رصدت مجلة فورن أفيرز الأمريكية كيف يمكن لدونالد ترامب الرئيس الأمريكي أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط؟ وذلك عن طريق نحو 18 محددا يرسم سياسات ترامب بالمنطقة.
إرث بايدن
وكان المحدد الأول هو إرث الرئيس الديمقراطي السابق بايدن، وعلى طريق الحملة الانتخابية، وعد دونالد ترامب، الذي أصبح الآن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، بأن “الشرق الأوسط سوف يُحل”، لكنه لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول كيفية تحقيق مثل هذه النتيجة.
وأضافت أنه عندما يعود إلى البيت الأبيض، ستواجه أجندته “أمريكا أولاً” تحديًا يتمثل في تورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيل في غزة والأزمة الإنسانية التي لا يمكن تصورها والتي لم يتم تخفيفها بعد.
ورصدت أن الشرق الأوسط الذي سيرثه ترامب من إدارة بايدن قد شهد تحولات جذرية، ففي العام الماضي، هاجمت إيران و”إسرائيل” أراضي بعضهما البعض بشكل مباشر، وهيمنت “إسرائيل” عسكريًا على حماس وحزب الله، كما انهار أحد أهم حلفاء الجمهورية الإسلامية العرب، وهو نظام الأسد في سوريا، في غضون أسابيع بعد نصف قرن في السلطة.
تآكل النفوذ
ورأت المجلة أن مكانة واشنطن في الشرق الأوسط لم تكن يومًا في مستوى أدنى مما هي عليه الآن، حيث لم يغب تواطؤها مع عدوانية إسرائيل عن أنظار أعدائها أو أصدقائها، نفوذ الولايات المتحدة لدى الحكومات والشعوب العربية تآكل مع كل شحنة أسلحة أميركية تُرسل إلى إسرائيل، ومع كل فيتو أميركي يُستخدم لحماية إسرائيل في الأمم المتحدة، فشلت إدارة بايدن في ضمان حتى أبسط حقوق الفلسطينيين في الحصول على الغذاء والماء والدواء والمأوى.
وأوضحت أنه “ليس لدى الفلسطينيين أي سبب للاعتقاد بأن ترامب سينهي الدعم الأميركي المطلق ل”إسرائيل” ، حتى في مواجهة القضايا القانونية الدولية المرفوعة ضدها بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، خاصة أنه يمتلك سجلًا حافلًا بدعم “إسرائيل” وأحاط نفسه بمستشارين شديدي الانحياز لصالحها”.
التوازن الهش
وترى المجلة أن التغيرات سريعة وضرورية وغير متوقعة وأن التوازن في المنطقة هش وقالت: “ترامب يبقى ورقة غير متوقعة، فهو لا يحمل أعباء دعم الحرب الحالية ل”إسرائيل” ، ويفتخر بمهاراته كصانع صفقات، ويبدو أنه يتمتع بنفوذ أكبر على قادة ”إسرائيل” مقارنة بالرئيس الأميركي جو بايدن”.
وأضافت أنه “يمكن أن تستغل المملكة العربية السعودية علاقتها الجيدة مع ترامب لدفعه نحو الاعتراف باحتياجات الفلسطينيين وحقوقهم، ومع ذلك، ستعتمد السياسة الأميركية في نهاية المطاف على التوازن الهش للقوى في الشرق الأوسط، الذي يشهد تقلبات أكبر من أي وقت مضى خلال العقود الماضية”.
وأشارت إلى أن “الفلسطينيين ليس لديهم أوهام بأن ترامب حليف لهم، لكن البعض ما زال يتمسك بالأمل في أن رئيسًا غير متوقع، يعمل في منطقة تشهد تغيرات سريعة، قد يفسح المجال لبعض التغييرات الضرورية للغاية”.
قرارت وعكسها
وعن التنبؤ بمستقبل الشرق الأوسط فقالت “كان دائمًا مهمة محفوفة بالمخاطر، ويزداد الأمر تعقيدًا عند أخذ سلوك ترامب المتقلب في الاعتبار”.
واشارت إلى ولايته الأولى وبعض المؤشرات حول كيفية تعامله مع قضايا الشرق الأوسط اليوم وأنه رغم أنه صرح في البداية بأنه لا يفضل حل الدولتين أو الدولة الواحدة، إلا أنه اعترف بالقدس عاصمة ل”إسرائيل” ، وقطع المساعدات عن وكالة الأونروا والفلسطينيين، وأعلن أن المستوطنات، التي كانت واشنطن والمنظمات الدولية تعتبرها دائمًا غير شرعية، قانونية وتتماشى مع المعايير”.
مسيرة التطبيع
ورأت المجلة الامريكية أن ترامب في الشرق الأوسط بلغ ذروته في “اتفاقيات أبراهام” لعام 2020، وهي سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي قامت بموجبها عدة دول عربية بتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”، وكانت معظم الدول العربية قد تعهدت سابقًا، عبر توقيع مبادرة السلام العربية لعام 2002، باستعادة العلاقات الكاملة مع “إسرائيل” فقط مقابل تحقيق حل الدولتين.
وأضافت أنه “مع ذلك، استندت الاتفاقيات إلى فكرة أن السلام يمكن فرضه من الخارج بمجرد إقامة علاقات عربية-”إسرائيل” ية، مما شكل انقلابًا على الحكمة التقليدية. فصلت الاتفاقيات إلى حد كبير بين تطبيع العلاقات العربية-ال”إسرائيل” ية ومصير فلسطين. وبالتوقيع عليها، جعلت كل من البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة القضية الفلسطينية أقل مركزية في أجنداتها الإقليمية.
صفقة القرن
وعن محدد سادس أشارت إلى أنه “على الرغم من أن ترامب تخلى عن (صفقة القرن) في نهاية ولايته الأولى، إلا أن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأنه قد يحاول إعادة إحيائها”.
ورأت أن ترامب أبدى بشكل عام موقفًا مترددًا بشأن قيام دولة فلسطينية، كما أن قطعه للمساعدات عن الفلسطينيين أكد افتقاره للاهتمام برفاهيتهم، ومع ذلك، يبدو أنه يعتقد أن الاتفاقات السياسية يمكن أن تخضع للمصالح المالية والاقتصادية المشتركة، أو ربما تنشأ منها لاحقًا. وبالتالي، مشيرة إلى أن أي صفقة قرن جديدة ستكون قائمة على مقايضة بين الحقوق السيادية للفلسطينيين والازدهار الاقتصادي، وستعتمد أيضًا على إقناع الفلسطينيين بأنه لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق آخر.
تصور للحرب
ورأت المجلة أن ما تشنه “إسرائيل” حرب كارثية على غزة أضعفت الفصائل السياسية الفلسطينية بشكل شامل. زاعمة أنه لم تعد حماس موجودة كحركة عسكرية منظمة أو حكومة في غزة، ويتهمها العديد من الفلسطينيين بعدم توقع مدى وحشية رد “إسرائيل” على هجومها”.
وعن الضفة الغربية، زعمت أن الحملات العسكرية للحتلال دمرت خلايا حماس مع وقوع أضرار جانبية كبيرة، بينما حاولت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية استعادة السيطرة في جنين، والرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح التي يقودها، فقد أصبحا أقل شعبية من أي وقت مضى بسبب سنوات من الفشل في الحكم، وتصوّر عدم رغبتهم في التدخل خلال حرب “إسرائيل” ، وعجزهم عن تخفيف معاناة سكان غزة.
داعمو ترامب
النطقة الثامنة، بحسب نرجمة يوسف الديني أن تبرعات داعمي ترامب ومستشاريه ومرشحيه مؤشرات أخرى على كيفية تعامله المحتمل مع قضايا الشرق الأوسط، وهي أسباب تدعو الفلسطينيين للقلق، موضحا أن ميريام أديلسون، المليارديرة المؤيدة ل”إسرائيل”، تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لحملة ترامب أما مايك هاكابي، السفير المعين لدى “إسرائيل” ، فقد صرح بأن “لا وجود لما يسمى بالضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة”، في إشارة إلى أن هذه الأراضي تعود ل”إسرائيل” بيت هيغسيث، المرشح لمنصب وزير الدفاع، يرى أن “من يحب أمريكا يجب أن يحب “إسرائيل” ووصف فكرة حل الدولتين بأنها مجرد كلام فارغ.
أما مايك والتز، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، فقد صرح بأن الإدارة ستدعم هجومًا “إسرائيل” جديدًا على غزة، إذا لم يصمد وقف إطلاق النار الذي أُعلن في 15 يناير.
تنبؤ بالسيطرة على نتنياهو
ورأت أن الخطوات القادمة لترامب ستتأثر بالاتجاهات السائدة في “إسرائيل” فمنذ هجوم حماس، نجح رئيس الوزراء ال”إسرائيل” ي بنيامين نتنياهو في إبقاء “إسرائيل” في حالة من الانتقام الأعمى، ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب، فإن 64% من”إسرائيل” يعارضون الآن حل الدولتين، مقارنة بـ 30% فقط في عام 2012.
وأضاف التقرير أن حكومة”إسرائيل” تسعى إلى تفكيك أي مظاهر لوجود دولة فلسطينية أو مؤسسات أو حكومة، في الواقع، يصر بعض ال”إسرائيل” يين على شيء أسوأ من “صفقة القرن” التي طرحها ترامب. فقد اقترح أعضاء في الحكومة، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، استعادة المستوطنات ال”إسرائيل” ية في غزة، وإعادة توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، وضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وإسقاط السلطة الفلسطينية، من الواضح أن الفلسطينيين بمفردهم لا يمكنهم منع مثل هذا الهجوم الكاسح.
الكيان من الداخل
ومن المحددات رؤية “إسرائيل” من الداخل حيث تتسع الفجوات داخل المجتمع وداخل الشتات اليهودي بين”إسرائيل” علمانيين ومتدينين، وبين من يطالبون بالمحاسبة عن أحداث 7 أكتوبر ومن يحاولون تحويل اللوم أو تجاوز الأمر، وبين من يبدو أنهم مستعدون لتقديم تنازلات للفلسطينيين ومن يرفضون ذلك، وبين مصالح حركة المستوطنين ومصالح دولة “إسرائيل” ، وبين من يضعون أولوية ليهودية الدولة ومن يرون أن الديمقراطية يجب أن تكون القوة الموجهة ل”إسرائيل”.
ورأت أنه “في مرحلة ما من عام 2025، سيضطر نتنياهو وحكومته لمواجهة حساب مع شعبهم بشأن هذه التوترات، ومع إغلاق كل جبهة حرب، تتضاءل احتمالية تمكنه من الاستمرار في تجنب المحاسبة والحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني الهش.”.
العلاقات الشخصية
التقرير قال: إن “العلاقات الشخصية بين قادة الكيان والأميركيين ستؤثر بشكل كبير على سياسة الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل” جيث يتمتع ترامب بالقدرة على إجبار نتنياهو على اتخاذ خطوات، مثل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، بطرق لم يتمكن بايدن من تحقيقها أو لم يكن راغبًا في ذلك. خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، قام ستيفن ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، بتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى نتنياهو، مما قد يكون دفع بالاتفاق إلى الأمام حتى قبل أن يتولى ترامب منصبه”.
تغيير برعاية واشنطن
وعن تغيير في حكومة الاحتلال والحالية التي أعلنت بوضوح معارضتها لأي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية أو الحكم الوطني، واستمرت في فرض عقوبات مالية وسياسية على السلطة الفلسطينية الضعيفة، ولكن إذا قرر ترامب تغيير مسار سياسة بايدن تجاه “إسرائيل” ، فلن يواجه مشكلة في التدخل في السياسة ال”إسرائيل” ية لدعم زعيم مستعد لتقديم التنازلات التي تهربت منها “إسرائيل” حتى الآن، وقد يكتشف نتنياهو حينها حقيقة المثل العربي الشائع: “عدو عاقل خير من صديق أحمق.”
الوضع في سوريا
على الرغم من قتامة المستقبل القريب بالنسبة للفلسطينيين، هناك عوامل مجهولة أخرى ستؤثر على قرارات ترامب في الشرق الأوسط، في مقدمة هذه العوامل تأتي الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، فإيران أصبحت في موقف دفاعي، والصراع على سوريا دخل مرحلة جديدة مع تسابق القوى الإقليمية على النفوذ، وقد استفادت “إسرائيل” من هذا الفراغ من خلال احتلال أراضٍ سورية وقصف مخازن الأسلحة والمنشآت العسكرية في أنحاء البلاد.
صفقات إرضاء الغرور
أشارت الورقة إلى “غرور ترامب” الذي يسعى وراء المجد من خلال تحقيق صفقة كبرى بين ال”إسرائيل” يين والفلسطينيين، وربما يكون قد أدرك من ولايته الأولى أن أي اتفاق لا يمكن تحقيقه دون موافقة الفلسطينيين ودعم الدول العربية، قد تكون رغبة ترامب في الانخراط ذات قيمة إذا كان هناك اهتمام فعلي من السعودية والفلسطينيين.
مقاومة منخفضة المستوى
وطرحت المجلة أنه بعد كل المعاناة التي عاشها الفلسطينيون، يبدو أن مستقبلهم الأكثر احتمالًا هو حالة من “لا حرب ولا سلام”: مقاومة منخفضة المستوى وقمع، مواجهات مع توسع المستوطنات، حد أدنى من الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار، ودولة واحدة يشبه نظام الفصل العنصري، معتبرة أن تداعيات 7 أكتوبر قد استنفدت الإمكانيات والتبريرات للنضال المسلح من النوع الذي دعت إليه منظمة التحرير الفلسطينية سابقًا وحاليًا حماس.
دولة فلسطينية
ورأت أن الإيمان بحق الفلسطينيين في المقاومة لنيل حقوقهم الوطنية والإنسانية لا يزال حيًا في الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، لذلك، على المدى القريب، طالما أن “إسرائيل” تعرقل تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، فمن المحتمل أن يتحول الهدف من إقامة دولة إلى مطالب متزايدة من الفلسطينيين تحت الاحتلال والمواطنين الأقلية في “إسرائيل” بالمساواة، والتمثيل، والموارد، والتدخل القضائي، والحرية السياسية.
مسارات الدولة الفلسطينية
ورسمت المجلة في تقريرها مسارات بعد إقرار دولة فلسطينية فقالت إن الحصول على فرصة حقيقية لتحقيق مستقبل أفضل، يتعين على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية و”إسرائيل” والشتات أن يتوحدوا حول مهمة مشتركة، يجب أن يكونوا مستعدين للتخلي عن المؤسسات والأساليب القديمة للمقاومة لصالح مشروع متجدد لتقرير المصير الوطني، يقوم على ربط العلاقات الفلسطينية مع “إسرائيل” بسلام عادل وسيادة حقيقية للشعب الفلسطيني في وطنه.
واستدركت أن هذه الحقوق لا ينبغي أن تكون مشروطة بتفاصيل فنية لا تنتهي، مثل إصلاحات الحوكمة، بدلاً من ذلك، يحتاج الفلسطينيون إلى تأسيس مؤسساتهم الجديدة ضمن إطار الدولة الفلسطينية المنشودة، لتكون العنوان الموحد لهويتهم الوطنية وتمثيلهم، مع العمل على تخفيف معاناة سكان غزة، في الوقت الراهن، قد لا تكون إقامة الدولة خيارًا قريب المنال لتحقيق حقوق الفلسطينيين، ولكن إذا كان هناك أي احتمال لفتح مسار حقيقي نحو دولة فلسطينية، كما تصورته منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988 وحظي بدعم المجتمع الدولي، فإن على الحكومة الأميركية أن تتصدى للصيغة الصهيونية التي يروج لها قادة حكومة الاحتلال الحالية.
الموقف السعودي
ورأت المجلة أن وحدة الفلسطينيين وتجديد مشروعهم الوطني، بالتزامن مع موقف سعودي يدعم إقامة دولة فلسطينية، قد يضعان “إسرائيل” وترامب في موقف دفاعي ويوفران فرصة أخيرة للتوصل إلى اتفاق عادل لحل الدولتين في المنطقة، إذا كان هذا الخيار لا يزال ممكنًا.
https://foreignaffairs.com/united-states/how-trump-could-reshape-middle-east