في الأول من فبراير 2025، أصدر البيت الأبيض بيانًا رسميًا حول مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و المنقلب عبد الفتاح السيسي، ذكر فيه بوضوح أن السيسي هو من بادر بالاتصال.
ونشرت الرئاسة المصرية بيانًا قالت: إن “ترامب هو من اتصل بالسيسي، وهي سردية رغم بساطتها عند البعض إلا أنها تعكس فجور الكذب عند المتعاص”.
وقال مراقبون: إن “الاختلاف في سرد هوية المتصل الأول بين البيانين المصري والأمريكي ليس تفصيلاً بسيطًا، بل يعكس محاولة واضحة للتحكم في سردية الحدث، فعندما تقول الرئاسة المصرية إن ترامب هو من بادر بالاتصال، فإنها ترسل رسالة ضمنية للرأي العام بأن واشنطن هي الطرف الساعي لتعزيز العلاقات والتواصل مع القاهرة، ما قد يحمل أبعادًا دبلوماسية تهدف إلى تحسين صورة الإدارة المصرية داخليًا. في المقابل، يشير بيان البيت الأبيض إلى أن السيسي هو من بادر بالاتصال، وهو ما يضع المكالمة في سياق مختلف تمامًا، قد يوحي بأن القاهرة تسعى للتواصل مع واشنطن لمناقشة قضايا ملحة، خاصةً لعد تصريحات ترامب خلال الأسبوع الماضي عن أن مصر و الأردن سيستقبلان الفلسطينيين”.
الإعلامي حافظ المرازي عبر تويتر @HafezMirazi تساءل متعجبا “أيهما اتصل بالآخر؟ الرئيس الأمريكي أم المصري؟ ولماذا لم يشر بيان الرئاسة المصرية إلى رفض التهجير؟ بيان البيت الأبيض المقتضب لم يُشر بالمثل، لكنهما تركا الباب مفتوحا لإعلام أمريكي يؤكد انهما ناقشا ذلك!
اليوم، أصدرت الرئاسة المصرية بيانا من المتحدث الرسمي بالمكالمة التي جرت مساء السبت بين ال(…) المصري والأمريكي، ويستهل البيان بقوله:
“تلقى السيد … عبد الفتاح السيسي، مساء اليوم، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”
وأضاف “وكان بيانا طويلا مفصلا حتى بشأن التهاني لتنصيب ترمب ودعوته لحضور افتتاح المتحف المصري الكبير، مثلما تطرق لموضوعات هامة مثل تنفيذ مرحلتي اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وأهمية التوصل لسلام دائم في المنطقة، وأهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
لكن لا توجد اي إشارة في البيان لمطلب ترمب المتكرر علنا حتى يوم أمس بضرورة قبول مصر والأردن النازحين من غزة، أو حتى إشارة من البيان إلى الموقف المصري الذي أعلنه السيسي ضد التهجير، طالما أن البيان أشار إلى ترديد موقف ترمب الداعم للسلام الشامل”.
ولفت إلى أن بيان البيت الأبيض جاء أكثر اقتضابا، على غير العادة بشأن تفاصيل المكالمة، لكنه كان واضحا ومناقضا للبيان المصري بشأن من اتصل بالآخر:
“اليوم السبت، تلقى الرئيس دونالد ترمب مكالمة من … المصري عبدالفتاح السيسي”.
وعن الملحوظة الثانية، قال: “رغم اقتضاب البيان الأمريكي، تتعلق بموضوع سد النهضة، فبينما اكتفى البيان المصري بعدم ذكره بالاسم مكتفيا بأنهما ناقشا التعاون في مجال الأمن المائي، بينما ذكره البيان الأمريكي صراحة، وناقشا سد النهضة الإثيوبي الكبير، فيما عدا ذلك فلا توجد أي إشارة لغزة سوى الإشادة بدور مصر الهام في الإفراج عن الرهائن من غزة، أو تهجير أو غيره.
وأضاف “من الممكن في ظروف سياسية ودبلوماسية أخرى تلافي ذكر القضايا الخلافية، لكن مع ترمب الذي واصل إحراج الرئاسة المصرية يوميا، وحتى لا تفتح مصر الباب لنظريات المؤامرة بأن الموضوع يُعالج في الكتمان، بينما هي حشدت الآلاف من المتظاهرين عند معبر رفح لإعلان مطلب شعبي، فربما ستحتاج إلى بيان لاحق أو تصريحات أوضح من السيسي.
ورأى أن السبب في أن السكوت ليس علامة الأدب ويجب إلا يُفسر بعلامة الرضا أو القبول، أنه حتى قبل أن يصدر البيت الأبيض بيانه المقتضب، كتب عن المكالمة الصحفي الأمريكي الإسرائيلي باراك رافيد، المعروف بصلاته القوية بكبار مسئولي الدولتين ونقل عن ترمب حصريا في كتاب له من قبل شتيمة لنتنياهو، موضحا أن باراك نشر بموقع أكسيوس Axios خبرا عن مكالمة السيسي ترامب اليوم بعنوان: ترمب تحدث مع (…) المصري عن خطة إزاحة الفلسطينيين من غزة، وقال: إنها لإعادة إعمار القطاع، كما سبق للموقع التحدث مع ستيف وتكوف مبعوث ترمب للشرق الأوسط وقال لهم إن إعمار غزة قد يستغرق من عشر سنين إلى 15.
وتوصل الميرازي إلى أنه وبما أن ترمب “بجح” في استعراض قوته خصوصا على الدول التي يعتبرها محتاجة له، كما انه بالعامية المصرية: “ماتتبلش في بقه فولة” فلا نملك سوى انتظار إجاباته على الصحفيين مستقبلا ومعرفة ماسيفسر عنه لقاؤه الأهم مع نتنياهو الذي حظا بأول زيارة لرئيس دولة حليف أمريكي، دون أن يدفع أي مقابل لذلك، بينما ربما سيعود من واشنطن بالكثير من مليارات المتطلعين زيارة القيصر الأمريكي”.
https://x.com/HafezMirazi/status/1885779518323085653
وفي تقرير آخر رأى أن أخطر ما في التباين بين البيانين الرسميين هو تجاهل مسألة مقترح نقل سكان غزة إلى مصر، وهي نقطة حساسة كشفها تقرير أكسيوس لكنها غابت تمامًا عن البيانين المصري والأمريكي، عدم الإشارة إلى هذا الموضوع في التصريحات الرسمية يطرح عدة احتمالات:
١- إنكار رسمي لتجنب غضب الشارع المصري والفلسطيني، أي إعلان رسمي عن قبول مصر بمثل هذا الطرح قد يؤدي إلى موجة غضب داخلية، خاصة مع تصاعد الحساسية تجاه أي محاولة لتوطين الفلسطينيين خارج أراضيهم.
٢- اتفاق غير معلن بين الطرفين: قد يكون هناك تفاهمات غير معلنة بين القاهرة وواشنطن بشأن ترتيبات معينة تخص غزة، سواء كانت تتعلق بتهجير السكان أو بإجراءات أخرى مرتبطة بالملف الفلسطيني، مع تفضيل إبقاء الأمر طي الكتمان حتى تتضح معالمه أكثر.
٣- ضغط أمريكي وإسرائيلي على مصر لقبول الخطة: في حال كان نقل سكان غزة إلى سيناء جزءًا من مقترح أمريكي – إسرائيلي، فإن غياب هذه النقطة عن البيان المصري قد يكون تجنبًا لإحراج النظام المصري أو للتفاوض على مكاسب مقابل أي دور مستقبلي في هذا الملف.
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، قد يكون من المنطقي التساؤل عما إذا كانت هناك صفقة غير معلنة تتعلق بتقديم واشنطن أو المؤسسات المالية الدولية تسهيلات مالية أو تخفيف أعباء الديون المصرية مقابل قبول القاهرة بتفاهمات إقليمية معينة، مثل استيعاب سكان من غزة، الأزمة الاقتصادية المصرية تدفع النظام للبحث عن حلول خارجية، وربما تكون هذه الترتيبات جزءًا من صفقة أكبر تشمل دعمًا اقتصاديًا مقابل تنازلات سياسية أو أمنية.
تقرير ثالث
و في سياق آخر وفقًا لتقرير نشره العربي الجديد في 2 فبراير 2025، قام مسؤول رفيع المستوى من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة القاهرة الأسبوع الماضي، حيث عقد اجتماعات منفصلة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ورئيس المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، تناولت هذه الاجتماعات مقترحًا أمريكيًا لنقل سكان غزة إلى مصر، بالإضافة إلى مناقشة أزمة سد النهضة الإثيوبي، وأفادت المصادر أن المبعوث الأمريكي ألمح إلى أن تدخل الولايات المتحدة لحل أزمة السد قد يكون مشروطًا بتعاون مصر في مسألة نقل سكان غزة، ورغم هذه الضغوط، أعرب المسؤولون المصريون عن رفضهم القاطع للمقترح الأمريكي، مشيرين إلى التحديات الكبيرة والتداعيات الخطيرة التي قد تنجم عنه، ومؤكدين صعوبة تنفيذه.
ورأى أن المثير للاهتمام أن بيان البيت الأبيض حول مكالمة ترامب والسيسي أشار إلى أن قضية سد النهضة كانت ضمن المواضيع التي تم بحثها بين الاثنين، بينما تجاهل البيان المصري ذكر أي إشارة لهذا الملف، هذا التباين يعزز الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن تستخدم أزمة السد كورقة ضغط على مصر لدفعها إلى قبول ترتيبات إقليمية معينة، مثل نقل سكان غزة، أو إذا كانت هناك تفاهمات غير معلنة بين الجانبين بشأن هذا الملف الحساس. غياب ذكر سد النهضة في البيان المصري قد يكون محاولة لتجنب إثارة الجدل الداخلي، أو نتيجة لرغبة القاهرة في عدم إظهار أن هذا الملف بات خاضعًا لتأثير مباشر من الضغوط الأمريكية.
وأوضح أن التناقضات في البيانات الرسمية حول مكالمة ترامب والسيسي تسلط الضوء على مشكلة أوسع تتعلق بغياب الشفافية في نقل الأحداث الدبلوماسية المهمة، التلاعب في تفاصيل من بادر بالاتصال، والتجاهل التام لمسألة نقل سكان غزة، يعكس أزمة ثقة بين الحكومات وشعوبها، حيث يتم حجب المعلومات أو إعادة صياغتها بما يخدم المصالح السياسية لكل طرف.
وخلص التقرير إلى أن السؤال الأهم يبقى، هل ما يحدث مجرد اختلاف في الصياغة الدبلوماسية، أم أن هناك تفاهمات سرية قد تتكشف مع مرور الوقت؟.