رغم مزاعم حكومة الانقلاب بإنفاق 2.5 مليار جنيه، على تطوير المعهد القومي للأورام التابع لمستشفيات قصر العيني، لتقديم أفضل وأسرع خدمة، إلا أن المرضى يصرخون ويستغيثون بسبب الإهمال وعدم وجود خدمات أو علاج، بالإضافة إلى عدم وجود مكان لمن تحتاج حالته الصحية للحجز داخل المعهد .
أمام أبواب معهد الأورام مرضى يفترشون الأرصفة منهم العاجز عن الحركة تماماً، ومنهم من ينام على الأسفلت وبيده «كانولا» يتلقى من خلالها جرعات من المحاليل والأدوية بعدما أجبروه على الخروج من المعهد لعدم وجود مكان، ومرضى ينهش أجسادهم المرض الخبيث، وينتظرون رحمة أي مسئول بالمعهد ليسمح لهم بالدخول لتلقي ولو جرعة واحدة من العلاج.
واذا كان الأطباء يؤكدون أن أعداد المصابين بالمرض اللعين “السرطان ” أكبر من قدرة المعهد، إلا أنهم يعانون من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والعجز في أعداد الأطقم الطبية والتمريض ما يحول دون وجود أي فرصة للمريض للعلاج.
هذه الأوضاع جعلت المرضى يفترشون الشوارع أمام معهد الأورام وبعضهم يصرخ «ارحمنا يا رب.. بنموت من العذاب»، بينما البعض عاجز حتى عن الصراخ من شدة المرض ويكتفي بالأنين.
الواقع الأليم تسبب في تحول المستشفيات العامة سواء معهد الآورام أو غيره إلى ساحات معارك بين المرضى وأهاليهم من ناحية وبين موظفي وممرضي وأطباء المستشفيات من ناحية أخرى.
عذاب الانتظار
معاملة منزوعة الإنسانية من أفراد الأمن الإداري على بوابات دخول المرضى، حيث كانت على الأرض سيدة في بداية الخمسين من العمر، نحيفة الجسد يظهر عليها آثار السرطان وبيدها «كانولا» غير قادرة على التحرك أو التحدث، فقط تئن وتقول «بموت ارحموني مش قادرة دخلوني جوه» لكن لا أحد يجيبها أو يحاول مساعدتها.
إلى جانب هذه السيدة تقف سيدة أخرى جاءت من قريتها للعلاج من سرطان الثدي الذي تعاني منه منذ سنوات، كانت السيدة بصحبة طفلها الذي تتعكز عليه وبيدها دوسيه بلاستيك بداخله الفحوصات الطبية السابقة التي تقدمها لكل طبيب، لكن أرهقها المرض والوقوف على القدمين فوضعت الدوسيه البلاستيك تحت رأسها وافترشت الأرض أمام باب دخول المعهد بجانبها صغيرها، وراحت تبكي مرارة عذاب الانتظار الذي لا ينتهي ابداً.
على بعد خطوات من تلك السيدة، كانت سيدة سبعينية تجلس على مقعد حديدي حملته معها من منزلها لتجلس عليه أمام المعهد انتظارا لدورها في الدخول.
تلك السيدة لا تطيق الجلوس على الكرسي طويلا من شدة الألم، وتضطر إلى ترك الكرسي وتجلس على الأرض حتى يرهقها جلوس الأرض فتطلب ممن حولها مساعدتها للنهوض من على الأرض والجلوس على الكرسي من جديد.
أم وطفلتها
داخل المعهد المشهد أكثر إيلاما تتصدره طفلة لا تتعدى الثلاث سنوات، حافية القدمين نهشها المرض وكانت ملقاة على الأرض في حالة إرهاق شديد بجانبها شنطة سفر، ويهاجمها الذباب المنتشر داخل المعهد .
أحد الواقفين بجوارها قال: إن “والدتها أتت إلى المعهد وهي تحمل على كتفيها الطفلة وعلى ظهرها شنطة السفر، كانت الأم غارقة في عرقها والطفلة فى نوبة من البكاء، وعندما رأت الأم تزاحم المرضى بالمئات والمشاجرات بين المرضى وبين العاملين بالمعهد لتسلم أوراقهم، حاولت تسليم أوراق طفلتها لكنها فشلت وكررت المحاولة عدة مرات وفشلت أيضا فبكت بحرقة وصرخت بصوت عالٍ: «يا رب أنا تعبت خدني وريحني من اللي أنا فيه» ووضعت طفلتها الصغيرة على الأرض وتركتها وبجوارها شنطة السفر، واختفت الأم فيما ظلت الطفلة تبكي حتى أرهقها التعب ودخلت في نوم عميق.
زحام خانق
في غرف انتظار عيادة الأطفال يقف مئات المرضى ويفترش بعضهم الأرض وسط زحام خانق، فيما جلست طفلة مريضة سرطان تصرخ «بابا هاتولي بابا..عاوزه بابا.. أنت فين يا بابا» ومن شدة الزحام لم ينتبه إليها أحد وكان البعض يدوسها بالأقدام.
وبعد فترة من الوقت حضر إليها والدها المغلوب على أمره وجلس على ركبتيه بجانب ابنته، فألقت برأسها على صدره لتشعر ببعض الأمان.
وعلى مشارف عيادة الأشعة العلاجية، يتزاحم المرضى بشكل جنوني لمقابلة الطبيب المعالج، وعلى أعتاب العيادة صندوق قمامة ممتلئ عن آخره ويجلس جانبه مريض ، بينما لا تتوقف المشاجرات بين المرضى وعمال المعهد وسط اتهامهم بالتلاعب في ترتيب أسماء المرضى الحاضرين من الفجر، حتى يتمكنوا من مقابلة الطبيب المعالج.
الإهمال الطبي الذي يشهده المعهد القومى للأورام ، جعله مرتعا للوسطاء ودفع الإتاوات والإكراميات لأفراد الأمن الداخلي للموافقة على زيارة المرضى أو دخول المعهد لإجراء أشعة الأورام.
شوفلك رصيف
من جانبه أكد سيد حامد -52 عاماً مزارع من مدينة بنها ، أحد المرضى الذين يفترشون رضيف معهد الأورام، أنه يحضر للمعهد باستمرار لمقابلة أي طبيب لأمراض الدم، لكن أمن المعهد يمنعه من الدخول ويرفض أيضا أن ينتظر أمام باب المعهد مباشرة ويصرخ في وجهه : روح شوفلك رصيف اقعد عليه لحد ما الدنيا تهدى شوية ونشوف هتدخل ولا لأ؟
وقال «حامد»: يوميا أحضر للمعهد طالبا الدخول لتلقي العلاج وانتظر من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية والنصف ظهراً أمام المعهد في درجة حرارة لا يتحملها بشر، وأتعرض للذل والمهانة، من أفراد الأمن ، وأتحمل كل ذلك على أمل السماح لي بدخول المعهد أو على الأقل ألتقي بطبيب يعالجني لكني فشلت.
نحن أموات
وقال الحاج إبراهيم المغربي من محافظة المنوفية : بعد تجديد المعهد القومي للأورام كنا نعتقد أن المعهد صار صرحا طبيا يساعد في علاج المرضى بشكل متحضر وإنساني، لكن عندما وصلت إليه عشت أسوأ أيام حياتي، مؤكدا أنه ينتظر بالساعات والأيام لمقابلة طبيب أو لإجراء أشعة.
وأضاف: نعاني من إهمال طبي كبير في معهد أورام قصر العيني عكس ما يقال في المؤتمرات الرسمية، مشيرا إلى أن الواقع أسوأ بكثير مما يتم ترويجه عن الخدمات العلاجية التي نبحث عنها .
وتابع المغربي : نحن أموات يفترسنا مرض السرطان تحت رعاية مسئولي المعهد.