يزيد صايغ: السيسي يظن أن معالم دولته تضمن بقاءه وهي سبب انهيار جمهوريته الثانية

- ‎فيتقارير

في ورقة بحثية يكاد يكون العنوان البارز لها “معالم دولة السيسي!” لمعهد كارنيجي للسلام قالت إنه “على المدى القصير، تبدو هذه الإجراءات سارية المفعول ولو نسبيا. ولكن على المدى الأبعد، قد تثبت الوسائل والأساليب التي يستخدمها لضمان بقائه أنها سبب انهيار “الجمهورية الثانية”.”.

ونشر الباحث يزيد صايغ ورقته عبر مركز كارنيجي التي وصف فيها مصر في عهد عبدالفتاح السيسي بـ”الجمهورية الثانية”، معتبرا أنه غير بنية الجمهورية الأولى “جمهورية الضباط” التي تأسست في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واستمرت حتى ثورة يناير 2011. وخلاصة الدراسة من عدة جوانب.

البنية والتكوين:

أشار إلى أن نواة الانقلاب تتكون من دائرتين أساسيتين: الأولى داخلية، وتسمى “خلية العمل” (على رأسها السيسي وتضم أشخاصا مثل ابنه محمود وكامل الوزير وعددا من أشد المقربين).

والثانية: خارجية تتكون من عشرات من كبار الضباط والمسئولين (مثل أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومديري الهيئات العسكرية الرئيسية والوزراء الرئيسيين ومحافظ البنك المركزي) الذين ينقلون قرارات الدائرة الأولى إلى المستويات الأدنى.

الدائرة الثالثة: وتتكون من ضباط الجيش والأمن – عادة من المتقاعدين – والبيروقراطيين الذين يتولون رئاسة أجهزة الدولة المهمة والمجالس الوطنية وما شابه.

الدائرة الرابعة: وتتشكل من البيروقراطيين والضباط العاملين في الخدمة من الرتب المتوسطة والذين يؤيدون النظام لأنه يحافظ على عملية تغيير سريع في القيادات، مما يعني ضمنيا أنهم موعودون بالترقي والحصول على المكاسب المادية في المستقبل.

قوة الجيش

واستنبط الباحث أن “الجيش هو القوة الأساسية التي يعتمد عليها السيسي، وهناك جدل بشأن من منهما يتحكم أكثر في الآخر، والأرجح أن الجيش في موقف أقوى. لكن ليس هناك مبرر للنزاع بين الطرفين طالما المصالح الأساسية للقوات المسلحة المصرية مضمونة ومحفوظة”.
 

وعن سؤال: لماذا هي “جمهورية ثانية”؟  قال: “مثلت ثورة يناير هاجسا للسيسي – ومن قبله الجيش – فقرر تفكيك أي قوى سياسية أو اقتصادية يمكن أن تتحدى حكم “جمهورية الضباط” التي تشكلت مع ثورة 1952″.

وأضاف أنه “لذلك امتنع السيسي عمدا – عكس ما فعل عبد الناصر وأي رئيس طبيعي – عن إنشاء آلية للتعبئة السياسية الجماهيرية (حزب سياسي حقيقي)، وعن التحالف مع رأس المال المحلي (واكتفى بالخارجي) حتى لا تظهر أي مراكز قوى بعيدا عن شخصه، وبدلا من ذلك اعتمد على 4 ركائز وهي القمع المفرط والسيطرة الكاملة على الإعلام وخطاب التلقين التآمري وكوادر شبابية وبيروقراطية غير مسيسة ولكن موالية.

ورأى الباحث أن “السيسي لم يعد واثقا في بيروقراطية الدولة وعمل على تكوين كوادر جديدة موالية له مباشرة، ويحكم بمجموعة ضيقة، ولم ينشئ حزبا حاكما (حيث يخشى من تكرار تجربة الحزب الوطني نفسه!) ولا تحالفات راسخة مع فئات اجتماعية مهمة كالطبقة الوسطى التي أيدت رؤساء سابقين بدرجات”.

وأن بديله في ذلك كان “محاولة إنشاء “نخبة إدارية من التكنوقراط موالية سياسيا” بعد حصولها على تدريب عسكري، وأيضا عبر تغلغل ضباط من الجيش في كل مؤسسات الدولة المدنية، على أن يتم توزيع المكافآت مقابل الولاء”.

موقفه من رجال الأعمال

وأوضح يزيد صايغ ان القوات المسلحة لطالما اعتبرت طبقة رجال الأعمال منافسا سياسيا محتملا، خاصة خلال العقد الأخير من حكم مبارك، عندما تحالفوا مع جمال مبارك ضد نفوذ الجيش، ولذلك سحب السيسي الاقتصاد من رجال الأعمال وأصبحوا يتعرضون للابتزاز الدائم، وتم منعهم من المشاركة بصنع السياسات الاقتصادية.

واستدل على رؤيته أن أنشطة القطاع الخاص غير النفطية انكمشت في 93 شهرا من أصل 108 أشهر في ظل حكم السيسي، لدرجة أن حصة القطاع الخاص حاليا أقل من نظيرتها في ظل اشتراكية عبد الناصر بالستينيات!

واستكمالا لاستدلاله، أشار إلى أنه “في المقابل يحصل الضباط على مصادر دخل إضافية من خلال إنشاء شركات صغيرة للفوز بعقود من الباطن في مشاريع كبيرة يديرها الجيش أيضا، لذلك فإن المشاريع الكبرى لا تتوقف أبدا مهما كانت الأسباب أو الظروف (بما فيها أزمة كورونا).

وأشار إلى أن السيسي نقل أصول الدولة إلى هيئات شبه حكومية يشرف عليها بنفسه مثل (صندوق تحيا مصر)، و(صندوق مصر السيادي)، و(الهيئة الهندسية) الممولة من الجيش وتسيطر على نحو 40% من مشاريع المساكن والبنية التحتية الحكومية، ويمتلك الجيش 51% من العاصمة الإدارية، بالإضافة إلى (هيئة مشروعات الخدمة الوطنية) الخاضعة لوزارة الدفاع، و جهاز (مستقبل مصر للتنمية المستدامة) الذي تديره القوات الجوية، وكل هذا لا يخضع للرقابة، باختصار أنشأ الرئيس دولة موازية (Parallel State)..

الشركاء الخارجيون

وفسر يزيد صايغ كم الاستحواذ الخليجي على الأصول في مصر أنه “لأن هذا النوع من الاقتصاد السياسي يعيق نمو القطاع الخاص وتوليد المدخرات والاستثمارات المحلية، فإن إدارة السيسي اعتمدت بشكل كبير على الشركاء الخارجيين بدلا من طبقة رجال الأعمال المصريين للحصول على الدعم السياسي وتدفقات رأس المال. (نحو 200 مليار دولار من القروض والمنح والمساعدات والاستثمارات السياسية منذ 2013)”.

وأعتبر أن “تمكين القوات المسلحة اقتصاديا يحولها إلى “برجوازية جديدة”، حيث يندمج كبار الضباط وكبار البيروقراطيين، مع نخبة الطبقة المتوسطة العليا الصاعدة التي لم تصبح شريكا سياسيا ولا تتمتع بحق النقض في الاقتصاد كما كانت في عهد مبارك، ولكن تقارب مصالحها مع مصالح الطبقة الحاكمة الجديدة قد يغير في نهاية المطاف طبيعة النظام خلال السنوات القادمة”.

العنف مصدر الشرعية

وأكد الباحث الأول بمركز كارنيجي أن “استعداد النظام لاستخدام العنف كان مصدرًا رئيسيًا لشرعيته بين قطاعات الشعب المصري التي اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين، التي تولت الرئاسة لفترة وجيزة وهيمنت على البرلمان بين عامي 2012 و2013، تهديدًا وجوديًا لأسلوب حياتهم. الأكثر من ذلك أن الأجهزة الأمنية محصنة عن المحاسبة وتقمع بشكل “لا مركزي”، بمعنى أن صغار الضباط لا يحتاجون للرجوع إلى رؤسائهم عند ممارسة القمع! “.

وخلص إلى أن الانقلاب “نظام” أثبت “عجزه عن تطوير أيديولوجية اجتماعية جامعة بسبب الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة وعدم المساواة، ورفض تشكيل تحالفات طبقية حقيقية، وضيق دائرة المستفيدين من النظام”.

وأكد أن “السيسي” “غير راغب في إجراء الإصلاحات توسع المشاركة الاقتصادية والادخار والإنتاج خارج نطاق الأنشطة والمجالات التي تسيطر عليها الدولة، وأًصبح شعار المرحلة “لا شيء بالمجان”.

وأن الاجراءات التي يظنها فاعلة في بقائه هي تفكيك السياسة تماما .. وتقويض العمل الأهلي .. وسيطرة على الأجهزة الرقابية ..وأصبح البرلمان خارج الخدمة تقريبا ..وعدل الدستور ليعين نفسه وصيا على القضاء.

وأنه بهكذا اجراءات “أفرغ مؤسسات الدولة من محتواها لتتحول إلى كيانات هشة، لمصلحة دولة موازية يقودها عدد قليل من المقربين”، بالإضافة إلى انه “وسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وأزال الخط الفاصل بين الطبقتين المتوسطة والعاملة، وعمل على إعاقة ظهور طبقات اجتماعية مستقلة”.

وثبت أن الوسائل والأساليب التي يستخدمها لضمان بقائه أنها سبب انهيار “الجمهورية الثانية”.

https://carnegieendowment.org/research/2025/05/the-second-republic-the-remaking-of-egypt-under-abdel-fattah-el-sisi?lang=en¢er=middle-east