انهيار المنظومة التعليمية فى زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبد الفتاح السيسي لا يقتصر على المدارس والجامعات فقط بل امتد لدور الحضانة التى من المفترض أن تتوافر فيها الشروط التربوية والصحية والتجهيزات التى تتلائم مع الأطفال الصغار والذين يتم اعدادهم ذهنيًا وبدنيًا وتربويًا للالتحاق بالمراحل التعليمية التالية.
لكن الواقع يكشف أن دور الحضانة والتى تفتقد للرقابة من وزارة تضامن الانقلاب أصبحت مرتعاً لكل الموبقات بدءاً من ضرب الأطفال والتعامل معهم بقسوة، وانتهاء باستغلال الأسر حيث ارتفعت أسعارها بشكلٍ مبالغ فيه بما يفوق قدرات المصريين، والأكثر من ذلك أن عدوى «السبلايز» انتقلت من المدارس إلى الحضانات لتزيد من الأعباء المفروضة على الأسر.
يشار إلى أن اشتراك الحضانات يتراوح بين 2000 جنيه ويصل إلى 10 آلاف جنيه فى بعض المناطق، ومع ذلك يتعرض الأطفال فيها للكثير من الانتهاكات.
مصروفات الحضانات
فى هذا السياق كشفت داليا الحزاوى مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، أن بعض الحضانات انتهجت نفس سياسة المدارس الخاصة ورفعت أسعار الالتحاق بها مستغلة حاجة أولياء الأمور خاصة المرأة العاملة.
وقالت « داليا الحزاوى» فى تصريحات صحفية: نتيجة لهذا الارتفاع الرهيب فى مصروفات الحضانات، يلجأ ولى الأمر إلى الحضانات المنزلية غير المرخصة، التى تقدم الخدمة بأسعار معقولة، بالرغم من معرفته بعدم قانونية هذه الحضانات، وإدراكه أن هناك نوعاً من الخطورة لعدم وجود اشتراطات أمان كافية فى المكان.
وطالبت حكومة الانقلاب بتوفير حضانات حكومية بشكل موسع بمصاريف رمزية مثل المدارس لافتة الى أن المرأة العاملة عضو منتج وفعال فى المجتمع ولابد أن نساعدها.
قوانين لا تنفذ
وقالت الدكتورة إلهام المهدى، المحامية، إن المرأة العاملة وحقوق المرأة، صدرت لها قوانين امتدت لأطفالها أيضاً، لكن هذه القوانين لا يتم تطبيقها على أرض الواقع بسبب عدم تشديد العقوبات بها.
وأضافت إلهام المهدى فى تصريحات صحفية أن المادة ٩٦ من قانون العمل تلزم صاحب العمل الذى يستخدم مائة عاملة فأكثر فى مكان واحد أن ينشئ داراً للحضانة أو يعهد إلى دار حضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التى تحدد بقرار من الوزير المختص مشيرة الى أن (المادة 73) من قانون الطفل نصت على نفس الشىء، أما إذا كانت المنشأة تستخدم أقل من مائة عاملة، فتلتزم بالاتفاق مع المنشآت المجاورة لها على توفير خدمات الحضانة لأطفال العاملات، إما بالاشتراك فى إنشاء دار حضانة واحدة، أو أن تعهد إلى دار حضانة قائمة برعاية أطفال العاملات لديها.
وأشارت الى أن القرار الوزارى حدد شروط المكان الذى تقام فيه دار الحضانة ومواصفات الدار ذاتها من حيث الموقع والمبنى والسعة والمرافق والتجهيزات والاشتراطات الصحية، كما حدد الاشتراك الشهرى الذى تدفعه العاملة للانتفاع بخدمات دار الحضانة وتتراوح بين 4% و5% من أجر العاملة عن طفلين، مع تحمل صاحب العمل باقى النفقات، وإذا زاد عدد الأطفال عن اثنين تتحمل العاملة تكاليف الإيواء الفعلية عن العدد الزائد.
وتابعت إلهام المهدى: (المادة 74) من قانون الطفل تقرر عقوبة الغرامة التى لا تقل عن مائة جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه لكل من يخالف الأحكام الخاصة برعاية الأم العاملة، وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت فى شأنهم المخالفة، وفى حالة العود تزداد العقوبة بمقدار المثل ولا يجوز وقف تنفيذها.
وأكدت أنه رغم الحماية التى تقررها القوانين للمرأة العاملة، إلا أن الواقع العملى يشير إلى أنها لا تزال تعانى بشدة، بالمخالفة لكل الشرائع والقوانين والاتفاقيات الدولية التى تقر حقوق المرأة والتى صدقت عليها مصر فصارت جزءاً من نظامها القانونى، ومن أوجه هذه المعاناة أزمة اختيار دار الحضانة من حيث الكفاءة والنظافة والأمان وقرب المكان، ناهيك عن الأسعار الباهظة.
وطالبت إلهام المهدى بضرورة تغليظ العقوبات المقررة فى حال عدم الالتزام بتنفيذ نصوص القانون، وأن يكون هناك تفتيش دورى لبيان مدى التزام المؤسسات بتطبيق القوانين.
ملامح الشخصية
وقال الخبير التربوى الدكتور مصطفى كامل، ان الحضانة مرحلة مهمة فى تحديد ملامح شخصية الطفل، باعتبارها وسيلته للاختلاط بالآخرين، فينشأ شخصاً اجتماعياً، وتبعد عنه شبح الانطواء والعزلة، وتكسبه سلوكيات جيدة وتساعد الأسرة فى تربيته وتنشئته بطريقة سليمة، وتفيد الطفل بالتعرف على العالم الخارجى الذى يحيط به والتعامل معه، وبذلك ينشأ معتمداً على نفسه قادراً على القيام بكثير من الأمور بمفرده، كما يتعلم فيها احترام حقوق الآخرين.
وكشف كامل فى تصريحات صحفية أن قرار مجلس الوزراء رقم 86 لسنة 2005 حدد فى المادة 16 المواصفات الواجب توافرها فى دور الحضانة وهى:
أن يكون مبنى الدار صحياً تتوافر فيه الإضاءة والتهوية المناسبة، وأن يوجد بها فناء واسع وآمن للعب الأطفال، ويلزم تزويده بالألعاب والمظلات، وأن تتوافر مساحة بمعدل 2.2م2 للطفل الواحد، وأن يكون المبنى مجهزاً بوسائل التبريد والتدفئة، وأن تتوافر فى المبنى شروط الأمان والسلامة العامة وأن يكون المبنى فى طابق أرضى أو الطابق الأول من البناية حيث يسهل الوصول إليه، وأن يكون الأثاث جديداً وخالياً من الزوايا والحواف الحادة، مع تجهيز ألعاب تساعد على النمو العقلى والنفسى والجسمى والاجتماعى للطفل، كما يجب أن تتوافر بدار الحضانة حقيبة إسعاف أولى، وأن تزود دورات المياه بمراحيض تتناسب مع عدد الأطفال، مع توفير أحواض لغسل اليدين على ارتفاع معقول، وتوفير مياه صالحة للشرب، مع توفير مكان مناسب لتغيير الحفاضات ومراحيض خاصة للمعاقين، وأدوات الإطفاء، ومستلزمات النظافة والتعقيم، وتوفير وسائل الحماية للطفل من الإيذاء أو الحوادث داخل الحضانة.
بير السلم
وأشار إلى أن هناك ما يسمى بحضانات بير السلم، حيث يقوم عدد من الأشخاص بتخصيص شقة فى عمارة سكنية دون الحصول على التراخيص اللازمة، ثم يتولون تدريب وتعليم الأطفال، وهم غير مؤهلين للتعامل مع الأطفال فى هذا العمر الصغير.
وطالب كامل المسئولين بضرورة إعادة النظر فى الحضانات غير المرخصة والعمل على تفعيل القانون لضمان سلامة الأطفال وحمايتهم من أى خطر محتمل، مؤكدًا ان معظم العاملين فى الحضانات غير مؤهلين لتعليم الأطفال، ما يؤثر سلباً على سلوكهم الاجتماعى والنفسى ومستواهم فى المراحل التعليمية.
وحذر من أن مثل هذه الحضانات يمكن أن تكون عائقاً وعنصرهدم لشخصية الطفل بدلاً من أن تكون مكاناً للتأهيل والتدريب، مشددا على ضرورة ألا تقتصر الرقابة على الحضانات على معرفة برامج التدريس، ولكن يجب أن تشمل شروط المبنى إنشائياً، والشروط الصحية للحفاظ على صحة الأطفال.