استحوذ صندوق أبوظبي السيادي على حصص في شركات مصرية كبرى، مثل البنك التجاري الدولي وأبو قير للأسمدة، وحققت الشركات أرباحًا ضخمة تجاوزت 890 مليون دولار في أقل من ثلاث سنوات، إلا أن بيعها يثير تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد، وهو ما حقق صفقات تجاوزت 1.8 مليار دولار.
تفاصيل الاستحواذ جاءت كالتالي: “البنك التجاري الدولي: بيع 17.15% من أسهمه بقيمة 911.5 مليون دولار، شركة أبو قير للأسمدة: بيع حصة بنك الاستثمار القومي بالكامل بنسبة 21.5% بقيمة 391.9 مليون دولار، وعن شركة موبكو: فتم بيع 20% من حصة الدولة بقيمة 266.6 مليون دولار، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات: تم بيع حصة 32% بقيمة 186.1 مليون دولار، أما شركة فوري: باعت الحكومة حصة 11.8% بقيمة 54.9 مليون دولار.”
الصحفي عمر الفطايري قال: إن “نقل أصول الدولة لـ”الصندوق السيادي” حرمان الموازنة من الإيرادات لصالح “عاصمة السيسي”.
وأضاف أنه “بدلا من بيع الأصول الاقتصادية، في حال قدرت الدراسات الاقتصادية أن بيعها أفضل وأكثر فائدة للاقتصاد المصري، وإيداع مبالغ البيع في الميزانية العامة للدولة، كما كان يجري في زمن مبارك، بوضع الخصخصة ضمن ميزانية الدولة، يقلب السيسي القواعد الاقتصادية لصالح أهوائه وأمزجة المحيطين به، ويحرم ميزانية الدولة من تلك العوائد، ويحولها إلى تبعية الصندوق السيادي الذي لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة.”.
وتابع عبر @OElfatairy، “ولكي يطلق يده في أموال مصر يتصرف فيها كيفما يشاء، دون التقيد بأية معايير اقتصادية، كما قال هو سابقا، عن دراسات الجدوى، التي يراها تعطل الإنجازات الكارثية التي تسببت في خسائر فادحة للاقتصاد المصري.”.
ومنذ بداية عام 2022، بدأت مصر تتلمس أولى خطواتها في نفق أزمة اقتصادية عاتية، إذ زاد الصراع الداخلي والخارجي وتفاقم الوضع المالي مع تدهور قيمة الجنيه وانحسار الاستثمار الأجنبي، وتكشّف واقعٌ مرير قوامه الحاجة الملحة للعملة الصعبة، والعجز الواضح أمام التزامات الديون المتزايدة، وبينما كانت الحكومة تسعى جاهدة لتأمين الاحتياجات الأساسية، باتت الآمال تتلاشى تدريجيًا أمام انهيار اقتصادي مرتقب أخذ يُحكم قبضته على قطاعات حيوية كالسياحة والتجارة والتمويل.
واستغل صندوق أبوظبي السيادي (أيه دي كيو) الفرصة لتوسيع نفوذه الاستثماري في السوق المصري عبر استحواذه على حصص حيوية في خمس شركات رائدة بالسوق المصرية. هذه الخطوة لم تكن مجرد استثمار، بل إتقان فن استغلال الأزمات وشكليًا كجزء من استراتيجية مُحكمة لدعم الاقتصاد المصري المتعثر، فيما يواجه ضغوطًا متزايدة، نتيجة الارتفاعات القياسية في أسعار الغذاء والطاقة على خلفية الإخفاق الاقتصادي الداخلي والحروب التي تشهدها المنطقة.
“برنامج الطروحات”
كان المفترض أن يُطرح 40 شركة من الشركات الحكومية والتابعة للقطاع العام، إلى جانب شركتين أو ثلاثٍ من الشركات المملوكة للجهات السيادية، في البورصة المصرية، لكن أجواء السوق لم تكن ملائمة لتغطية الاكتتاب الذي كانت تسعى إليه الحكومة، ومن هنا، وُلدت فكرة بيع حصص بشكل مباشر إلى مستثمرين عرب، على رأسهم مستثمرون من دولة الإمارات، في خطوة بدت أشبه بصفقة مزدوجة بيعٌ لجذب العملة الصعبة وترسيخ لصورة مصر كاقتصاد مفتوح.
البنك التجاري، وشركة أبو قير للأسمدة، والإسكندرية للحاويات، شركات ليست خاسرة ينقذها الدعم الأجنبي الإماراتي وكان من المنطقي أن تتطلع الحكومة إلى تنمية هذه الشركات والاستفادة من عوائدها، بحسب الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبد المطلب، مشيرا إلى أن الخيار الأقرب كان بيع الحصص بشكل مباشر لشركة أبوظبي القابضة، دون اللجوء إلى الاكتتاب العام، في ظل الحاجة الملحة إلى السيولة النقدية، لقد عجزت الدولة عن تبني حلول أخرى، كانت في الواقع، أقرب إلى جوهر التنمية المستدامة كإعادة هيكلة الشركات، وضخ استثمارات جديدة، أو رفع مستوى التكنولوجيا فيها، مما كان سيعزز إنتاجيتها ويسهم في دفع عجلة الناتج المحلي الإجمالي.
وهناك الرغبة الملحة للدولة في الحصول على احتياطي نقدي كبير، فإنها لم تأتِ محض مصادفة، بل كانت جزءًا من خطة طويلة الأمد للمفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي، مع العلم أن شروط الصندوق لا تخفى على أحد، وكأن الدولة كانت تسبق الصندوق بخطوة عبر تنفيذ هذه الاشتراطات تدريجيًا، قبل اللجوء إليه للحصول على القروض.
وأضاف “عبد المطلب”، هل كانت استفادة الدولة غايتها الاستثمار الفعلي، أم أن الأمر يقتصر على سد عجز الديون؟ في الواقع، يبقى رأس المال الأجنبي دوماً باحثاً عن الأرباح، ولا يضع أمواله في شركات خاسرة، وعلى عكس بداية الخصخصة في التسعينات، حينما كان رأس المال يسعى إلى فرصٍ جديدة في مصر، متطلّعًا لـ تحويل الشركات الخاسرة إلى كيانات رابحة، فإن الوضع اختلف الآن. فالإمارات، مثلاً، قد فتحت أبوابها للاستثمارات، ما يدفعها، في حال سعت للاستثمار خارج أراضيها، إلى البحث عن الشركات الرابحة ذات العوائد المضمونة.
وسلطت السلطة مسارًا يُمَكّنها من القول إنها تمضي في طريق الاقتصاد الحر، وتبحث عن جلب العملة الصعبة لسد العجز في ميزان المدفوعات، إلا أن برنامج الطروحات الذي طُبِّق لم يُكتب له النجاح؛ مصر وجدت نفسها في نهاية المطاف أمام خيارٍ واحد: البيع المباشر كطريق سهل، بديلاً عن التنمية.
وأوضح أن الدولة باتت مصممة على الحصول على العملة الصعبة بأي وسيلة كانت، ما جعل من الأصول المصرية وجهة استثمارية جاذبة، وبات هناك استعداد لدفع مبالغ ضخمة للاستثمار فيها، ولعلنا رأينا ما دُفع بالفعل في رأس الحكمة؛ إنه مشهد يُظهر رغبة عارمة لجذب رأس المال العربي، ورسم مشهد اقتصادي يبدو في ظاهره كطريق لتحقيق المكاسب، بينما يكمن جوهره في سعي الحكومة المحموم لتدبير احتياطي من العملة الصعبة بأي ثمن.