وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية الرياض اليوم الثلاثاء، ليبدأ أولى جولاته في منطقة الشرق الأوسط منذ إعادة تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في يناير الماضي وتستمر الزيارة حتى الـ 16 مايو الجاري، وتشمل أيضًا دول قطر والإمارات.
ورغم الأهداف المعلنة، تُثار في الأوساط السياسية مخاوف من أن تُستخدم الزيارة كغطاء لممارسة ضغوط على دول الجوار، تمهيدا لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو عقد صفقات غير معلنة قد يتم الكشف عنها لاحقا.
فيما نوهت تقارير أخرى إلى أن زيارة ترامب قد تشهد بحث اتفاق سلام محتمل بين السعودية ودولة الاحتلال ، كما قد تفتح زيارة ترامب نافذة دبلوماسية لحل أزمة الحرب في غزة، خاصة مع الضغوط الأمريكية على دولة الاحتلال لتوقيع اتفاق هدنة مقابل مليارات الدولارات التى سيحصل عليها تحت شعار الاستثمار.
صفقات اقتصادية
ومن المتوقع أن تركز زيارة ترامب على إبرام صفقات اقتصادية ضخمة، خاصة في مجالات الدفاع والطيران والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
ومن المقرر أن يجتمع ترامب في الرياض مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، وسلطنة عمان، لمناقشة قضايا إقليمية مهمة مثل التهديدات الإيرانية، والتعاون الأمني والاقتصادي.
وتصاعدت التكهنات حول الزيارة في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد إعلان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن خطط لاستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي. ورد ترامب على ذلك قائلاً: "سأطلب من ولي العهد رفع الرقم إلى تريليون دولار، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا شركاء مميزون لهم".
ورغم أهمية الملفات الأمنية، رجحت التقارير أن تكون مسألة تطبيع العلاقات بين السعودية ودولة الاحتلال على قائمة أولويات هذه الجولة .
الحرب على غزة
فى هذا السياق قالت الباحثة الفلسطينية الدكتورة تمارا حداد، إن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تأتي أمام تحديات كبيرة، تثير الكثير من التساؤلات، لا سيما في ظل توقيتها الحساس وتاريخ مواقفه المتشددة تجاه القضية الفلسطينية خلال ولايته الأولى.
وأضافت تمارا حداد فى تصريحات صحفية : زيارة ترامب تأتي في ظل عدم توقف الحرب على قطاع غزة، وتحديات الوصول إلى اتفاقيات بين دولة الاحتلال ولبنان وتحديات مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني إضافة إلى معضلة الوصول إلى اتفاق مع الحوثيين ، في ظل استمرار ضربات الحوثيين على سفن البحر الأحمر، وفرض حصار بحري على الملاحة التجارية وحصار جوي على دولة الاحتلال، ما أدى إلى فرض تغيرات لإجراء تفاهمات من قبل الجانب الأمريكي قد تؤدى الى توقف مرحلي لإطلاق النار في غزة، إضافة إلى تفاهمات تعيد الهدوء لمنطقة الشرق الأوسط.
واشارت إلى أن زيارة ترامب تأتى أيضا في وقت يعاني فيه الشرق الأوسط من تصاعد التوترات خاصة في الأراضي الفلسطينية وفي ظل تطورات إقليمية معقدة تشمل تطبيع بعض الدول مع دولة الاحتلال، وتصاعد الحديث عن مشاريع لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية للمنطقة.
تهجير الفلسطينيين
وأوضحت، تمارا حداد أن طرح فكرة التهجير القسري للفلسطينيين أو توطينهم في دول الجوار ليست جديدة، فقد طُرحت سابقا بصيغ مختلفة في كواليس "صفقة القرن"، لافتة الى انه اذا كانت زيارة ترامب تتضمن بالفعل تحريك هذا الملف، فإنها ستتم على الأرجح عبر قنوات خلفية، باستخدام وسطاء من دول تربطها علاقات قوية بواشنطن خاصة في ظل رفض علني واسع لمثل هذه المشاريع.
وتوقعت أن يكون هناك إما ضغط ناعم باتجاه التطبيع الموسّع أو أن يحاول ترامب إحياء مشروع التطبيع بين دول عربية جديدة ودولة الاحتلال.
وكشفت تمارا حداد عن أن ترامب قد يعمل على ترويج مشاريع إعادة التوطين وطرح ملف مشاريع اقتصادية على حدود غزة، أو في سيناء ضمن مزاعم تحسين الظروف الإنسانية، لكنها قد تخفي أهدافًا ديموغرافية بعيدة المدى ومن المتوقع رفضها فلسطينيًا وإقليميًا.
ولفتت إلى أنه قد يتم استخدام وسطاء إقليميين للضغط غير المباشر على دول الجوار عبر حلفاء مشتركين لفتح قنوات تفاوض بشأن ترتيبات أمنية أو ديموغرافية، كما أن ترامب يريد تسويق نفسه كـ"صانع سلام"، ولا يُستبعد أن يحاول استخدام الزيارة كمنصة للزعم بأنه قادر على حل النزاعات في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك عبر صفقات مشكوك في عدالتها.
وقالت تمارا حداد إن زيارة ترامب تحمل ملفات عديدة، لكن يبقى نجاح هذه المساعي مشروطًا برفض شعبي ورسمي عربي واسع لأي حلول تتجاوز الحقوق الفلسطينية، أو تنتهك السيادة الوطنية للدول المجاورة.
أمريكا أولًا
وقال الباحث في العلاقات الدولية نعمان العابد، إن فهم تصرفات الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، يتطلب أولًا إدراك المبدأ الأساسي الذي تعتمد عليه هذه الإدارة، وهو: "أمريكا أولًا".
وأضاف "العابد"، في تصريحات صحفية أن الإدارة الأمريكية الحالية تضع المصلحة الأمريكية فوق كل اعتبار، وتسعى إلى استعادة الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية وفقًا للنهج الترامبي، الذي يعتمد على الحروب غير المباشرة، والضغط الاقتصادي، إلى جانب سياسة الترغيب والترهيب في التعامل مع دول العالم.
وأوضح أن هذا ما لمسناه من خلال ما تقوم به هذه الإدارة من محاولات لتبريد النزاعات حول العالم ومن ضمنها النزاع الروسي الأوكراني، وكذلك في الملف النووي الإيراني التي تتيح المجال لسياسة الدبلوماسية حتى هذه اللحظة رغم محاولات جزء من إدارة ترامب والمحيطين بالرئيس الأمريكي خاصة مستشار الأمن القومي السابق التناغم مع اطروحات نتنياهو وحكومة الاحتلال التي ترغب في زج الولايات المتحدة في التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط .
وأشار "العابد" إلى أن ترامب يعول كثيرا على زيارته لمنطقة الشرق الأوسط تحديدا دول الخليج العربي، لعقد صفقات اقتصادية تؤدي بنتائج ايجابية للاقتصاد الأمريكي، الذي يعاني من تقلبات السياسات سواء بالنسبة للإدارة الأمريكية السابقة أو الحالية ، لذلك قد تعد هذه الزيارة من أهم الزيارات التي ينظر إليها ترامب، ومن هنا لا يريد أن يعكر صفو هذه الزيارة أي عائق كان وتحديدا ما تقوم به حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة.
وشدد على أن ترامب يحاول عقد صفقة ما قد تكون مؤقتة في الموضوع الإنساني لأنه لا يمكن الحديث مع هذه الدول دون أن يعني أن تطرح هذه الدول موضوعات المذبحة البشرية وسياسة التجويع الممنهج لكل أبناء شعبنا في قطاع غزة.
اليوم التالي
ولفت إلى أنه يمكن أن يتجاوز الأمر إلى صفقة شاملة لمعالجة الوضع في غزة من حيث وقف العدوان ومن حيث بحث اليوم التالي ومن حيث معالجة الملفات الأخرى، لكن هذه بها صعوبة لأن الأطراف سواء الطرف الفلسطيني الممثل بحركة حماس أو الطرف الثاني وهو حكومة بنيامين نتنياهو غير جاهزين لهذه الصفقة الشاملة بالمعايير الأمريكية.
وقال ان الأمر بحاجة إلى تعاون أولا من حكومة بنيامين نتنياهو أو الضغط عليها للموافقة وهذا يعني ربما تفكك هذه الحكومة إذا ما وافقت على وقف العدوان وأيضا الضغط على حركة حماس للموافقة من خلال تنحيها عن الحكم وأيضا معالجة موضوع ملف السلاح، وكذلك في اليوم التالي في قطاع غزة الذي تطرحه الإدارة الامريكية ضمن هذا الحل الشامل أن تكون حكومة أو لجنة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ولا اعتقد أن حركة حماس أو شعبنا الفلسطيني أو حتى الوسطاء يوافقون على مثل هذه الطروحات.