لم تكن الجريمة البشعة التي وقعت بالأقصر أمس هي الأولى بل سبقها نفس الجريمة بمدينة الإسماعيلية منذ سنتين، ففي جريمة مروعة أثارت الذعر بين المواطنين، أقدم شاب على قتل شخص وقطع رأسه، ثم سار بها في أحد شوارع وسط المدينة أمام المارة، في مشهد صادم للجميع، يبين البيئة الخصبة التي صنعها عسكر الانقلاب العسكري في مصر والتي مهدت لانتشار الجرائم البشعة بالمجتمع المصري.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لشاب أقدم على قتل جاره بطريقة “وحشية” مساء الثلاثاء، وفقًا لشهود عيان.
ووقعت الحادثة في منطقة أبو الجود وسط المدينة، حيث نشب شجار بين الشاب وجاره وسرعان ما تصاعد، ليقدم المتهم باستخدام سكين وذبح الضحية، وأظهر مقطع الفيديو، المتهم وهو يتجول برأس الضحية في الشارع أمام أنظار المارة.
ولم تكن هذه الواقعة البشعة التي حدثت أمس، فقد رافقتها جريمة أخرى لا تقل بشاعة حيث أنهى “نقّاش” حياة ابنته بطريقة بشعة بعد أن سدد لها عدة طعنات متفرقة في الجسم باستخدام سلاح أبيض في محافظة الجيزة، حيث تبين بمقتل “بوسي.ع” (30 عامًا)، ربة منزل، بعدة طعنات متفرقه بالجسم من سلاح أبيض (سكين) على يد والدها “عماد .س” (70 عامًا) لشكه في سلوكها.
جرائم مجتمعية
وأصبحت الجرائم المجتمعية ظاهرة متفشية فلا يمر يوم دون توثيق إحداها ما بين قتل أو اغتصاب أو تحرش، أو ألفاظ نائية أو بلطجة، كل تلك الجرائم المجتمعية كنا لا نسمع عنه في الماضي بهذا الشكل الفج، ولكنها تزايدات منذ استيلاء عبدالفتاح السيسي على الحكم في البلاد.
أعادت هذه الجريمة فتح ملف الجرائم المجتمعية ومدى تأثير سياسة العسكر على تفشي تلك الجرائم، والتأثير الحقيقي الذي ينشره الإعلام الحكومي لرفض التسامح بالمطلق والتحريض المستمر على الدعاة، وسط تصاعد المخاوف من تسجيل مزيد من الجرائم، بما في ذلك الجرائم التي “تتخذ طابعا مركبّا” في طريقة ارتكابها وغير مسبوقة في الوقت ذاته.
وترتكز اتجاهات الدراسات بشأن الجرائم المجتمعية، إلى أن ارتكاب تلك الجرائم، تسبقه دوامة من العنف المسكوت عنه، فيما تتعالى اليوم دعوات المختصين لضرورة إجراء فحوصات تتعلق بالسلامة النفسية لمرتكبي جرائم العنف والقتل، وكذلك فحوصات تعاطي المخدرّات، للتوصل لمؤشرات “أكثر حسما” في قضية العنف المجتمعي وجرائم القتل ضد الضحايا من الأطفال والنساء.
ويقول الخبراء من الصعب القول بأن ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة قد تتم على يد شخص طبيعي أو ليس لديه ممارسات سابقة للعنف، بل هو ممارس معتاد على أعمال البلطجة وتعاطي المخدرات، متأثرًا بالتعمل الرخو من قبل الحكومة مع التصدي لهؤلاء المجرمين الذين اعتادوا على الإجرام وأن ما يرتكبوه من جرائم وهو شكل طبيعي لما وصل إليه الانحطاط المجتمعي ولم يكن وليد الصدفة.
تأثير انتشار المخدرات
قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي إن الجريمة البشعة تجسد نموذجًا من نماذج الانحدار الثقافي، وانتشار المخدرات المستحدثة ومنها تحديدًا مخدر شابو فودو كريستال، الذي يرفع الدوبامين في الدم مضيفًا أن هذا المخدر يؤثر على الأفكار، ويجعلها مرتبكة لا يمكن للعقل أن يسيطر عليها.
وقال إن الشاب القاتل وبسبب تناوله المخدر ربما سيطرت عليه هواجس العظمة أو الاضطهاد، فضلا عن هلاوس سمعية أو حسية أو بصرية واضطراب في التفكير جعله يرتكب جريمته دون وعي ودون قدرة على السيطرة على أفعاله.
سفاح الإسماعيلية
وكانت محكمة النقض المصرية قد أيدت في مايو الماضي، حكم الإعدام بحق سفاح الإسماعيلية، “عبد الرحمن نظمي” وشهرته عبد الرحمن دبور والذي ارتكب جريمة مماثلة.
وتعود الواقعة للأول من شهر نوفمبر من العام 2021، عندما تلقت النيابة العامة بلاغًا بقيام المتهم بقتل أحد أصدقائه، ذبحًا بسلاح أبيض أمام المارة بالطريق العام بالإسماعيلية، حيث نحر رقبته وفصلها عن جسده، وتجول بها في شارع طنطا بالمدينة.
حكم العسكر بيئة خصبة لتفشي الجرائم
ومع تساءل مصطفى بكري والإعلاميون الموالون للسيسي عن أسباب تفشي العنف في مصر إلى هذا الحد، أفلا يدركون أن النظام نفسه يقدم إبراهيم العرجاني و صبري نخنوخ باعتبارهم رموزاً للنجاح؟
ألم يتم الإفراج عن هشام طلعت مصطفى وعن ضابط أمن الدولة بعد قتل عشيقة هشام؟ ألم يُكرم قادة الجيش الممثل محمد رمضان كقدوة للشباب؟ ألم يشاهدوا ضباط الشرطة وأبناء رجال أعمال النظام لا ينالون أي عقوبة بعد قتل محتجزين أو بعد دهس أبرياء بسياراتهم؟ ألم يسمعوا الشيخ علي جمعة وأحمد موسى وهم يدعون علانية إلى تصفية المعارضين وإطلاق النار عليهم؟ ألم يروا كيف أُلقي القبض على أحمد قنصوة وأُودع السجن لمجرد مطالبته بحقه القانوني في الترشح للرئاسة؟ إن هذه التساؤلات ليست بحاجة إلى إجابة، فواقع الحال خير شاهد على الأسباب الحقيقية وراء انتشار العنف في مصر.
وكأن هناك من يتعمد دفع مصر نحو العنف والفوضى، فإغلاق كافة منافذ التغيير السلمي، وملاحقة النشطاء والمفكرين، مقابل منح المجال للمجرمين والفاسدين، كأمثال إبراهيم العرجاني لتأسيس أحزاب تحمل شعارات ورموزًا أشبه بالميليشيات المسلحة، هو بلا شك وصفة لخلق بيئة خصبة تدفع البعض للمطالبة بثورة مسلحة، على غرار أحمد المنصور.
المسار الذي يصر عليه السيسي، يقود البلاد بلا شك نحو هاوية خطيرة من العنف والانقسام، فهل آن الأوان لعقلاء المؤسسات السيادية أن يتدخلوا لوقف هذا المخطط الخطير؟ وهل يمكنهم التدخل لإنقاذ مصر من هذا المصير المظلم، وفتح أبواب التغيير السلمي الذي يحفظ أمن الوطن واستقراره؟.