بعد فنكوش السيسي بـ”مدينة الأثاث”…الموبيليا الصيني تغزو دمياط وسط عجز الحكومة عن دعم الإنتاج المحلي

- ‎فيتقارير

 

بعد سنوات من العمل والإنتاج وتسجيل صفر بطالة بين أبنائها، عبر عقود من الزمن، تقف قلعة صناعة الأثاث في دمياط عاطلة عن العمل والإنتاج والتصدير، بل باتت تستقبل الإنتاج الصيني لتبيعه في أرض الأثاث، مؤكدة أن الانقلاب إذا دخل بخيول الاستبداد مكانا إلا خرّبه وجعل أهله أذلة بلا عمل بل وبلا قدرة على الإنتاج.

فوفق تقارير اقتصادية، فقد غزت الفترة الأخيرة المنتجات الخشبية الصينية دمياط، وصارت تهدد مستقبلها كأكبر منطقة متخصصة في صناعة الأثاث ذات السمعة الرفيعة في مصر والشرق الأوسط، ويجري الغزو عبر تحالف موزعين محليين مع شركاء صينيين يتولون جلب منتجات صينية جاهزة رخيصة الثمن، يجري تجميعها في مراكز فنية متخصصة بعدة مدن، وترويجها بكثافة في كافة الأسواق المحلية.

 وبحسب عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأخشاب علاء نصر الدين، فإن انتشار الأثاث الصيني المستورد، أصبح أكبر عقبة تهدد المنتج المحلي من صناعة الموبيليا ومنتجات المكاتب والمفروشات الخشبية، لاعتماده على الماكينات الحديثة والصناعات كثيفة الإنتاج والأخشاب منخفضة الجودة وتقليل تكلفة التشغيل والإنتاج، لافتاً إلى أنه أصبح جاذباً للمستهلكين الباحثين عن السعر، بغض الطرف عن جودة المنتج.

وهو ما يحيل آلاف المنتجين والمصنعين في دمياط الى التقاعد، لعدم امتلاكهم الماكينات الحديثة، وتجاهل الحكومة لمطالبهم، بتوفير وسائل الإنتاج الحديثة، التي تشهد صعوداً هائلاً في سعرها، خاصة ماكينات الليزر، وتأسيس شركات متخصصة لدراسة الأسواق الخارجية، ووضع دراسة دقيقة تساهم في رفع معدلات التسويق للأثاث المصري، على أن يمنح صغار الحرفيين نسبة من أسهم تلك الشركات لضمان مشاركتهم في اتخاذ القرارات المرتبطة بأعمالهم.

ويواجه قطاع صناعة الأثاث تحديات كبيرة تؤثر على تطويره، في ظل ارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة أجور العمالة اليومية والشهرية، وزيادة تكاليف المعدات ومستلزمات التشغيل من كهرباء ونقل، ناهيك عن ضعف استراتيجيات التسويق، التي تغلب عليها العشوائية، بالإضافة إلى عدم إدخال التكنولوجيا الحديثة في عمليات التصميم والإنتاج، لمواكبة التطورات الصناعية العالمية.

ووفق تجار، فقد ترجع الطلب المحلي على الأثاث، متأثراً بحالة الركود الاقتصادي، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين التي تدفعهم للبحث عن المنتج الرخيص، بما يؤثر سلباً على المصنعين وقدرتهم على المنافسة الشديدة التي تتبعها الشركات الصينية والأجنبية مع المنتجات المحلية.

 وارتفعت أسعار الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنسبة 21.5%  في يناير الماضي، مقارنة بنفس الشهر من عام 2024، بينما بلغ معدل التضخم السنوي 23.2%  على أساس سنوي، علاوة على الفوائد البنكية المتزايدة التي تؤرق أي مصنّع أو مُنتج، في ظل تعطل مبادرة البنك المركزي لتمويل المشروعات الصناعية بفائدة منخفضة، ممولة من وزارة المالية، التي ربطها بحجم إنتاج يتراوح بين 50  مليون جنيه إلى 100 مليون  للشركة، وهو ما تتسبب في حرمان المصانع الصغيرة من الاستفادة منها، خاصة التي تتجه إلى الإنتاج الكثيف الموجه للتصدير، في ظل تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع القيمة الاسمية للمبيعات.

 مدينة الأثاث بلا دراسة جدوى

 وتواجه مدينة دمياط، المعروفة شعبياً بـ”قلعة الموبيليا” بالأساس أزمة حادة منذ سنوات، بسبب القيود الشديدة التي فرضتها الإدارات الحكومية على تشغيل “الورش” الصناعية في المناطق السكنية، وقامت ببناء مدينة جديدة للمصنعين في دمياط الجديدة ، بدون دراسة فنية لطبيعة تشغيل الحرفيين وتكامل عمليات الإنتاج، مع فرض ضرائب هائلة، وقيود بيروقراطية، دفعت المصنعين إلى هجرتها بعد عدة أشهر من تشغليها عام 2018، والعودة لدمياط القديمة أو تقليص أنشطتهم.

 والغريب أنه في ظل تلك الظروف، فإن كثيرا من المصنعين واصحاب المصانع والورش في دمياط باتوا يعملون لدى الصينيين ويقومون بتجميع الأثاث لحسابهم ، بسبب زيادة الطلب والدفع الفوري للصفقات من جانب الشركات الصينية، وقدرتها على تسويق المنتج وتوصيله للعملاء في نيجيريا ودبي وأسواق الخليج بسهولة، في حين تواجه الشركات المصرية صعوبات هائلة في تسويق المنتج..

ويوفر الجانب الصيني قدرات تكنولوجية كبيرة، في تشطيب المنتجات بأفران طلاء حديثة وتوفير أوراق الذهب عيار 24 و18 قيراطا للمنتجات التي تحتاج إلى كميات هائلة منه غير متوافرة حالياً بالأسواق المحلية.

وهكذا تفقد دمياط وصناعاتها الممتدة عبر التاريخ موقعها ومكانتها، بسبب العقلية العسكرية الحاكمة لمصر، التي لا ترى في الصناعة المحلية والإنتاج إلا عبئا على الدولة تريد التخلص منها، ولا تريد أن تتحمل تقديم قروض وتمويلات للمصنعيين المحليين وتتركهم لعواصف الأسواق العالمية تتحكم بهم.