشر الصادر عن المجلس، مبيّنةً أنّه “لا يعكس جدية تعامل المجلس مع الشكاوى ولا يعزز ثقة المواطنين به.”
وفي تقريرها المفصل لتقييم أداء المجلس، الصادر أمس الاثنين، أوضحت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أنّ “التراجع في الأداء يعكس إشكاليات التشكيل الحالي للمجلس بما يهدد استقلاليته وكفاءته، كما يعكس انحرافًا كبيرًا في عمل المجلس الرقابي والتفتيشي على جهات إنفاذ القانون لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، خاصةً في مقار تنفيذ العقوبات، وتراجع اهتمامه بإنجاز رقابة سنوية عن كثب على مقار السجون والاحتجاز، مقابل تركيز المجلس على مهام أخرى، كما لوحظ في تقرير المجلس السادس عشر.”
أضافت الجبهة أنّ “تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان السادس عشر يعكس أيضًا ميلاً إلى إخفاء قدر كبير من المعلومات حول أداء المجلس وأنشطته المتعلقة بالرقابة على السجون، ونوعية الشكاوى التي يتلقاها، وكذلك نوعية الاستجابات الرسمية التي يتلقاها من جانب الداخلية والنيابة العامة بشأنها، مما يهدد قيم الشفافية والمحاسبة وإمكانية مراقبة أداء عمل المجلس، ويعكس تراجعاً عما اعتاد المجلس ذاته تنفيذه في السنوات الماضية”.
وقد جاء تقييم الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لأداء المجلس القومي لحقوق الإنسان من خلال التركيز على دور المجلس في عدة محاور، من بينها “زيارات السجون ومقار الاحتجاز وسائر المؤسسات العلاجية والإصلاحية كأحد الآليات والصلاحيات الرئيسية التي منحها القانون رقم 197 لسنة 2017 – البند 16 من المادة 3 – للمجلس القومي لحقوق الإنسان، بغرض تمكين أعضائه من مقابلة السجناء ونزلاء هذه الأماكن للتأكد بشكلٍ شخصي ومباشر من أوضاع إقامتهم ومعيشتهم بشكلٍ إنساني وحقوقي، مع تقديم توصيات وتقييمات لتحسين أوضاعهم.” تُضاف إلى ذلك تقارير تُرفَع إلى كل من النائب العام ومجلس النواب بخصوص هذه الزيارات.
كذلك، لفتت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إلى أنّه بخلاف المعتاد في السنوات السابقة، “لم يرد في فترة التقرير السادس عشر الصادر عن المجلس السماح بأي زيارات أو قبول أي طلبات من جانب منظمات حقوقية دولية أو محلية مستقلة لحقوق الإنسان لزيارة مقار السجون، أو وجود ممثلين لها ضمن وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان في زياراته للسجون التي شملها التقرير السادس عشر.”
وفيما يتعلق بأعداد زيارات المجلس القومي لحقوق الإنسان لمقار الاحتجاز وتوزيعها، فقد شملت الزيارات في عام 2021 سجنين فقط من سجون مصر القديمة، هما سجن برج العرب وسجن دمو بالفيوم.
وفي عام 2022، زادت الزيارات لتصل إلى عشرة، شملت السجون الجديدة أو مراكز التأهيل والإصلاح الجديدة، وفي عام 2023، انخفضت زيارات المجلس مرة أخرى، إذ قام بزيارتين، “إحداهما لمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان بعد افتتاحه بخمسة أشهر، والأخرى للمؤسسة العقابية للأحداث في المرج”.
وتشهد سجون مصر تصاعدًا غير مسبوق في أعداد القتلى والمصابين بالأمراض دون تدخل طبي أو توفير العلاج اللازم، يُفاقمه انتشار التعذيب والتكدير غير الإنساني، والحرمان من الزيارات، والمنع من التريض والعلاج، وغيرها من الانتهاكات، إضافة إلى التفتيش والاستيلاء على مقتنيات السجناء، وسرقة الأموال من أسر السجناء خلال الزيارات، وقهرهم لساعات طويلة خلالها.