لماذا تفقد مصر توزانها الإقليمي وتتحول من وسيط لشرطي حدودي بسبب مسيرة إنسانية

- ‎فيتقارير

مصر والسيسي.. لماذا تفقد القاهرة توازنها الإقليمي أمام قافلة إنسانية؟

في لحظة سياسية شديدة الحساسية، تكشف الإجراءات القمعية التي اتخذها نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي ضد المتضامنين الدوليين المشاركين في "قافلة الصمود إلى رفح" عن توتر متصاعد في علاقات مصر الإقليمية، وعن فقدان القاهرة تدريجيًا لدورها الرمزي كوسيط في الملف الفلسطيني، وتحوّلها إلى طرف متواطئ مع الحصار أكثر منها قوة مستقلة.

 تحوّل الدور المصري من الوسيط إلى "الشرطي الحدودي

خلال العقود الماضية، كانت مصر — رغم كل التحفظات — تُقدَّمُ كوسيط عربي بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وبوابة عبور رئيسية للمساعدات إلى غزة، لكن مشهد طرد متضامنين من جنسيات أوروبية وأمريكية وعربية، ومصادرة هواتفهم، واحتجازهم في فنادقهم بالقوة، كشف أن النظام المصري بات يتصرف وكأنه ينفّذ أجندة غير مصرية، أقرب إلى المطالب الأمنية الإسرائيلية منه إلى واجباته القومية أو الإنسانية.

 هذا التبدّل يُضعف موقع مصر أمام الفصائل الفلسطينية، ويعزّز من نفوذ لاعبين إقليميين آخرين، مثل قطر وتركيا، اللذين حافظا على خطاب أكثر انسجامًا مع نبض الشارع العربي.

 أزمات التحالف مع إسرائيل

هل أصبحت القاهرة مرتهنة؟ طلب وزير الحرب الإسرائيلي كاتس علنًا من مصر منع وصول "نشطاء أجانب" إلى حدود غزة، بحجة التهديد الأمني، ورغم سلمية القافلة وطابعها الإنساني، استجابت القاهرة لهذا الطلب بشكل كامل، في خطوة تُعدّ مهينة دبلوماسيًا، وتؤكد ما يراه كثيرون من تحول العلاقة المصرية الإسرائيلية من "تعاون مشروط" إلى "تبعية ميدانية".

 هذه الاستجابة العلنية أثارت استياء قوى عربية عدة، وعلى رأسها الجزائر وتونس، اللتين تنظران لموقف مصر بوصفه خضوعًا مهينًا للضغوط الصهيونية، كما تسببت الحادثة في إحراج كبير داخل أوساط الجامعة العربية التي كانت تسعى لتنسيق موقف موحد لرفع الحصار عن غزة.

 ارتباك في علاقات القاهرة مع قوى المقاومة

رفض مصر السماح بمرور القافلة، ثم قمع المتضامنين داخل أراضيها، أحدث صدمة داخل دوائر المقاومة، خصوصًا حركة حماس، التي طالما تعاملت مع القاهرة كمنفذ اضطراري للتنفس في ظل الحصار الخانق.

 الرسالة التي وصلت من القاهرة الآن، بصيغتها الأمنية العنيفة، مفادها: لا مجال لأي تحرك شعبي أو دولي على حدود غزة دون إذن إسرائيلي – وهو ما يُضعف كليًا الثقة بمصر، ويجعل الفصائل أكثر ميلًا للاحتماء بقوى إقليمية أخرى.

 خسارة رمزية وأخلاقية في الشارع العربي من منظور الصورة العامة

خسر النظام المصري جولة جديدة في معركة الوعي العربي، فقد كانت "قافلة الصمود" بمثابة لحظة نادرة تجمع فيها ناشطون من أكثر من 30 دولة خلف شعار إنساني بسيط: "افتحوا رفح".

 لكن السلطات المصرية اختارت أن تتعامل معهم كما لو أنهم خلية إرهابية، هذا السلوك الوحشي طعن مجددًا في صورة مصر كـ"قلب العروبة النابض"، وزرع مزيدًا من الشك حول استقلالية قرارها الإقليمي، مما يعمّق عزلتها حتى بين حلفاء تقليديين، كالأردن والمغرب.

 خاتمة:

 عندما تترنّح القاهرة تحت ظل "الخوف" ما جرى مع قافلة الصمود ليس مجرد حادثة أمنية، إنه مؤشر على أن النظام المصري بات يرتعد من تحرك شعبي سلمي قد يُحرجه أمام شعبه، قبل أن يحرجه أمام العالم، لكن الأسوأ أن هذا الارتعاش يُفقده هيبته الإقليمية، ويدفع دولًا أخرى لتصدر المشهد العربي، بينما تنكمش القاهرة خلف الأبواب المغلقة لمعبر رفح.

إذا استمر هذا النهج الأمني المعادي لأي تضامن إنساني أو تحرك شعبي حر، فإن النظام المصري سيخسر أكثر من صورته، وربما يخسر الموقع التاريخي لمصر في الإقليم، لصالح قوى إقليمية أكثر استقلالًا وجرأة.