ملف إعادة إعمار غزة يتصدر المشهد الفلسطيني، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية حماس ودولة الاحتلال الصهيوني، وسط حجم هائل من الدمار الذي طال المباني السكنية والبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.
ورغم أن الأمور من المفترض أن تتجه إلى إعادة الإعمار، إلا أن هذا الملف يواجه تحديات كبيرة، حيث يسعى نتنياهو إلى استئناف الحرب بعد انتهاء صفقة تسليم الرهائن في حين يعمل الرئيس الأمريكي ترامب على تهجير الفلسطينيين .
ومن أهم التحديات التي تواجه إعادة إعمار قطاع غزة أن تكلفة هذا العمل تصل إلى أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها حرب الإبادة الصهيونية التي استمرت أكثر من 15 شهرا .
80 مليار دولار
كانت شبكة بلومبيرج الأمريكية قد نقلت في أغسطس 2024، عن خبراء أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها الحرب التي استمرت أكثر من 15 شهرا.
وأكد دانييل إيغل كبير الاقتصاديين في مؤسسة “راند” البحثية ومقرها كاليفورنيا، في تصريحات الشبكة أن إعادة بناء غزة قد تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إذا أخذنا في الاعتبار النفقات المخفية مثل التأثير طويل الأجل لسوق العمل المدمر، بسبب الموت والإصابة والصدمات .
وقال إيفل: إن “الأنقاض تكفي لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وقد يستغرق إزالة كل تلك الأنقاض سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار”.
فيما قدّر كل من البنك الدولي والأمم المتحدة في تقرير سابق تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة بنحو 18.5 مليار دولار بين أكتوبر 2023 ويناير 2024.
إزالة الأنقاض
في هذا السياق قالت الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي: إن “إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه العدوان الصهيوني قد تستغرق سنوات وتكلف 1.2 مليار دولار” .
وأشارت الأمم المتحدة في تقرير لها إلى أن الأمر سيستغرق 14 عاماً لإزالة الأنقاض، إذ قدرت وزارة الصحة الفلسطينية في مايو الماضى، أن هناك نحو 10 آلاف جثة تحت الركام.
وبخصوص الوحدات السكنية، كشف التقرير عن تهدم ما مجموعه 245.123 شقة فردية، موضحا أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد تستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود.
ولفت إلى أنه وفقاً لبيانات الأقمار الاصطناعية في ديسمبر الماضى، فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، ما يعادل أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض، وهو ما يمثل نحو 69% من إجمالي مباني القطاع.
وأكد التقرير أن أكثر من 1.8 مليون شخص في قطاع غزة يحتاجون حاليًا إلى مأوى طارئ، لافتا إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير 2024، وأثرت على المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
وكشف أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، فيما تعرض ما لا يقل عن 68% من شبكة الطرق لأضرار بالغة.
القطاع الزراعي
وفي القطاع الزراعي، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها الأمم المتحدة أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تدهورت بسبب الصراع، بجانب تدمير البساتين والمحاصيل الحقلية والخضراوات في القطاع ما أدى إلى انتشار الجوع على نطاق واسع بعد 15 شهراً من العدوان.
وأكد التقرير أن 15 ألف رأس من الماشية، أو أكثر من 95% من إجمالي الماشية، ونحو نصف الأغنام، ذبحت أو نفقت منذ بدء الصراع.
وبالنسبة للمؤسسات، كشفت البيانات الفلسطينية أن الصراع أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجداً وثلاث كنائس.
وأكدت أن العديد من المستشفيات تهدمت أثناء العدوان، حيث لم تعد تعمل سوى 17 وحدة فقط، من أصل 36 وحدة وبصورة جزئية، مشيرة إلى أن إعادة بناء النظام الصحي في قطاع غزة خلال السنوات المقبلة يتطلّب 10 مليارات دولار.
عقبات جوهرية
من جانبه أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أن صورة الواقع في قطاع غزة مظلمة، محذرًا من أن الاحتلال الصهيوني لا يزال يسير وفق استراتيجية تستهدف فرض سيطرته على الضفة الغربية، مستغلًا الدعم الأمريكي وتغيّرات المشهد الدولي.
وقال الرقب في تصريحات صحفية: إن “ملف إعادة الإعمار يواجه عقبات جوهرية، ليس فقط من حيث آليات التمويل والإشراف، بل أيضًا بسبب الهيمنة الصهيونية على المعابر والمساعدات، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال والولايات المتحدة تتبعان نهجًا يقوم على المراوغة فيما يتعلق باتفاق الهدنة، حيث يقتصر هدفهما الأساسي على استعادة أسراهما قبل استئناف العمليات العسكرية”.
وأشار إلى أن فصائل المقاومة حرصت على وجود ثلاثة أطراف ضامنة للاتفاق، هي مصر وقطر والولايات المتحدة، إلا أن المخاوف من خرق الاتفاق لا تزال قائمة، خاصة بعد انتهاء المرحلة الثانية من الصفقة، إذ من المحتمل بنسبة 50% أن تعود الاعتداءات على الفلسطينيين مجددًا.
وأضاف الرقب أن جهود إعادة إعمار غزة تواجه تحديات كبيرة، حيث لا تقتصر العقبات على التصورات السياسية التي تروج لها إدارة دونالد ترامب، مثل الادعاءات حول إجلاء سكان غزة بشكل مؤقت ثم إعادتهم بعد ترميمها، وهو أمر غير واقعي يدرك القائمون عليه حقيقته، بل إن المخاطر تمتد إلى الجانب الأمني أيضًا.
وأوضح أن عملية إزالة الركام تنطوي على أخطار كبيرة بسبب الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها الاعتداءات الصهيونية مستشهدًا بحادث انفجار أحد الصواريخ أثناء إزالة الأنقاض، ما أدى إلى استشهاد أحد الفلسطينيين أثناء العمل.
وأكد الرقب أن هناك عقبة أخرى تعترض مسار إعادة الإعمار، تتمثل في ضرورة تنسيق أي مساعدات مالية أو مواد بناء مع سلطات الاحتلال ، التي تتحكم في إدخال المعدات اللازمة عبر المعابر، وحتى في حال انعقاد مؤتمر دولي لحشد دعم مالي سخي من الدول العربية والأوروبية والآسيوية والدول الصديقة، فإن تنفيذ الخطط يظل رهنًا بموافقة الاحتلال، مما يجعل الصورة العامة غير واضحة حتى الآن.