رغم مزاعم حكومة الانقلاب بأنها اتجهت للتحول الرقمي في مختلف المؤسسات، لتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، إلا أن عبارة «السيستم واقع» تكشف عن وقف الحال والفساد والإهمال المستشري في مختلف الدوائر والجهات الحكومية، حيث لا توجد خدمة تُنجز إلا وتصادف هذه المقولة، خاصة عندما تتوجه إلى مؤسسة حكومية تزعم أنها تطبق المنظومة الإلكترونية، ما يؤكد أن المشهد لم يختلف عما كان عليه قبل التحول الرقمي.
الأمر لم يتوقف عند المؤسسات الحكومية وربط البيانات فقط، ولكن الأصعب عندما يتعلق بالبنوك والتعامل المادي في خدمات «الكاش» التي تتيحها شركات الاتصالات والدفع الإلكتروني لتقديم الرسوم، والتي من غيرها يتوقف قضاء الخدمة، كما أن هناك جهات ومؤسسات تشترط طرق دفع معينة، عن طريق «إنستا باي» و«فيزا» أو «فوري» و«أمان» وغيرها من شبكات الدفع.
هذه الأوضاع أثارت انتقادات المواطنين متسائلين عن جهود الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مراقبة أداء الخدمات الرقمية وقياس مؤشراتها ومعرفة أسباب تعطلها.
وزارة الخارجية
حول هذه الأزمة، قال أحمد علي، حاصل على بكالوريوس نظم ومعلومات، من محافظة قنا، إنه بعدما تخرج وحصل على الدرجة الجامعية، توافرت له فرصة عمل بالإمارات، وبدأ في إجراءات السفر، وقرر التوجه إلى محافظة القاهرة، وبالتحديد جهة التوثيق بوزارة الخارجية لتصديق شهادته. وعندما وصل مقر الإدارة، حصل على رقم انتظار، وعندما دخل على شباك الموظف لقضاء أوراقه، تلقاه الموظف بعبارة: “السيستم واقع، استنى شوية”.
وأضاف «علي» في تصريحات صحفية: هذه العبارة أصبحت مصدر إحباط بالنسبة له، فكلما أتردد على جهة أواجه نفس المشكلة. انتظرت قليلاً، ثم توجهت للشباك مرة أخرى، لأتفاجأ بعقبة أصعب وهي عدم قبول الرسوم عن خدمة الدفع بالكاش، وأن الجهة لم تتعامل إلا عن طريق الدفع الإلكتروني، وبالتحديد وسيلة الفيزا فقط.
وتابع: أصابني الذهول، كيف تكون الأموال في يدي ولا أستطيع دفع الرسوم؟.. وسط آمال بأنني سأنهي المهمة في ساعات وأعود إلى بلدي «صد رد»، أخذت أطلب المساعدة من الناس حولي لأبحث عن شخص يمتلك فيزا يدفع لي الرسوم مقابل الكاش، ولم أجد أحداً يساعدني في ذلك، وربما هناك قلق من الناس على نقودهم وسط الاختراقات الإلكترونية التي تواجه الحسابات البنكية.
وواصل «علي»: اليوم انتهى وأنا أبحث عن فيزا لدفع الرسوم. أخذت أفكر قليلاً، حتى تذكرت أن هناك صديقاً لي يقطن في القاهرة من أيام الجامعة، فتواصلت معه وطلبت منه المساعدة، فرحب بذلك ووجدت لديه كارت فيزا، ولكن حدث ذلك في مساء اليوم، واضطررت للمبيت بمنزل صديقي حتى أشرق الصباح، وتوجهت إلى وزارة الخارجية مرة أخرى وأتممت الإجراءات بعد رحلة معاناة، رغم توقعي بتسهيل المهمة، وعدم تعقيد الإجراءات، أخذاً بالتطور التكنولوجي والرقمي.
عداد كارت
وكشف زكريا سليمان، محامٍ، عن رحلته مع «السيستم» والتحول الرقمي في قطاع الكهرباء، وأكد أن التطور التكنولوجي مهم، لكن لا يحق لأحد أن يجبرني على تغيير العداد القديم وتركيب عداد كارت، خاصة أن العداد الجديد يحولك إلى «خادم» بعد أن كانت الخدمة تُقدم لك على أنك مخدوم.
وأضاف «سليمان» في تصريحات صحفية: الكهرباء خدمة تُقدم لك، هذا ما اعتدنا عليه منذ دخول الكهرباء. أما العداد الرقمي «الكارت» فقد حول المواطن إلى خادم، يبحث في الشوارع لشحن الكارت، ويظل في الظلام إذا لم يكن في جيبه ما يكفي للشحن.
وتابع: العداد القديم لا يقطع الكهرباء، فتضطر لشحنه في وقت قد لا يناسب ظروف عملك أو حياتك، وحتى لو تراكمت عليك فواتير، لا ينقطع عنك النور. العداد القديم لا يضطرك أن تبحث عن شحن في كل ماكينات الدفع، لتصطدم بأن «السيستم واقع» حتى في شركة الكهرباء، ويظل منزلك دون كهرباء في عز الاحتياج للكهرباء، فهناك مرضى وكبار سن تضرروا، بجانب توقف حال من يعتمد على الإنترنت والكهرباء.
أعباء جديدة
وقال المهندس محمود فرج، خبير أمن معلومات، إن التطور التكنولوجي أصبح من أساسيات الحياة اليومية في العصر الحالي، موضحاً أن التحول الرقمي هو منظومة تكامل بين الجهات والمؤسسات، ومن المفترض أن يسهل على المواطن ويوفر الجهود الذاتية والمادية، بجانب تخفيف الزحام أمام المكاتب والموظفين، وخفض تكاليف الأوراق والمستندات والطباعة، وتخفيف أحمال الموظفين، بالإضافة إلى تقليل المواصلات والنقل.
وأضاف «فرج» في تصريحات صحفية أن التحول الرقمي لم يحدث في يوم وليلة، لكن هناك بعض الجهات التي لم تكن على كفاءة فيما يخص الرقمنة، كما أن بعض المناطق لم تدخلها كابلات «الفايبر». مشيراً إلى أن «وقوع السيستم» أو انقطاع الخدمة عن جهة معينة، سواء كانت مصلحة حكومية، مكتب بريد، أو بنوك، ربما يكون ناتجاً عن تحولات في الكابلات الرئيسية للشبكات، سواء كانت أليافاً ضوئية، كابلات الفايبر، أو وجود تحديثات تقنية على معظم الأنظمة الرقمية لكل جهة.
وأشار إلى أن هناك بعض الموظفين يتكاسلون عن العمل بحجة «السيستم واقع» رغم أنه يعمل بشكل سليم، ولكن يستغلون المواطن في بعض الأحيان.
وطالب «فرج» بالاستعانة بخبراء متخصصين في عمليات التحول الرقمي بالجهات والمؤسسات، حتى لا تُتخذ خطوات تتعارض مع تطبيقها على أرض الواقع، والعمل على خلق حالة رضا بين المواطن والجهة المعنية، لمعرفة مدى إسهام هذه التقنية في خدمته وحثه على استخدامها، بجانب تعزيز ثقافة تعامله مع الرقمنة.
وأعرب عن أسفه لأن التحول الرقمي يحمل المواطنين أعباء مادية، رغم أنه من المفترض أن يخفف عنهم ذلك في قضاء مصالحهم. فمثلاً عند استخراج بطاقة شخصية أو شهادة ميلاد، أو مستندات أخرى «مميكنة» عن طريق «أونلاين»، تجد رسومها مضاعفة، وهذا يخلق حالة «فتور» بين المواطنين ويثير حفيظتهم: الرقمنة تسهل علينا أم تُحملنا أعباء جديدة؟
ضغط على الشبكات
وقال الدكتور أحمد محمد الشيمي، خبير مصرفي، إن التحول الرقمي والميكنة من الخطوات المهمة لمواكبة التطورات التكنولوجية، مشيراً إلى أن هذا التوجه من الطبيعي أن يواجه هجوماً ومشاكل، كونه حديثاً على المواطنين وربما يكون غير مألوف بالنسبة لهم.
وأضاف «الشيمي» في تصريحات صحفية: بالنسبة لظاهرة «السيستم واقع» وترددها على لسان المواطنين عند قضاء مصالحهم في البنوك وغيرها من المصالح والجهات الحكومية، أمر متوقع ربما لعطل فني، أو وجود ضغط كبير على الشبكات في الاستخدام بأكثر من الإمكانية المتاحة، كاستخدام سعات أكبر في أوقات معينة مثل أول الشهر بالنسبة للبنوك، مواعيد سداد الفواتير المختلفة، مواعيد سداد الأقساط الشهرية المختلفة، المناسبات الاجتماعية، المشاكل الطارئة وكل ما يحتاج الدخول على الشبكات لعدد كبير في وقت واحد.
وأشار إلى أن كفاءة الشبكات والخدمات الرقمية والمميكنة ربما تتطور خلال الفترة المقبلة، ولكن طالما هناك تدخل بشري فلا بد من وجود أخطاء ومشاكل في الأعمال، ولا يوجد شيء مكتمل بنسبة 100%.