في ظل الارتفاعات اليومية في أسعار الدولار وتراجع الجنيه المصري أمام كل العملات الأجنبية والعربية، بسبب فشل وفساد وانحطاط عصابه الانقلاب التي اغتصبت حكم البلاد، يتواجه المصريون مع ارتفاعات إجبارية في أسعار السلع والخدمات، سواء أكانت مستوردة أم محلية الصنع، بفعل زيادة تكاليف التصنيع والنقل والتوزيع، علاوة على ارتفاعات أسعار المواد الخام.
وأمس، تفاجأ قطاع الاستيراد والتصدير والتجار، بقرار جديد من شركة الإسكندرية للشحن والتفريغ عن زيادة بنسبة 60% في أسعار خدمات الشحن، وذلك اعتبارًا من يناير المقبل.
ووفق خبراء، تأتي هذه الزيادة في ظل تحديات عدة تواجه قطاع الشحن والتفريغ، بما في ذلك ارتفاع تكاليف التشغيل والظروف الاقتصادية العالمية، وهو ما ينعكس سلبًا على حياة المصريين، الذين يواجهون الغلاء وارتفاع الأسعار بصورة جنونية خلال السنوات الأخيرة.
وكانت شركات الشحن والتفريغ العاملة في مصر شهدت زيادات مماثلة في الفترة الأخيرة، حيث قامت بعض الشركات بزيادة أسعارها بنسبة تصل إلى 30% بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر.
وكذلك، سبق أن طبقت شركات النقل البري زيادات تدريجية تبدأ من 30% إلى 50%، مع الاتفاق المبدئي على زيادة النولون بنسبة 40%، مع الأخذ في الاعتبار سعر السولار الحالي.
فيما أعرب عدد من التجار والمستوردين عن قلقهم من تأثير هذه الزيادة على حركة الاستيراد والتصدير، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
ويؤدي ارتفاع تكاليف الشحن إلى زيادة أسعار السلع في الأسواق المحلية، مما يثقل كاهل المستهلكين الذين يدفعون فاتورة كل الزيادات من جيوبهم بلا دعم من أحد. حيث تنصب فوق رؤوسهم الضرائب والرسوم من كل شكل ولون، وبلا أي مراعاة للظروف والمستويات الاقتصادية المتردية التي يحياها المواطنون في ظل حكم العسكر.
حالة من عدم اليقين الاقتصادي
فيما تسيطر حالة من عدم اليقين على استقرار الاقتصاد المصري ونموه خلال العام المقبل بعد أن شهد تقلبات عديدة هذا العام ظهرت آثارها واضحة في فقدان الجنيه المصري أكثر من 60% من قيمته، وصولًا إلى حالة شبه الاستقرار في أسعار الصرف منذ توقيع صفقة بيع منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، وسط توقعات بزيادة معدلات التضخم وقد تتجاوز 20% ووصل سعر الدولار إلى 60 جنيهًا.
وانخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار مجددًا خلال شهر ديسمبر 2024، ليقفز فوق الـ51 جنيهًا خلال تعاملات البنوك لأول مرة في تاريخه، على الرغم من توصل الحكومة المصرية لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
كما أن التوترات الجيوستراتيجية بالمنطقة تركت تأثيراتها على معدلات النمو، مع فقدان الجزء الأكبر من العوائد السنوية لقناة السويس جراء الأوضاع المتوترة في منطقة البحر الأحمر.
ومع استمرار التوترات بالمنطقة ومخاوف من ارتداداتها على مصر، خفضت مؤسسة “فيتش سوليوشنز” توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الجاري الذي ينتهي في يونيو 2025، من 4.2% إلى 3.7% بسبب الأداء الضعيف في الربع الرابع من السنة المالية 2023/2024 والتراجع المستمر لإيرادات قناة السويس.
وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الربع المالي الأخير من العام الجاري إلى 2.4%، وهو أقل بكثير من التقديرات الحكومية الأولية التي بلغت 4%. ومع ذلك، تتوقع أن يبقى تعافي الصادرات غير النفطية والاستثمار داعمًا للنمو بمعدل أعلى من المسجل في السنة المالية 2023/2024.
وكان البنك الدولي أعلن تثبيت توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال الأعوام 2024 و2025 و2026 عند 2.8% و4.2% و4.6% على التوالي.
ووفق مصادر اقتصادية، فإنه في حال بقي الجنيه عند حدود بين 51 إلى 53 جنيهًا مقابل الدولار، فإن مسار التضخم سوف يأخذ منحنى هبوطيًا مع توقعات إرجاء قرارات رفع الدعم عن الخدمات الرئيسية إلى النصف الثاني من العام المقبل مع مخاوف من الارتدادات السياسية للتطورات الأخيرة في سوريا، ومع تنامي الرفض الشعبي لأي زيادة جديدة في أسعار الخدمات.
وتشير التوقعات إلى أن التضخم سيظل عند معدل 20% زيادة أو انخفاضًا بقدر قليل، ويُعد ذلك مسارًا هبوطيًا مع وصوله الآن إلى 25%، وسيكون هذا التراجع مصحوبًا بتراجع معدلات التضخم عالميًا مع احتدام حدة الصراع في بؤر مشتعلة حاليًا حول العالم.
وتوقعت “فيتش سوليوشنز” في وقت سابق أن يخفض البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 12% خلال العام المقبل، ليصل سعر الفائدة إلى 15.25% للإيداع و16.25% للإقراض من 27.25% و28.25% على التوالي حالياً وسط تراجع معدل التضخم المحتمل تأثرًا بسنة الأساس.
مخاوف من تراجع الجنيه
وفقًا لمصدر مسؤول في البنك المركزي المصري، فإن سعر الصرف خلال العام المقبل هو أكثر ما يؤرق الحكومة لأن استمرار التوترات الجيوستراتيجية سيكون لها تأثير سلبي على عوائد قناة السويس والسياحة، إلى جانب انعكاسات مماثلة على مستوى تحويلات المصريين في الخارج، بالرغم من زيادتها بنسب وصلت إلى 70% منذ توحيد سعر الصرف.
غير أن اقتصاديات دول الخليج قد تتأثر سلبًا في حال حدثت حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وبالتالي فإن الضغط سيزيد على الدولار ويقود ذلك إلى موجات تضخمية أخرى تؤثر في النهاية على معدلات النمو للاقتصاد المصري.