لماذا يرفض السيسي الرقابة البرلمانية على الصندوق السيادي؟

- ‎فيتقارير

في تصرفات لا تحدث إلا في عزب العسكر، أو في بلاد الواق واق، يصر السيسي ونظامه العسكري على رفض أي رقابة شعبية أو سياسية أو رقابية أو محاسبية على أموال الصندوق السيادي، الذي يضم إليه السيسي كل يوم أصولًا مصرية وعقارات وأراضي، ليتصرف فيها كيفما يشاء بعيدًا عن موازنة الدولة، وبعيدًا عن أي سلطة.

وفي خطوة مثيرة للجدل، تواصل الحكومة تجاهل نداءات البرلمان للرقابة على موارد صندوق مصر السيادي، ما يهدر قيم الشفافية والحوكمة الاقتصادية.

 

فقد تم التصويت مؤخرًا لنقل تبعية هذا الصندوق إلى مجلس الوزراء، ما أثار تساؤلات جدية حول ما يُعتبر “اقتصاد الظل” في قلب الحكومة.

إذ تتعالى الأصوات المنادية بأهمية فرض رقابة صارمة على إدارة الصندوق الذي يُعتقد أنه يدير صفقات اقتصادية حساسة وسرية.

وصرح وزير الشؤون النيابية محمود فوزي بأن الصندوق يمثل أحد الأذرع الاقتصادية الحيوية للدولة، مشيرًا إلى طبيعته الخاصة التي تجعله خارج نطاق الرقابة النيابية، زاعمًا أن أي محاولة لمراقبة موارده المالية ستكون غير مقبولة.

 

فيما القانون الذي يحكم الصندوق يحدد إطارًا معينًا للرقابة، لكنه يُحاط بالكثير من الشكوك حول مدى فعاليته.

فوزي يبرر الوضع القائم بأن هناك مراجعين من الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي المصري، وأن تقاريرهم ستُعرض على جمعيته العمومية ورئيس الجمهورية، لكن هل يمكن اعتبار هذا كافيًا لضمان النزاهة والشفافية في إدارة موارد الصندوق؟ إضافة إلى ذلك، يُشير فوزي إلى أن عرض موازنة الصندوق على البرلمان كما هو الحال مع موازنة الحكومة قد يُفقد الصندوق مرونته الاقتصادية، رافضًا فكرة أن الصندوق هو بوابة خلفية لبيع أصول الدولة.

 

لكن ما هي المعايير التي تُحدد بها هذه المرونة؟ وما هو مصير الأصول التي تم نقل ملكيتها إلى الصندوق دون وجود رقابة برلمانية واضحة؟

خاصة مع تحول الصندوق إلى أداة لنقل أصول ضخمة للدولة، حيث قام عبدالفتاح السيسي بنقل مجموعة من الأصول المهمة إلى الصندوق، ومنها أراضي ومباني استراتيجية.

تم طرح هذه الأصول أمام مستثمري القطاع الخاص، في خطوة تثير المخاوف حول مصير الملكية العامة وما إذا كانت هذه الأصول ستظل تحت رقابة الدولة أم ستُفقد تمامًا.

المجموعة التي تم نقلها تشمل مواقع حيوية، مثل أرض مجمع التحرير والمقر الإداري لوزارة الداخلية، إضافة إلى المقرات السابقة للحزب الوطني المنحل.

 

وفي خطوة مثيرة للدهشة، تم نقل أراضي 13 وزارة وجهة حكومية بوسط القاهرة، بما في ذلك وزارات الخارجية والعدل والتعليم والصحة، إثر نقل هذه الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

بحسب المعلومات المتاحة، يبلغ حجم الأصول المدارة من قبل صندوق مصر السيادي نحو 12 مليار دولار، يشمل الصندوق خمسة صناديق فرعية تهتم بمجالات حيوية كخدمات التحول الرقمي والبنية التحتية والخدمات الصحية.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل يمكن اعتبار هذه التشكيلة من الصناديق ضمانًا لنجاح الاستثمارات في ظل غياب الرقابة المناسبة؟

 

الشكوك تتزايد حول الهدف الحقيقي من إدارة هذه الأصول في ظل غياب الرقابة البرلمانية، هل حقًا يُدار هذا الصندوق بما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، أم أن هناك أجندات خفية تُستخدم لتحقيق أهداف أخرى؟

الجميع يدرك أن إدارة الموارد المالية بطريقة غير شفافة قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية وفي الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد المصري بأزمات متتالية، فإن السماح بإدارة الصندوق بعيدًا عن أعين الرقابة قد يؤدي إلى تفشي الفساد وهدر المال العام. فكيف يمكن لدولة تتطلع إلى تحقيق النمو والتنمية أن تقبل بمثل هذه السياسات التي تفتقر إلى الشفافية؟

ووفقًا لمراقبين، يجب أن يكون هناك مسار واضح للرقابة والمساءلة على كل ما يتعلق بالصندوق السيادي، الحكومة ملزمة بتحمل مسؤولياتها أمام الشعب، والبرلمان يجب أن يلعب دوره في مراقبة الأصول التي تمثل ثروات الأمة.

 

السؤال الآن: هل ستستمر الحكومة في تجاهل دعوات الشفافية، أم ستفتح الباب أمام الرقابة البرلمانية؟ الأوضاع الحالية تشير إلى أن الخطر يتزايد، والتحديات الاقتصادية تتطلب تحركًا عاجلًا وشفافًا، وإلا سنشهد تداعيات قد تكون أكثر كارثية مما نتصور.

ولعل إصرار السيسي ونظامه على رفض الرقابة على الصندوق السيادي وإصراره على عدم تعيين رؤساء دائمين للجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي وهيئة الرقابة الإدارية، والاكتفاء بتعيين قائمين بالأعمال يجدد لهم كل سنة، يكشف إلى أي مدى يصر على الفساد والغموض وابتلاع أموال الشعب، دون رقابة، وما سجن هشام جنينة ببعيد بعدما كشف فساد السيسي البالغ في عام واحد 600 مليار جنيه، في عام 2016.