رغم تصاعد البلاغات الحقوقية حول انتهاكات مروعة داخل سجون الانقلاب يواصل نظام المنقلب السفاح السيسى، إنكار ما يجري خلف الأسوار، متجاهلاً ما ترصده المنظمات الحقوقية من وفيات نتيجة الإهمال الطبي، ومحاولات انتحار، واستغاثات متكررة من معتقلين سياسيين.
ففي أحدث حلقة من هذا الإنكار، أصدرت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب بيانًا، مساء الجمعة، نفت فيه بشكل قاطع التقارير التي تحدثت عن وفاة سجينين سياسيين داخل مركز الإصلاح والتأهيل "بدر 3"، كما نفت تمامًا حدوث أي إضراب داخل السجن. واعتبر البيان أن تلك الأنباء "عارية من الصحة"، مشددًا على أن المركز يدار وفق "أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
غير أن منظمات حقوقية مصرية ودولية تؤكد عكس ذلك تمامًا، مشيرة إلى أن بيانات الداخلية لا تعكس الواقع المأساوي داخل مقار الاحتجاز، بل تشكل جزءًا من سياسة ممنهجة للإنكار والتعتيم.
توثيق ميداني: وفاة سجين ومحاولة انتحار
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أكدت أن الانتهاكات داخل سجن بدر 3 "ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، مشيرة إلى أن إدارة السجن تتبع نمطًا منهجيًا في "التصفية النفسية والجسدية البطيئة" للمعتقلين، عبر الإهمال الطبي المتعمد وسوء المعاملة.
ووثقت الشبكة وفاة السجين السياسي محمد حسن هلال، في 8 أبريل/نيسان الجاري، بعد نقله في حالة حرجة إلى مستشفى القصر العيني لإجراء جراحة عاجلة بسبب نزيف في الجمجمة، جراء إصابات بالغة لم تحدد مصادرها. وقد سُلّم جثمانه لأسرته لدفنه فجر 10 أبريل، وسط حضور أمني مكثف.
وفي واقعة أخرى، نجا المعتقل الشاب علاء جمال (29 عامًا) من محاولة انتحار داخل محبسه، نتيجة ما وصفته الشبكة بـ"الظروف القاسية واللاإنسانية"، والتي دفعت بعض زملائه لإطلاق نداءات استغاثة. وتم نقل جمال لاحقًا إلى مستشفى مجمع سجون بدر بعد معاينة النيابة زنزانته.
إضرابات احتجاجية يقابلها صمت رسمي
استنادًا إلى معلومات موثقة حصلت عليها الشبكة الحقوقية، فقد أعلن عدد من المعتقلين السياسيين في بدر 3 دخولهم في إضراب عن الطعام، احتجاجًا على "الحرمان من الزيارات، والعزل الانفرادي، والتنكيل النفسي والجسدي"، وهو ما نفته وزارة الداخلية جملة وتفصيلًا.
وتساءلت الشبكة، ردًا على بيان الوزارة، "هل يتماشى حرمان المئات من المعتقلين من الزيارات والتواصل مع ذويهم لسنوات، مع ما تدّعيه الدولة من الالتزام بأعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان؟"
تضارب صارخ بين الروايتين
يرى حقوقيون أن بيانات الداخلية "روتينية ومنسوخة" ولا تقدم أي حقائق، بل تهدف إلى طمس الانتهاكات المتزايدة داخل السجون، وتبييض صورة النظام أمام الرأي العام المحلي والدولي. ويؤكد هؤلاء أن غياب الشفافية، ومنع الزيارات، والقيود على عمل منظمات المجتمع المدني، تجعل من المستحيل التأكد من الرواية الرسمية أو التحقق من صحة الأوضاع داخل السجون.
ويقول أحد المدافعين عن حقوق الإنسان، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "نظام السيسي لا يعترف أصلاً بوجود معتقلين سياسيين، فكيف يمكنه أن يقر بانتهاك حقوقهم؟" مضيفًا أن ما يجري في بدر وسجون أخرى "يمثل سياسة ممنهجة لإسكات المعارضة، تحت غطاء قانوني وأمني صارم".