بعد عقد من الفشل التام وعدم القدرة على التوصل إلى اتفاق بين السيسي والنظام الإثيوبي حول تشغيل سد النهضة أو طريقة وآليات الملء النهائي، باتت مصر محاصرة بين خطر الجفاف والتصحر وندرة المياه، وخطر انهيار السد، على خلفية التسريب المستمر خلف السد وفي سد السرج الملاصق للسد الكبير، وتلاشي أكثر من نصف أراضي مصر وانهيار الزراعة تمامًا في مصر، أو في الحد الأدنى من المخاطر، بالتوسع في تحلية مياه البحر والصرف الصحي، ومن ثم انتشار الأمراض والأوبئة بين الشعب المصري، وإهدار مليارات الدولارات على الصحة أو التحلية والتنقية.
وبعد مماطلة إثيوبية امتدت لعشر سنوات، رفض آبي أحمد الخضوع للمطالبات المصرية بإطلاع مصر على تطورات عملية الملء والتشغيل لسد النهضة، وسط تراجع حصة مصر من المياه بنحو 30 مليار متر مكعب، حاول خلالها السيسي خداع الشعب المصري عبر وسائل إعلام لا تجيد سوى التطبيل للديكتاتور الفاشل. فخرج في العام 2015 ليبشر المصريين عبر عناوين صحفية: “خلاص السيسي حلها”، ثم مع تصاعد الأفق المظلم لأزمة المياه طالب المصريين بـ”بطلوا هري”!
وقبل أيام، خرج وزير الري بحكومة السيسي ليقول خلال لقائه وزراء المياه العرب بالأردن: إن بناء سد النهضة بهذا الشكل وملئه بصورة منفردة يخالف القانون الدولي، وهو التصريح الذي يحمل السيسي ونظامه مسؤولية التفريط في حقوق مصر المائية، ويدين السيسي الذي وقع على اتفاق المبادئ مع إثيوبيا، ما مكنها من إتمام مشروع السد بنسبة 100%.
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يستطيع السيسي اتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاقية، التي قد يتعاطى معها المجتمع الدولي ويحقق جزءًا من مطالب مصر.
اللعب مع أوغندا في الوقت الضائع
ومن فشل إلى فشل، يأتي تحرك النظام الانقلابي مع أوغندا في الوقت الضائع، إذ تسعى مصر بخطوات دبلوماسية لتعزيز مصالحها المائية في حوض النيل مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز النفاذ، وما يترتب عليها من تحديات تهدد الأمن المائي للبلاد، بما في ذلك مع أوغندا.
ويأتي ذلك بعد أن اتفاقية عنتيبي، المعروفة رسميًا باسم “الاتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل”، تم توقيعها عام 2010 في مدينة عنتيبي الأوغندية من قبل عدد من دول حوض النيل.
وتهدف الاتفاقية إلى إعادة تنظيم الاستفادة من مياه النيل بين دول الحوض، مع التركيز على “تحقيق العدالة والتنمية المستدامة”، ومع ذلك، أثارت اتفاقية عنتيبي جدلًا واسعًا نظرًا لتعارضها مع الاتفاقيات التاريخية التي تكفل لمصر والسودان الحصة الأكبر من مياه النيل. وتشمل الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا وبوروندي وجنوب السودان (وقعت وصادقت عليها لاحقًا في العام 2023).
وتُعد هذه الدول ضمن ما يُعرف بدول المنبع، التي تسعى لتعديل بنود الاتفاقيات السابقة لصالحها، بينما لم توقع كل من مصر والسودان، باعتبارهما دولتي المصب، على الاتفاقية.
إهدار الحقوق التاريخية لمصر
وأبرز بنود اتفاقية عنتيبي هي إلغاء الحصص التاريخية المحددة في اتفاقيتي 1929 و1959، اللتين تمنحان مصر والسودان 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا على التوالي، وإقرار مبدأ “الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل”، وإعطاء الأولوية لمشروعات التنمية المائية في دول المنبع، مثل توليد الطاقة والزراعة، دون الالتزام بموافقة مسبقة من دول المصب. ورغم توقيع اتفاقية عنتيبي في العام 2010، فقد تأخر دخولها حيز التطبيق لأكثر من عقد بسبب عدم مصادقة عدد كافٍ من الدول عليها، حيث يتطلب تفعيلها مصادقة غالبية دول الحوض. ومع انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية في يوليو 2023، تم استيفاء العدد اللازم، ما أتاح للاتفاقية أن تدخل حيز النفاذ رسميًا.
جهود بلا مردود
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت القاهرة توقيع وزير الخارجية والهجرة بدر عبد العاطي، ونظيره الأوغندي هنري أوكيلو، على إعلان مشترك يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي والدولي. وأكد الإعلان على أهمية تعزيز المشاورات المنتظمة بين البلدين وتوسيع التعاون في مجالات بناء السلام ومكافحة الإرهاب وإدارة الموارد المائية. واتفق الطرفان على التشاور بشأن قضايا مياه النيل، بما يضمن تحقيق المنفعة المتبادلة والتعاون المستدام وفقًا للقانون الدولي وأفضل الممارسات.
عجز مائي
وتأتي هذه المساعي في وقت تواجه فيه مصر تحديات متزايدة بسبب الموقف الإثيوبي المتصلب تجاه سد النهضة، وهو ما يدفع القاهرة إلى توثيق تعاونها مع دول الحوض، خاصة تلك التي لم تصادق بعد على اتفاقية عنتيبي.
وتأتي التحركات المصرية في وقت ضائع وفق تقديرات الخبراء الاستراتيجيين، إذ باتت إثيوبيا هي من تعطي وتمنع عن مصر الحصص المائية بكل حرية، مستندة إلى اتفاقية المبادئ التي وقعها السيسي قبل عقد من الزمن، ولم يتحرك بشكل فاعل وقوي لوقفها.
وهو الأمر الذي سيدفع المصريين ثمنه من حصتهم المائية وتدني إنتاجهم الزراعي وتصحر أراضيهم.