تصفية الشركات المملوكة لدولة العسكر وبيعها بتراب الفلوس، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي أصبح هدفا تعمل على تنفيذه حكومة الانقلاب بوسائل عديدة تقوم على التحايل على القوانين وإخفاء تفاصيل عمليات البيع، ما يؤكد أن هناك فساد “تحت الترابيزة” تمارسه عصابة العسكر وهو ما يشير إلى أن البيع ليس لصالح الشعب المصري، وإنما لمصالحها الشخصية ولمصالح داعمي الانقلاب في دول الخليج خاصة عيال زايد في الإمارات.
كانت مصادر بحكومة الانقلاب قد كشفت منذ أواخر العام الماضي، عن نقل ملكية عدد من الشركات المملوكة لحكومة الانقلاب إلى ما يسمى بالصندوق السيادي المصري خلال العام 2025، في إطار التزاماتها مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط بيع حصص في الشركات الحكومية، سواء المملوكة كليًا أو جزئيًا، بزعم تحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص.
كان مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب قد أعلن في ديسمبر الماضي، عن طرح حصص في ما لا يقل عن عشر شركات مملوكة لدولة العسكر خلال العام 2025، عبر عروض عامة أو لمستثمرين استراتيجيين.
تشمل القائمة شركات مثل مصر للمستحضرات الطبية، وتنمية الصناعات الكيماوية (سيد) للأدوية، والأمل الشريف للبلاستيك، ومحطة جبل الزيت لطاقة الرياح، إلى جانب بنكي القاهرة والإسكندرية، كما تتضمن الخطة طرح “وطنية” و”صافي”، التابعتين للقوات المسلحة، في البورصة المصرية بحلول منتصف 2025، بالإضافة إلى “سايلو فودز” و”تشيل أوت”، المقرر طرحهما نهاية العام الجاري.
بالتوازي مع ذلك، تستعد حكومة الانقلاب لنقل ملكية عدد من الشركات إلى الصندوق السيادي المصري خلال الربع الثاني من العام الحالي، تمهيدًا لطرحها على المستثمرين.
الصندوق السيادي
في هذا السياق كشفت تقارير اقتصادية أن حكومة الانقلاب تستهدف نقل 370 شركة إلى الصندوق السيادي كمرحلة أولى، مع التركيز على الشركات الرابحة خلال العام المالي 2024/2025 والتي تتمتع بهياكل ملكية بسيطة، مع استبعاد الشركات التي تتشابك ملكيتها بين الجهات الحكومية والبنوك، أو التي تمتلك أصولًا معقدة.
وأشارت التقارير إلى أنه من المقرر أن يبدأ الصندوق بضم الشركات الصناعية، خاصة تلك العاملة في الصناعات التحويلية الداعمة للقطاعات الإنتاجية، على أن تأتي الشركات العقارية، التي تمتلك مساحات واسعة من الأراضي غير المستغلة، في المرتبة التالية، فيما قد تخضع الشركات الحكومية الخاسرة، البالغ عددها 138 شركة، لعمليات إعادة هيكلة أو تغيير نشاطها في مرحلة لاحقة.
وأوضحت أنه خلال الفترة من مارس 2022 حتى ديسمبر 2024، نفذت حكومة الانقلاب 34 عملية طرح ضمن برنامج الطروحات الحكومية، شملت تخارجًا كليًا أو جزئيًا من شركات مملوكة دولة العسكر، وأسفرت عن جمع أكثر من 30 مليار دولار.
وتوقعت التقارير أن يشهد العام الجاري رقمًا قياسيًا من الطروحات الأولية في البورصة المصرية، سواء من خلال الطروحات الحكومية أو الخاصة، ضمن خطة تستهدف تنشيط السوق، وزيادة الشركات المدرجة، وتعزيز رأس المال السوقي للبورصة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وفق مزاعم حكومة الانقلاب .
فوق المحاسبة
حول سياسات حكومة الانقلاب في بيع الشركات قال الباحث السياسي، الدكتور عمار علي حسن: إن “تلك الإجراءات تزاوج بين التأميم لصالح سلطات الانقلاب وليس الشعب، وبين الخصخصة التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة، مؤكدا أن صندوق مصر السيادي يخضع لقانون يجعله فوق المحاسبة والمراقبة، مما يعني بيع الشركات المملوكة لدولة العسكر بعد نقلها للصندوق، ولا يحق للمصريين، وفقًا لقانون الصندوق، معرفة قيمة الصفقة وكيفية البيع ومعرفة المشتري أو الطعن على العقود، أو محاسبة من قام بالبيع إذا ثبت أنه ليس مربحًا لمصر”.
وأكد حسن في تصريحات صحفية أن صفقات خصخصة الشركات التي كانت تتم في عهد المخلوع حسني مبارك، كانت تتخللها رشاوي وفساد عريض، ما جعل عمليات البيع تتم بأسعار زهيدة، لكن حصيلة البيع كانت تذهب إلى الموازنة العامة، أما الآن فإن حصيلة البيع تذهب إلى هذا الصندوق الذي لديه توجهات مختلفة .
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي يريد أن تتوسع حكومة الانقلاب في الخصخصة وإعطاء القطاع الخاص فرصة في النشاط الاقتصادي في الدولة ، لكنه لم يحدد طريقة البيع، مؤكدا أن سلطات الانقلاب هي التي تحدد طريقة البيع عن طريق النقل إلى الصندوق بالخروج على القوانين العامة إلى قانون الصندوق الخاص، وهي إجراءات لم تعرف لها الدولة المصرية مثيلًا سواء في زمن الاشتراكية إبان عهد جمال عبد الناصر، أو الانفتاح في زمن أنور السادات، أو الخصخصة في أيام مبارك.
المال العام
وقال محمد رمضان، باحث اقتصادي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: إنه “في عمليات البيع السابقة للصناديق الخارجية، كان الصندوق السيادي يقوم بدور البائع يقوم بتجنيب المستثمرين الأجانب عقبات البيروقراطية، لأن الرقابة عليه أقل ويحكمه قانون مختلف، مشيرا إلى أن الصندوق لعب دور الوسيط فى عمليات بيع الأصول لدول الخليج، إضافة إلى قيامه بالتحصيل القانوني للعقود”.
واعتبر رمضان في تصريحات صحفية أن الدور الرئيسي الذي يلعبه الصندوق السيادي هو حل المشكلة القانونية المرتبطة بتعريف المال العام ومن الذي يحق له البيع؟، وتقييمات الصفقة، ويتركز عمله على نقل الملكيات العامة له، كي لا تصبح مالا عاما، بحكم القانون، لتكون العقود مع المستثمرين محصنة بالقانون، مما يجنبهم عمليات الاعتراض على البيع، لافتا إلى أن مصر لها تاريخ طويل من تلك الاعتراضات ولا سيما في القضاء الإداري.
وأشار إلى أن حكومة الانقلاب مستمرة في عمليات بيع الأصول؛ ففي وثيقة ملكية دولة العسكر هناك نحو 39 شركة ضمن برنامج الأطروحات الذي تمت الموافقة عليه في عام 2016، وتم تجديد الاتفاق على تجديد تلك الأطروحات، ويتفق ذلك مع توجيهات صندوق النقد الدولي بتوسيع نطاق عمل القطاع الخاص، متوقعا أن تؤثر عمليات بيع الشركات بالسلب على حقوق العمال، الذين يتمتعون بأجور أعلى وظروف عمل أفضل مما يحصل عليه نظراؤهم في القطاع الخاص، فقد يلجأ المستثمرون إلى إعادة الهيكلة للشركات وتسريح العمالة.
وأكد رمضان أن عدد الشركات المملوكة لدولة العسكر والذي يتجاوز الـ700 شركة، هو رقم كبير، ويصعب نقلها للصندوق وتغطية أطروحاتها، متساءلًا: هل سيدفع الصندوق للوزارات المالكة لها، أولًا؟، أم سينتظر حتى تتم عملية البيع ثم يقوم بتوريد حصيلة البيع؟، وأين ستذهب عوائد تلك الصفقات؟ .
وأوضح أن نظام الانقلاب لديه بالفعل قوانين للخصخصة، إلا أن هناك شيئا غير مفهوم يتعلق بتلك القوانين، يجعل من البيع عن طريق الصندوق السيادي أفضل من البيع عن طريق الوزارات والهيئات الحكومية للمستثمرين مباشرة.