مع الارتفاع الجنوني في الأسعار في زمن الانقلاب، اضطر الكثير من الشباب إلى العزوف عن الزواج لأنهم لا يستطيعون توفير متطلبات الزواج في ظل موجات الغلاء التي لا تتوقف، وتعجز دخولهم الضئيلة عن تلبية احتياجات أسرة. لذلك، فضلوا عدم دخول عش الزوجية، وهو ما يهدد الحياة الاجتماعية بكثير من الأزمات والمشكلات التي تتجاهلها حكومة الانقلاب.
نار ارتفاع الأسعار طالت كل شيء دون رقابة على الأسواق، وفي هذه الظروف القاسية، أصبح الزواج حلمًا مستحيلًا لدى غالبية الشباب والفتيات، ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار كل شيء بشكل جنوني، ما زالت الرواتب هزيلة، لا تكفي لسد احتياجات أيام قليلة من الشهر.
ورغم تخلي الشباب عن الأشياء غير الأساسية وتجهيز الشقة بالأثاث الضروري فقط، إلا أن التجهيزات الأساسية تفوق قدرة الشباب المقبل على الزواج، لأن الإيجارات مرتفعة جدًا، ومقدم أقل شقة يحتاج إلى ثروة، فضلًا عن أسعار الأجهزة الكهربائية والمفروشات.
ارتفاع جنوني
حول هذه الأزمة، قالت العروس «داليا» أثناء توجهها لشراء جهازها من منطقة العتبة: أنا مخطوبة منذ عامين، والدي متوفى ووالدتي هي من تعيلنا، ولي ثلاث شقيقات، ودخلنا الأساسي هو معاش والدي الضئيل ووالدتي عاملة بسيطة وراتبها لا يكفي لسد احتياجاتنا، لكنها تحاول العمل ليل نهار وأنا أساعدها.
وأضافت «داليا»: بعد خطبتي دخلنا جمعية لشراء الجهاز، لكن ارتفاع الأسعار بشكل جنوني فاق قدرتنا وتحملنا، أقل طقم ملاية تجاوز الـ 400 جنيه وقماشته رديئة جدًا، والأطقم الأفضل تبدأ من 800 جنيه، وأقل طقم حلل بـ 8 آلاف جنيه والصيني يبدأ من 9 آلاف، بخلاف الرفايع، والهم الأكبر هو شراء الأجهزة الكهربائية التي زادت في عام واحد أضعاف ثمنها.
وتابعت: سألنا عن بوتاجاز منذ عام وعلمنا سعره، ولم نستطع شراءه، وانتظرنا حتى نقبض الجمعية التي دخلتها أنا وأمي من رواتبنا، وحينما توجهنا لشرائه لم نستطع بسبب ارتفاع سعره إلى ضعفي السعر الذي سمعناه منذ أقل من عام.
وحذرت «داليا» من أنه إذا استمر الارتفاع الجنوني في الأسعار بهذا الشكل، فإن الناس ستموت من الانفجار.
حياة صعبة
وقالت الحاجة «خديجة»، أم لثلاث بنات: زوجي موظف وأنا أساعده بعمل أكل جاهز وأبيعه، وكانت الحياة ماشية، والبنات كبرت، ولكن مع الارتفاع الشديد في الأسعار أصبحت الحياة صعبة علينا، مشيرة إلى أن ابنتها الكبرى البالغة من العمر 25 عامًا تم خطبتها منذ عامين، وإلى الآن لم نستطع شراء جهازها كاملًا بسبب ارتفاع الأسعار.
وأضافت: اشترينا بعض «الرفايع البسيطة» لكننا عجزنا عن شراء الأجهزة الكهربائية وباقي المستلزمات، وبسبب تأخرنا في شراء الجهاز حدثت خلافات مع العريس وأهله وانتهت بفسخ الخطبة.
وتساءلت الحاجة «خديجة»: إذا كنا عجزنا عن تجهيز بنت واحدة، فماذا سنفعل مع الثلاث الأخريات؟ مشيرة إلى أنها كل يوم تشعر بالعجز أكثر من سابقه لأنها ترى بناتها تذبل أمامها، ولكن ما باليد حيلة.
الأساسيات فقط
وقالت إيمان: تمت خطبتي منذ أشهر، ومع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، قررنا شراء الأساسيات فقط التي لا يمكن الاستغناء عنها في البيت، لكن هذه الأساسيات أسعارها جنونية.
وأضافت: الأجهزة الكهربائية «غسالة، ثلاجة، بوتاجاز» أسعارها تفوق إمكانيات الكثيرين، رغم أنها من أقل الماركات وبأقل إمكانيات، فضلًا عن باقي الجهاز والرفايع والمطبخ وغيرها.
وأكدت أنه إذا استمر الحال على ذلك، فإنه بعد 4 أو 5 سنوات ستتلاشى فكرة الزواج نهائيًا.
مقدم شقة
وقال أحمد، موظف 34 عامًا: أنا خاطب منذ 3 سنوات، وحتى الآن لم أستطع أن أكمل الجهاز ولا أعرف كيف أشتري شقة، وكلما أكمل مقدم شقة ترتفع الأسعار، لذلك تحدثت مع أهل خطيبتي وقررنا الزواج بشكل مؤقت في شقة إيجار، ولكن وجدنا أقل إيجار 4 آلاف جنيه في الشهر.
وتساءل: كيف أدفع هذا المبلغ، غير الكهرباء والغاز ومصاريف المنزل؟ وراتبي لا يكفي لسد نصف هذه التكاليف، مؤكدًا أنه اضطر لفسخ الخطوبة.
وأضاف أحمد: أي شاب لا يمكنه أن يتزوج في الوقت الحالي لأن أسعار كل شيء تفوق قدرات الجميع، لافتًا إلى أن أسعار غرف النوم تجاوزت الخمسين ألف جنيه، فما بالنا بباقي تجهيز الشقة.
وتابع: أنا موظف صباحًا وأعمل بعد الظهر بائعًا في محل، ماذا أفعل أكثر؟ والشباب ماذا يفعل؟ مش عارفين يدفعوا مقدم شقة صغيرة بالتقسيط، ولا حتى شقة إيجار، وشقق الإسكان الاجتماعي أسعارها بعد انتهاء الأقساط بفوائد البنك أضعاف ثمنها، بالإضافة إلى أن من يقدم عليها يجب أن ينتظر 3 أو 4 سنوات وربما لا يحصل عليها. نعمل إيه؟ حرام، إلى متى سيستمر الارتفاع الجنوني في الأسعار دون أي تدخل من دولة العسكر لرفع المعاناة عن الشباب؟
أمي دخلت السجن
وقالت «ندى» 34 عامًا: والدتي دخلت السجن بعد زواجي بفترة بسبب عدم قدرتها على سداد ديون الجهاز، وأخفت عني أنها استدانت، ووقعت إيصالات أمانة لصاحب معرض ولجارتها التي أخذت منها 20 ألف جنيه لدفع المقدم لصاحب المعرض.
وأضافت: لم أعلم أنها فعلت كل هذا من أجلي، فقد أخبرتني أنها باعت ذهبًا كانت تحتفظ به لتجهيزي. وبعد زواجي بعدة أشهر تم القبض عليها.
حركة البيع
وأكد عبده الجعيدي، صاحب محل أجهزة كهربائية، أن هناك حالة ركود كبيرة جدًا في حركة البيع بالأسواق رغم العروض التي تقدمها الشركات، حيث تصل التخفيضات على الأجهزة إلى 50%، وذلك لأسباب عديدة أبرزها الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع.
وقال الجعيدي في تصريحات صحفية: إن المستهلك اندفع بصورة كبيرة للشراء العام الماضي بسبب التخوف الكبير من الارتفاع المرتبط بعدم استقرار سعر صرف العملة الصعبة. ولكن رغم وجود استقرار في الأسعار وسعر الدولار حاليًا، سيطر الركود على السوق بصورة كبيرة.
وأضاف أن الكثير من الراغبين في الزواج خلال الفترة الحالية قاموا بشراء الأجهزة والمفروشات الخاصة بالزواج منذ شهور وتخزينها خوفًا من زيادة أسعارها في المستقبل، والمستهلك في الفترة الحالية لا يشتري إلا للضرورة القصوى.
وأوضح الجعيدي أن نسبة الزيادة في الأجهزة الكهربائية وصلت إلى 300% منذ شهر 7 عام 2022 وحتى الآن، حيث كان سعر الثلاجة توشيبا 14 قدم 7000 جنيه فقط، بينما وصل سعرها الآن إلى 22500 جنيه.
ونفس الأمر ينطبق على البوتاجازات، حيث كان سعر بوتاجاز يونيون إير خمسة شعلة 5000 جنيه وصل الآن إلى 12 ألف جنيه، والأربعة شعلة منه كان سعره 2500 جنيه والآن 6500 جنيه، وارتفع سعر بوتاجاز الفريش كامل الإمكانيات إلى 16 ألف جنيه.
وأشار إلى أن الزيادة في أسعار الشاشات والغسالات وصلت إلى الضعف، حيث كانت الغسالة فول أوتوماتيك 8 كيلو بـ 8000 جنيه، والآن أصبحت بـ 15 ألف جنيه، والـ 6 كيلو يتراوح سعرها الآن بين 15000 جنيه وحتى 50,000 جنيه، أما الشاشة سامسونج 43 بوصة فكان سعرها 7000 جنيه، ووصلت الآن إلى 11500 جنيه.
وأوضح الجعيدي أن إجمالي تكلفة شراء الأجهزة الكهربائية الأساسية التي تحتاجها أي عروس في المستوى المتوسط، وبعد التخلي عن الكماليات والرفاهيات، تصل إلى 100 ألف جنيه، ويمكن أن تقل إلى 70 ألف جنيه في حالة شراء أقل إمكانيات متوفرة في السوق.
وكشف أن حوالي 5% من التجار تعرضوا لخسائر كبيرة، وتعثروا في السداد للموردين وكبار التجار بسبب حالة الركود الحالية، حيث تعتبر الخسائر في عام 2024 هي الأكبر في آخر 15 عامًا، في الوقت الذي حقق تجار أعلى نسبة بيع خلال فترة كورونا.
وأكد الجعيدي أن سوق المفروشات والملابس يعاني من ضعف شديد في حركة البيع بشكل عام وفي احتياجات العرائس بشكل خاص، حيث يلجأ المستهلك إلى شراء المستلزمات الضرورية فقط مع تقليص عدد القطع أو قيمتها، والغالبية العظمى الآن تبحث عن التوفير قبل الجودة.