دراسة قانونية تنتقد تفسير المحاكم لمبدأ حظر الحبس في جرائم النشر

- ‎فيتقارير

انتقدت دراسة قانونية أصدرها مركز “مسار” المعني بالعمل على تعزيز الحقوق الرقمية والحريات المرتبطة بها في مصر، تفسيرات قضائية تبنتها ثلاث محاكم مختلفة للمبدأ الدستوري الخاص بعدم توقيع العقوبات السالبة للحرية ومنها الحبس في جرائم النشر، مؤكدة أن المحاكم استندت لتفسيرات متناقضة في الامتناع عن تطبيق ذلك المبدأ.

 

وتشير الدراسة إلى أنه وعلى الرغم من إقرار الدستور لضمانة حظر الحبس في قضايا النشر، منذ ما يقرب من عشر سنوات، فتطبيقها والالتزام بها من جانب الجهات المنوط بها تطبيق أحكام الدستور، وفي مقدمتها المحاكم لم يتسم بالقدر الكافي من الجدية.

 

وأكدت أن بعض المحاكم الجنائية لجأت إلى تفسير النص الدستوري تفسيرًا يخل بتلك الضمانة ويتعارض مع النص الدستوري ذاته، ويحرم غالبية الأفراد من الحماية الدستورية المقررة لهم، والتي تحميهم من العقوبة السالبة للحرية حال ارتكاب إحدى جرائم النشر أو العلانية.

 

وأوضحت الدراسة أن تلك التفسيرات تخالف رغبة المشرع الدستوري من حظر توقيع العقوبات السالبة للحرية على جرائم النشر والعلانية، والمتمثلة في حماية الأفراد المخاطبين بأحكام الدستور من أي استبداد أو ترهيب أو تهديد لحرياتهم الشخصية قد يتعرضوا له من جانب السلطة التنفيذية أو التشريعية، نتيجة للتعبير عن آرائهم عبر استخدام حقهم الدستوري في استخدام وسائل الاتصالات بجميع صورها.

 

وأرجعت الدراسة وجود ذلك الواقع القضائي المتناقض مع الدستور إلى تقاعس البرلمان والحكومة عن الالتزام بما يفرضه الدستور من ضوابط في هذا الشأن، مؤكدة فبينما يحظر الدستور توقيع عقوبة سالبة للحرية في جرائم النشر، تظل هناك عشرات النصوص في قوانين مختلفة تسمح بتوقيع تلك العقوبات في هذه النوع من القضايا.

 

واستشهدت الدراسة بثلاثة أحكام قضائية أصدرتها محاكم الجنايات والجنح والقاهرة الاقتصادية تبنت خلالها هذه التفسيرات المتناقضة للنص الدستوري، حيث وقعت محكمة الجنايات في الحكم الأول الصادر في مارس 2021 عقوبة الحبس سنة على متهمة بإذاعة أخبار وإشاعات كاذبة من شأنها إثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، من خلال النشر عبر صفحتها على فيسبوك.

 

وأسست المحكمة ذلك الحكم على اعتبارها أن حظر الحبس في قضايا النشر الوارد في المادة 71 من الدستور يستهدف حماية حرية إبداء الرأي والصحافة، ولم تكن غايته تبرير ارتكاب جرائم بطريق النشر.

 

وفي الحكم الثاني أدانت محكمة القاهرة الاقتصادية، في سبتمبر 2023 متهمًا بارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال وسائل الاتصالات، عبر نشره مقالًا يتضمن عبارات تشكل جريمتي سب وقذف المجني عليه، وعاقبته المحكمة بالحبس ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ.

 

 واعتبرت المحكمة في حيثيات ذلك الحكم أن المادة الخاصة بجريمة تعمد إزعاج الغير أو مضايقته الواردة بقانون تنظيم الاتصالات، لا علاقة لها بالجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية أو التي تقع بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري مما حظر الدستور توقيع عقوبة سالبة للحرية على مرتكبها.

 

أما الحكم الثالث فأصدرته محكمة جنح مدينة نصر في يناير 2024، ووقعت خلاله عقوبة الحبس لمدة سنة على أحد المتهمين بإذاعة أخبار كاذبة في الخارج عبر نشره مقالًا على حسابه بفيسبوك، وأسست المحكمة حكمها على أن المتهم لا ينطبق عليه وصف الصحفي أو الإعلامي متجاهلة حظر الدستور توقيع عقوبة الحبس في جرائم النشر.

 

ونوهت الدراسة باتفاق المحاكم الثلاث على رفض الدفع بعدم دستورية هذه المواد القانونية التي تتضمن عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر، ورأت كل منها أن هذا المبدأ لا ينطبق على أي من هذه الجرائم.

 

كما اتفقت المحاكم، وفقًا للدراسة، في تفسيرها لهذه النصوص الدستورية على أن مبدأ حظر عقوبة سالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية المنصوص عليه في الدستور يستهدف فقط حماية حرية الصحافة، والمنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، ومن ثم تقتصر الحماية الدستورية على فئات بعينها دون غيرها.

 

وحسب الدراسة، أجمعت المحاكم الثلاث أيضًا على أن المتهم في كل من القضايا ليس من بين الخاضعين لهذه الحماية الدستورية التي تمنع معاقبته بعقوبة سالبة للحرية، وذلك لكونه ليس صحفيًا أو إعلاميًا أو غير ذلك من الفئات المستفادة من هذه الحماية لعدم خضوعه للقوانين الخاصة المنظمة لعمل هذه الفئات، كقانون تنظيم الصحافة والإعلام على سبيل المثال.

 

وفي المقابل، شددت الدراسة على أن الحظر الدستوري لتوقيع عقوبة سالبة للحرية في جرائم النشر أو العلانية جاء مطلقًا ومحررًا من أي قيد، حيث استند الدستور إلى عينية الجريمة وطريقة ارتكاب السلوك الإجرامي فقط، معتبرًا أن النشر أو العلانية هما المعياران الوحيدان اللازم توافر أي منهما في أي سلوك إجرامي، ومتى توافر أحد المعيارين وجب على المشرع العادي الالتزام بأن تكون العقوبة التي يقررها كجزاء جنائي لهذا السلوك غير سالبة للحرية، دون أن يتوقف ذلك على صفة أو وظيفة أو مهنة مرتكب هذا السلوك.

 

وأكدت أن الدستور لم يشترط في مرتكب الجريمة صفة معينة مثل كونه صحفيًا أو كاتبًا أو أديبًا أو فنانًا أو ناشرًا أو غيرهم، إنما جاء الحظر مطلقًا يسري على جميع الأفراد.

 

وانتهت الدراسة إلى أنه يجب على المحاكم في تفسيرها القضائي لهذا النص أن تراعي ما يجب على المشرع العادي مراعاته حتى تتسق تفسيراتها مع أحكام الدستور، باعتباره التشريع الأسمى الذي يجب اتباعه، بحيث لا يتعدى تفسيرها على ما قرره الدستور من حقوق وضمانات، وألا يقدم تبريرات لنصوص قانونية مشوبة بشبهة عدم الدستورية كان يجب على المشرع العادي إلغاؤها، أو تعديلها بما يتفق مع أحكام الدستور وضوابطه.

 

ويظل لافتًا إلى أنه ومع إقرار تلك الأحكام بقصر تطبيق الحظر الدستوري الخاص بعدم توقيع عقوبة الحبس في جرائم النشر على الصحفيين والإعلاميين دون غيرهم، بقاء  24 زميلًا محبوسًا، تجاوزت فترات حبس 15 منهم العامين الكاملين، في قضايا من هذا النوع، حسب تصريحات سابقة لنقيب الصحفيين خالد البلشي، خلال المؤتمر السادس لنقابة الصحفيين.

 

وجاءت ضمن توصيات ذلك المؤتمر، ضرورة إصدار قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، التزامًا بالدستور، وأكد رئيس مجلس أمناء المؤتمر وحيد عبد المجيد اعتماد المجلس لمشروع قانون في هذا السياق ستجري مخاطبة الجهات المسؤولة، ومن بينها مجلس الوزراء ومجلس النواب لإصداره.