عادل الأنصاري يكتب / السودان .. حكومة المنفى والوقت الضائع

- ‎فيمقالات

عادل الأنصاري

استضافت العاصمة الكينية نيروبي خلال الأيام الماضية اجتماعات لقيادات ميليشيا الدعم السريع، مدعومة ببعض القوى السياسية، بهدف تشكيل حكومة موازية في المنفى، وهو ما اعتبرته السودان انتهاكًا لسيادة الدولة وتهديدًا لأمنها القومي.

والحقيقة أن العلاقة بين السودان وكينيا مرت بمنحنيات تاريخية تركت آثارها الواضحة على وحدة السودان، حيث قامت كينيا بدور مؤثر خلال المرحلة الانتقالية من 2005 وحتى 2011، التي نصت عليها اتفاقية نيفاشا، وترتب عليها فصل جنوب السودان عن شماله، ودفعت كينيا باتجاه الانفصال وقدمت الدعم العسكري لجنوب السودان تمهيدًا لبناء تحالف اقتصادي استراتيجي معه والاستفادة من بتروله عقب الانفصال في 9 يوليو 2011.

ومع تسارع وتيرة الحرب الدائرة في السودان منذ 2023، تعاظمت التدخلات الإقليمية والدولية، لتشكل عاملًا حاسمًا وواضحًا في معادلة القوة في المعركة، وكان لكينيا نصيب وافر من هذه التدخلات التي تتزامن مع رغبة إقليمية ودولية في تقسيم ما هو مقسم في السودان.

وبالنظر إلى المتغيرات على خريطة الحراك العسكري خلال هذه المرحلة، يتبين أن كفة الجيش السوداني باتت راجحة، وسط تراجع واضح لقوات الدعم السريع وانسحابها من مساحات كبيرة ظلت تحت سيطرتها لأكثر من عام، بما فيها العاصمة الخرطوم.

ولعل التقدم الذي أحرزه الجيش في الخرطوم وحصاره للقصر الجمهوري، الذي كان تحت سيطرة كاملة للدعم السريع، يعد المظهر الأبرز لاقتراب الجيش من مرحلة الحسم واستعادة العاصمة من جديد، رغم العديد من التحديات التي ما زالت وستظل لفترة طويلة تعرقل الوصول إلى حالة من الاستقرار.

وبالعودة إلى تحركات الدعم السريع بالتنسيق مع كينيا لتشكيل حكومة في المنفى، نجد أن هذه الخطوة – وسط المتغيرات الميدانية – تأتي متأخرة بعد خسارة قوات الدعم السريع للعاصمة الخرطوم، التي كانت تراهن على البقاء فيها وإعلان حكومتها منها، وهو ما دفعها للبحث عن بديل يمكن الانطلاق منه، فوجدت ضالتها في حكومة منفى بالخارج.

وبالرغم من خطورة تشكيل حكومة في المنفى باعتبارها منطلقًا لتقسيم السودان، إلا أن فرص نجاح هذه الحكومة – إن تشكلت – لن تكون ذات أهمية كبيرة، حيث إن الحسم العسكري سيكون له النصيب الأوفر في ميزان القوى على الأرض، ومن ثم فإن محاولات تشكيل حكومة منفى جاءت في وقت متأخر، وخارج السياق الزمني الذي يمكن أن يحقق مزيدًا من التقسيم، خاصة إذا تزامن الحسم العسكري مع حراك سياسي دولي وإقليمي يجهض هذه المحاولات.

وفي كل الأحوال، سيظل شبح التقسيم قائمًا ومستمراً، ومرهونًا بالمواقف الدولية والإقليمية وحجم تدخلاتها، بالإضافة إلى الوزن النسبي لحاجة القوى الكبرى إلى الوصول إلى حالة تشظٍّ جديدة وعاجلة في المنطقة، ومدى قدرة الحكومة السودانية على توفير حراك سياسي يساند وحدة السودان وسلامة أراضيه.