كيف منح السيسي أراضي الشباب لكبار الجنرالات والمستثمرين لبناء “جمهوريات الكومباوندات”؟!!

- ‎فيتقارير

 

بينما يحلم آلاف الشباب في مصر بالحصول على قطعة أرض يبنون عليها مستقبلاً، تكشف الوقائع المتكررة عن سياسة منهجية تستولي من خلالها السلطة على الأراضي المخصصة لمشاريع الإسكان الشبابي، لتمنحها إلى شركات تابعة للجيش، أو لرجال أعمال مقربين من نظام الانقلاب العسكرى، على رأسهم هشام طلعت مصطفى، لبناء مجمعات سكنية مغلقة (كومباوندات) مخصصة للأثرياء، بأسعار خيالية تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات للمتر الواحد.

تحت شعار "الاستثمار العقاري"، تُرتكب جريمة ممنهجة بحق الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل، إذ يُجرَّد هؤلاء من حقهم الدستوري في السكن، بينما تتكدس الثروات في يد نخبة محظية تحظى بحصانة سياسية واقتصادية. فعلى أطراف المدن الكبرى، شُيّدت الكومباوندات على أراضٍ كانت مخصصة في الأصل لمشاريع إسكان الشباب، ليتحول الحلم الجماعي إلى عزلة طبقية محمية ببوابات إلكترونية وأسوار مرتفعة.

من مشروع "جنوب" التابع لشركة "الشرقيون" إلى "سيدي حنيش" و"سيدى عبد الرحمن"، تتكرر المشاهد ذاتها: شركات تتنصل من تعهداتها، عقود إذعان، غياب للرقابة، وتواطؤ فاضح من الجهات الرسمية. تتنقل الشكاوى بين أروقة هيئة المجتمعات العمرانية وجهاز حماية المستهلك بلا طائل، بينما تُستخدم الأحكام الغيابية والتلاعب القانوني لإجبار المالكين على توقيع عقود مجحفة أو التخلي عن ممتلكاتهم.

في خلفية هذه الكارثة الممتدة، يبرز المشهد الأكثر خطورة: رجال أعمال مدانون في قضايا تزوير واختلاس، كحال محمد هاني العسال، ما زالوا يهيمنون على السوق العقارية، ويُمنحون امتيازات في العاصمة الإدارية الجديدة ومناطق حيوية أخرى، رغم إدانتهم وهروبهم خارج البلاد. وفي المقابل، يُلاحق السكان العاديون قضائياً لمجرد مطالبتهم بحقوقهم.

لم يكتف النظام بتحويل الأراضي إلى صفقات محصنة، بل دعم هذه "الجمهوريات العقارية" بسلطات مطلقة، حيث تُستخدم القوة والبلطجة لقمع المعترضين، وتُمارس ضغوط شتى كقطع المياه والكهرباء، أو اقتحام المنازل لفرض إرادة المطورين على الملاك.

من "دريم لاند" غرب العاصمة، إلى "بيفرلي هيلز" في الشيخ زايد، تتوالى فضائح الغش الإنشائي، وانهيارات المباني، وتفاصيل الرعب اليومي الذي يعيشه السكان. هؤلاء لم يعودوا ضحايا لمجرد فساد مالي، بل أسرى لنظام عقاري بأكمله تحوّل إلى ذراع سياسية تخدم مصالح فئة محددة على حساب الشعب.

ويجمع خبراء على أن غياب التشريعات الرادعة هو ما جعل من هذه المجمعات "جحيماً محاطاً بالبوابات"، في ظل تضارب المصالح بين الأجهزة الحكومية والمستثمرين، وافتقاد أي آلية رقابية تربط بين الجهات الرسمية لحماية المستهلكين.

هكذا، وبأوامر عليا، تتحول الأراضي التي دُشنت لـ"تمكين الشباب" إلى حصون للأثرياء، تُباع بالمتر الواحد بما يتجاوز راتب المواطن في عام كامل. وبينما ينشغل الإعلام الرسمي بالترويج لنجاحات وهمية، يواجه السكان الواقع: لا خدمات، لا أمن، لا قانون… فقط جمهوريات مستقلة خارج رقابة الدولة، تديرها شركات تحتمي بنفوذها لا بعقودها.

في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال: من يحاسب السيسي عندما تُسرق أرض الوطن من أبنائه؟