بقلم: سامح راشد
مع بدء تنفيذ اتفاق التبادل بين حركة حماس وإسرائيل، تصاعد مجدّداً الحديث عن “اليوم التالي” في غزّة، بما يتضمّنه من ملفّات مستقبلية كثيرة، لعلّ أهمها إعادة الإعمار وهويَّة من سيدير الحكم في القطاع، ومآلات خطّة “تصدير” فلسطينيي غزّة إلى مصر والأردن، وربّما إلى غيرهما أيضاً، غير أن أحداً لم يلتفت إلى المرحلة الحالية، التي لا يزال الاتفاق قيد التنفيذ خلالها، وتتضمّن ملفّات شائكة، من شأنها التأثير مباشرة في المستقبل، ما يمكن أن نسمّيه جدلية “اليوم الحالي” و”اليوم التالي”.
فرغم أن ما يقرب من نصف مليون غزّي سطّروا مشهداً رائعاً في الولاء لأرضهم وبيوتهم، التي تهدّمت لكنّها باقية في قلوبهم، يصرّ دونالد ترامب على أن خطّة التهجير وطرد سكّان غزّة خارجها هو الحلّ للتخلّص من صداع غزّة، وتأمين إسرائيل من تهديدات المقاومة، وهنا يظهر الارتباط العضوي بين الوضع الراهن وذاك المستقبلي؛ فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ستستغرق إعادة الإعمار من 10 إلى 15 عاماً، فإن واجب اللحظة استيفاء متطلّبات تأمين أوضاع الفلسطينيين وحياتهم اليومية، وتوفير الخدمات الأساسية، فضلاً عن أماكنَ للإيواء والسكن المؤقّت، وهي استحقاقات أساسية عاجلة لا بدّ من التصدّي لها، وإلا، ربّما تضطر أعداد من الفلسطينيين تقلّ أو تكثر إلى الخروج، والبحث عن حياة أفضل في أماكن أخرى.
من ملفّات “اليوم الحالي” أيضاً، آلية إدارة معبر رفح والأطراف المنخرطة فيها، صحيح أن الاتحاد الأوروبي عاد ليشارك في إدارة المعبر، لكنّ الأوروبيين اشترطوا ألا تكون حركة حماس طرفاً في آلية عمل المعبر، بالإضافة إلى ضمانات بأمن وسلامة العناصر الأوروبيين المشاركين، وليس من الواضح كيف ستُستبعَد “حماس” كلّية، بينما هي لا تزال تسيطر على الأرض في القطاع، ومنتشرة في كلّ مكان فيه، أمنياً وإدارياً، وسياسياً بالطبع. وفي هذا الخصوص، تبنّت “حماس” خطاباً إيجابياً تجاه السلطة، ومستقبل الحكم في غزّة، لكن يصعب التعويل على الخطاب الحمساوي في ظلّ سيطرتها الميدانية رفقة فصائل المقاومة الأخرى. ويؤثّر هذا الوضع بشكل مباشر في عملية توزيع المساعدات، وتشغيل المؤسّسات الخدمية الحيوية، كالمشافي والمدارس، الأمر الذي قد يتحوّل إلى قنبلةٍ موقوتةٍ في أيّ لحظة.
للاستحقاقات والملفّات العاجلة كلّها امتدادات لاحقة تتعلّق بالمستقبل و”اليوم التالي” ولعلّ هذا التقاطع والارتباط، هو السبب الجوهري في حيرة وارتباك مختلف الأطراف حالياً، خاصّةً أن اتفاق التبادل المبرم ليس واضحاً بشكل كامل، بل سيُتفاوض حول مرحلتيه الثانية والثالثة، وإضافة إلى ما لدى مصر وقطر والولايات المتحدة من حرص على إكمال الاتفاق، وإتمام تنفيذه كاملاً، تشكّل الملفّات العاجلة والترتيبات المرحلية ألغاماً ينبغي التعامل معها بدقّة بالغة وعقلانية، وكان بإمكان الاجتماع الوزاري العربي، الذي استضافته القاهرة أول من أمس السبت، الخروج بنتائج أكثر عملية وحزماً، لولا تباين الحسابات والأهداف بين طرف وآخر. فبينما تُعدّ كلٌّ من مصر والأردن الطرفَين الأكثر تأثّراً بأيّ تطوّر في القضية الفلسطينية، إيجاباً وسلباً، للإمارات والسعودية حسابات مختلفة، للإمارات علاقات وثيقة وتنسيق عالي المستوى مع تلّ أبيب، بينما الرياض تترقّب التطوّرات، وتواجه ضغوطاً أميركية من أجل التطبيع مع إسرائيل. وكلاهما (إضافة إلى قطر) لديهما أوراق قوية في الملفّات الحالية والمستقبلية، وتحديداً ورقة التمويل.
ورغم أن الاجتماع لم يسفر عن نتائجَ عمليةٍ أو خططٍ واضحةٍ للتعاطي مع “اليوم التالي”، ولا حتى “اليوم الحالي”، إلا أن الدور العربي الجماعي لا يزال مطلوباً وممكناً، إذ ستنعقد القمة العربية قريباً في العراق، ومن المتيسّر تكليف جامعة الدول العربية مهمّة التنسيق بشأن القضايا والاستحقاقات العاجلة والآجلة، غير أن هذا كلّه مشروط بتوافر إرادة عربية لمواجهة مخطّط التهجير، وتعجيل إعادة الإعمار، واستدراك أوضاع فلسطينيي غزّة الراهنة المتردّية.