معاناة المصريين مع نظام السيسي العسكري الانقلابي لا تتوقف منذ عقد من الزمن، رغم محاولات النظام لتجميل وجهه القبيح، في ظل أزمات معيشية لا تتوقف، وتطال الجميع، وهو بعض ما رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، في 35 ملحوظة على وضع حقوق الإنسان في مصر، ضمن تقريرها المقدم إلى الأمم المتحدة، بمناسبة المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، استعدادًا لاستعراض الملف في يناير المقبل، في إطار المراجعة الدورية الشاملة UPR التي تتم كل 4 سنوات.
وتضمن تقرير المبادرة، المنشور على موقعها ، استعراضًا للانتهاكات التي شهدتها مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، مع التركيز على فترة المراجعة، وهي السنوات الأربع من 2019 حتى 2023، وذلك من خلال التطورات في ملفات الحريات المدنية، والعدالة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق النساء.
تضييق وقمع
وفي ملف الحريات المدنية، أشار التقرير إلى استمرار نهج الحكومة في تقييد قدرة المواطنين على المشاركة وحصر عملية صنع القرار السياسي في دائرة ضيقة موثوق بها، لا تخضع للرقابة أو المساءلة، بالإضافة إلى انتهاك الضمانات الدستورية لحرية التعبير والمعلومات والتجمع السلمي والتجمع والمشاركة السياسية، عبر سن التشريعات المقيدة والحرمان من الحقوق الأساسية في اتخاذ الإجراءات القانونية والتقاضي، ما أدى إلى القضاء على الفضاء العام بشكل شبه كامل خلال العقد المنتهي.
حجب المواقع
وأشار التقرير إلى استمرار حجب أكثر من 600 موقع إلكتروني بشكل تعسفي من دون اتباع الإجراءات التي نص عليها قانون تنظيم الإعلام.
وكانت شركة ساندفين، المتهمة بتوفير تكنولوجيتها لحجب المواقع لأنظمة حكم قمعية، أعلنت في أكتوبر الماضي فض شراكتها مع الحكومة المصرية و31 دولة أخرى.
الباب الدوار للمعتقلين
وتطرق التقرير إلى أن القبض على العديد من النشطاء خلال السنوات الماضية، على نحو فاق العدد المفرج عنهم بعد تنشيط لجنة العفو الرئاسي في عام 2022، مشيرًا إلى عدم وجود معايير واضحة ومعلنة لعمل هذه اللجنة.
ولفت إلى أنه خلال العقد الماضي بات من المعتاد أن معارضين سياسيين، وصحفيين، وعمالًا نقابيين، وطلابًا ونشطاء، ومحامين، وحتى مستخدمين عاديين للسوشيال ميديا، يتعرضون للاستدعاء غير القانوني أو الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري والتعذيب في كثير من الأحيان، على يد قطاع الأمن الوطني.
وألقت قوات الأمن الشهور الماضية القبض على العديد من السياسيين مثل، ياسر أبو العلا وسيد صابر و رسام الكاريكاتير أشرف عمر، وأعلنت الحركة المدنية اختطاف القيادي البارز فيها يحيى حسين عبد الهادي، وهو في طريقه لحضور ندوة بحزب تيار الأمل “تحت التأسيس”، بينما أُلقي القبض على الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق من منزله في 20 أكتوبر الماضي.
الحبس الاحتياطي
وفي ملف العدالة أشارت المبادرة إلى طول مدد الحبس الاحتياطي كعقاب أو ردع للمعارضة، وتدوير المفرج عنهم في قضايا أخرى، لافتة إلى سوء الأوضاع في السجون، وأن افتتاح سجون جديدة مثل مجمع بدر لم يحسن من ظروف احتجاز السجناء، وأن بعضهم اشتكى من انتهاك خصوصيتهم عبر مراقبتهم في زنازينهم بالكاميرات على مدار الساعة، إلى جانب تعريضهم للإضاءة القوية على مدار اليوم مما يحرمهم النوم.
وأشار التقرير إلى استمرار لجوء مصر إلى عقوبة الإعدام بـ”معدلات مفرطة”، مشيرة إلى أنها تحتل مركزًا متقدمًا بين أكثر دول العالم إصدارًا لعقوبة الإعدام وتنفيذها على مدار السنوات العشر المنقضية.
وذكرت المبادرة أنه في عام 2021 جاءت مصر في المرتبة الأولى عالميًا في إصدار أحكام الإعدام، والثالثة في تنفيذها، وفقًا لمنظمة العفو الدولية، وأنه في شهر واحد، أكتوبر 2020، سجل أعلى رقم من الإعدامات في تاريخ مصر الحديث، بإعدام 53 شخصًا على الأقل، وأنه بين عامي 2019 و2023 أصدرت محاكم الجنايات أحكامًا بالموت ضد 1890 شخصًا في 1091 قضية، وفقًا لرصد المبادرة.
الفقر للجميع
وعن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أشار التقرير إلى وقوع 3 من بين كل 10 مصريين تحت خط الفقر، بينما وقف ربع المصريين على حافته وذلك وفقًا لأحداث الإحصاءات الرسمية المصرية المنشورة حتى عام 2019، ولفت التقرير إلى أنه بحساب الموجات التضخمية المتتالية التي شهدتها مصر في العامين الأخيرين، إضافة إلى خفض سعر العملة المحلية وزيادة أسعار الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والطاقة عدة مرات، من المتوقع سقوط 4 من كل 10 مصريين تحت خط الفقر على الأقل، وبات ثلثا العاملين بأجر في القطاع الخاص تحت خط الفقر بالفعل.
وذكر التقرير أن تقديرات البنك الدولى تشير إلى أن أكثر من 70% من المصريين ينفقون أقل من 6.85 دولار يوميًا وفقًا لمقياس معادل القوة الشرائية، ويساوي هذا المبلغ 42 جنيهًا في اليوم، وهو أقل من خط الفقر الوطني المعدل حسب التضخم في عام 2024 ليصبح 58 جنيهًا مصريًا في اليوم.
ولفت إلى ارتفاع الدين الخارجي بنسبة 75% على مدار السنوات الماضية الخمس ليصل إلى 168 دولارًا وليصل إجمالي الديون المضمونة من الدولة إلى حوالي 158% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى استهلاك أقساط الديون وفوائدها 86% من الإنفاق العام مزاحمة بذلك الإنفاق الاجتماعي، وهو ما يتسبب بدوره في إفقار ملايين إضافية من المواطنين.
وأشار التقرير إلى تسارع إجراءات الدولة في تسليع الصحة والتعليم من خلال الخصخصة وتحويل المنشآت المقدمة للخدمات العامة من خلال الخصخصة إلى جهات ربحية انخفض الإنفاق العام على الصحة والتعليم إلى أدنى مستوياته ليصل إلى 1.2% من الناتج القومي للصحة و1.7% للتعليم، وهي نسب تمثل نحو نصف المخصصات المنصوص عليها في دستور 2014، لافتًا إلى أن المصريين ينفقون ما يقرب من 70% من إجمالي الإنفاق على الصحة من جيوبهم.
وأشار التقرير إلى أن القوانين المستحدثة أضعفت من مستوى الشفافية والتنافسية في عقود الحكومة، بالموازاة مع توسع الشراكات مع القطاع الخاص، كما زاد البنك المركزي المصري من اقتراضه الخارجي، حيث وصلت قروض البنك المركزي إلى 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي ولا تخضع هذه القروض إلى الرقابة ولا تنتظر الموافقة البرلمانية، حسب المبادرة.
يشار إلى أن الاستعراض الدوري الشامل UPR هو آلية تتبعها الأمم المتحدة من خلال مجلس حقوق الإنسان منذ 2007، لمتابعة الوضع الحقوقي في الدول الأعضاء.