تحولت حكومة الانقلاب إلى حكومة جباية ليس لها دور غير “تنظيف جيوب المواطنين”، أما إدارة شؤون البلاد وتحقيق التنمية ورفاهية الشعب، فهذا ما لا تعرفه تلك الحكومة.
المواطنون أصبحوا يواجهون كل يوم زيادة جديدة في أسعار السلع، ورغم أنهم يشتكون، إلا أن حكومة الانقلاب تقوم برفع أسعار الكهرباء، وبالتالي ترتفع أسعار كل السلع والخدمات، فيصرخ الناس من الغلاء، وفي عز صراخهم ترفع أسعار الطاقة فتشتعل الأسعار أكثر وأكثر، ولا تكتفي حكومة الانقلاب بذلك بل تعاود رفع أسعار الوقود مرة واثنتين وثلاثا.
أمام هذا الحال كره المصريون «العيشة واللي عايشينها»!.. بينما تواصل حكومة الانقلاب الجباية، وتتعامل كل هيئة وجهة حكومية مع المواطن وكأنه فريسة مباح أكل لحمه ومصمصة عظامه.
من الكهرباء إلى الغاز مرورًا بالمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات والمرافق الأساسية وغير الأساسية، أصبح جيب المواطن هو الاختيار الأول لسد احتياجات حكومة الانقلاب المالية، في ظل عدم الاهتمام بزيادة الإنتاج وبناء مشروعات ومصانع تدر عوائد على الاقتصاد.
جباية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي أحمد خزيم: منذ نهاية نوفمبر 2016 ومع بداية العلاقة مع صندوق النقد الدولي، أصبحنا أمام سياسة اقتصادية تتحرك من خلال المدرسة الإيرادية أو “الجباية”.
وأضاف خزيم في تصريحات صحفية: هذه السياسة تأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد الكلي سواء من خلال زيادة الديون والفوائد أو عجز في الإنفاق العام وارتفاع الأسعار أو تدني في سعر العملة المحلية وهبوط مستوى الطبقة الوسطى وارتفاع التضخم، مشيرًا إلى أن كل هذه الأمور ناتجة عن هذه السياسة الاقتصادية.
وأوضح أن علاج كل هذه الأزمات يتمثل في الانتقال إلى مدرسة أخرى في الاقتصاد، وهي مدرسة التنمية بالقيمة المضافة، من خلال إضافة قيمة على شيء له قيمة في الأساس لترتفع إيراداته.
وطالب خزيم حكومة الانقلاب بتغيير السياسة الاقتصادية الحالية والتحول إلى سياسة تنمية بمحاورها المختلفة وليست جباية، وأولها الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة أن مصر تمتلك أراضي صحراوية شاسعة، والنسبة الأكبر من المصريين شباب يمكن أن يستفيدوا بهذه الأراضي في تنفيذ مشروعات إنتاجية عديدة، بدلاً من الاضطرار إلى بيع المصانع والأصول لسداد الديون وفوائدها.
وحذر من أنه بدون تغيير السياسات الاقتصادية الحالية، ستظل مصر تدور في دائرة جهنمية تتمثل في الحصول على قروض ثم فوائد لهذه القروض، ثم عجز في الموازنة، ثم انهيار الجنيه، ثم ارتفاع الأسعار والتضخم، وبعدها تضطر حكومة الانقلاب إلى رفع الفائدة مما يؤدي إلى تعثر المشروعات وارتفاع الأسعار، ثم الركود واحتقان الطبقة الوسطى في النهاية.
وأكد خزيم أن هذه الدائرة الجهنمية خلال 8 سنوات فقط أدت إلى ارتفاع الدولار إلى 50 جنيهاً بدلاً من 8 جنيهات، وارتفاع الأسعار بشكل رهيب في المجتمع، متسائلاً ماذا تريد حكومة الانقلاب من دلائل أكثر من ذلك لتتأكد أنها تسير في سياسة خاطئة.
الدعم والأسعار
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس إن المشكلة تتمثل في أن حكومة الانقلاب تتخذ إجراءات اقتصادية كان من الممكن اتخاذها في فترات سابقة عندما كان الوضع الاقتصادي يسمح بذلك، بينما الآن الوضع الاقتصادي لا يسمح بهذه الإجراءات التي تزيد الأعباء على المواطن بشكل كبير.
وأوضح النحاس في تصريحات صحفية، أنه نتيجة التراكمات التي حدثت في مجالات عديدة طوال العقود الماضية، تلجأ حكومة الانقلاب إلى اتخاذ هذه الإجراءات، لأنها عندما تتناقش مع أي جهة دولية كصندوق النقد الدولي مثلاً، فإن أول مطلب لهذه الجهة يكون رفع الدعم.
وأكد أن حكومة الانقلاب ليس أمامها الآن طرق أو حلول أخرى غير رفع الدعم والأسعار على المواطنين، رغم أن الأوضاع الجيوسياسية الحالية والأزمات العالمية تتطلب من أي حكومة زيادة الدعم للمواطن، لأن دور أي دولة أثناء الأزمات هو دعم المواطن وليس التخلي عنه، وهذه هي المعادلة الصعبة التي نواجهها الآن.
وأشار النحاس إلى أنه لا أحد يعلم من الطرف الذي سيتحمل أكثر من الآخر وإلى متى، هل يستطيع المواطن تحمل زيادة الأسعار والتكاليف المرتفعة، أم تستطيع حكومة الانقلاب تحمل دعم المواطن وهي لا تجد موارد لهذا الدعم من الأساس، موضحًا أن المشكلة تكمن في اتخاذ قرار اقتصادي في توقيت غير مناسب.
وشدد على أن زيادة الإنتاج تعد أحد الحلول الهامة لإنقاذ مصر من الأزمات الاقتصادية، لكن هذه الزيادة تحتاج إلى أموال ضخمة قدَّرها البعض بأنها تصل إلى 40 مليار دولار من أجل إعادة تشغيل المصانع وعودتها إلى أوضاع ما قبل 2022 وحجم الإنتاج الذي كانت عليه، في الوقت الذي تعاني فيه حكومة الانقلاب من سداد الديون والفوائد والالتزامات، فكيف توفر هذه الموارد من أجل زيادة الإنتاج؟
واستطرد النحاس: المشكلة الأكبر تتمثل في أن حكومة الانقلاب لا تستطيع إخراج مصر من أزمتها الاقتصادية، لأن فكرها وأداءها فكرا موظفين ولا تريد العمل بحلول خارج الصندوق أو الإبداع والابتكار، موضحًا أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى مشكلة وخطأ ارتكبته حكومة الانقلاب، وهو مطالبتها لكل وزارة وهيئة بتدبير مواردها بنفسها، ما جعل كل هيئة أو وزارة تتعامل مع المواطن لتحصيل أكبر قدر من الأموال حتى تدبر مواردها.
ولذلك بدأنا نشاهد إجراءات غير معتادة من وزارة كهرباء الانقلاب، مثلاً، بتركيب العدادات الكودية لمن يتخلف عن سداد الفواتير شهراً أو اثنين، بعدما كانت لا تتجه إلى هذا الأمر في الماضي، فضلاً عن رفع العدادات عن عدد كبير من المواطنين لأسباب متعددة، وهكذا مع باقي الجهات سواء المياه أو الغاز وغيرهما.
وحذر من أن الاقتصاد المصري يتجه إلى أزمة عنيفة، وحكومة الانقلاب الحالية لا تحاول حل المشاكل، بل تقوم بترحيل الأزمة إلى من سيأتي بعدها.