العقارات الآيلة للسقوط خطر كبير يهدد حياة كثير من المصريين خاصة في الأحياء القديمة والمناطق العشوائية ذات الكثافة السكانية.
ملامح هذه الكارثة تجسدت في انهيار عقار السيدة زينب، وبعد يومين فقط انهار عقاران آخران في حي حدائق القبة، ثم انهيار عقار بشبرا اليوم، ما يؤكد أن رؤساء أحياء محافظة القاهرة غير قادرين على حماية أرواح المواطنين، أو مواجهة هذه الأزمة المتصاعدة .
أحياء محافظة القاهرة ومسئوليها أصبحوا خارج دائرة المسئولية، حيث لا رقابة ولا متابعة حقيقية، فقط تصريحات شكلية لا تغطي حجم الكارثة، والمواطن يدفع الثمن، ومصيره محكوم بإهمال وتقصير لا يُغتفر.
بحسب البيانات الرسمية، تتجاوز أعداد العقارات الآيلة للسقوط عشرات الآلاف على مستوى الجمهورية، ورغم أن غالبية تلك المباني مُدرجة في كشوف أجهزة الحكم المحلي بأنها «خطر داهم» منذ سنوات، فإنه لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة نحوها، ويتم ترك المباني المأهولة بالسكان لحين حدوث كارثة مُروّعة تزهق أرواح الأبرياء.
قنابل موقوتة
حول انهيار عقارين في حدائق القبة قال سمير محمد، أحد سكان المنطقة: إن "موظفي حي حدائق القبة لا يظهرون في الشارع، إلا لتحصيل الإتاوات من الباعة الجائلين أو للجلوس على المقاهي، بينما المخالفات تتواصل جهاراً نهاراً أمام أعين الجميع، وبعلم تام من إدارات المتابعة والتنظيم، دون أي تدخل يذكر".
وأضاف «سمير» أن المباني المخالفة تواصل الارتفاع، ورئيس الحي يلتزم الصمت، حتى إذا خرجت فضيحة أو تم تداول صور على مواقع التواصل، يبدأ تحرك مصطنع، حيث يظهر رئيس الحي بصحبة عدد من موظفي المتابعة، يلتقط الصور وهم يهدمون حائطاً هنا أو هناك، ثم ينسحبون سريعاً من الموقع، ويترك المقاول ليكمل البناء بعد ساعات معدودة، وكأن شيئا لم يكن.
وأشار إلى أن الوقائع تشبه المسرحيات المصورة، حيث تنشر لاحقاً على الصفحات الرسمية والشخصية، في محاولة لتلميع الصورة أمام محافظ القاهرة، إبراهيم صابر، بينما الواقع على الأرض يقول إن من يفترض بهم مواجهة المخالفات هم جزء أصيل من استمرارها .
واعتبر «سمير» أن انهيار عقارين في حدائق القبة ليس حادثاً عارضاً، بل نتيجة مباشرة لفساد مفضوح، وإهمال ممنهج، وغياب كامل للرقابة والمحاسبة، الأهالي يعيشون وسط قنابل موقوتة من الخرسانة، والمسئولين يتهربون من الحفاظ على أرواح سكان حي الحدائق القبة .
حياتنا بقت لعبة
وقال أحمد عبد الهادي أحد سكان حدائق القبة : "بصراحة مش عارف أعيش ولا أموت، العقارات حوالينا تنهار، وحياتنا بقت لعبة في يد ناس مش مهتمة، لا رئيس الحي، ولا مديرة الإسكان، ولا حتى موظفي المتابعة يطلعوا يشوفوا خوفنا" .
واضاف عبد الهادي : منذ فترة وأنا أصرخ ونادي، أبلغ عن أبنية متهالكة ، عقارات عمرها فوق الستين سنة، واللي لازم حد يشوف حالها قبل ما تقع علينا، بس كل ده قوبل بالصمت، صمت قاتل من حي حدائق القبة .
وتابع : بنشوف موظفين الحي بيجوا يلموا فلوس من البياعين، ويقعدوا في القهاوي، لكن لما نحتاج منهم يحافظوا على حياتنا ومنازلنا.. فينهم؟ رئيس الحي ومديرة الإسكان يتجاهلون النداءات وكأننا مش بني آدمين.
واستطرد عبد الهادي قائلاً : أنا خايف على عيالي وعلى جيراني، عايشين في رعب دائم من أن عقار ينهار فجأة ويحصد أرواحنا، ومش بس خوف، دي صرخة من قلب مكسور، أن المسئولين يتحركوا ويحمونا بدل ما يتهربوا ويختبئوا .
وشدد على ان حدائق القبة مش بس شوارع ومباني، دي أرواح وأهل، وإحنا مش مستنيين كارثة تانية عشان نسمع صوتنا.. إحنا نطالب بالحق في الأمان والحياة الكريمة، مش لعبة إهمال ومصالح شخصية .
حي حدائق القبة
فجّر مهندس بمنظومة الإسكان لمحافظة القاهرة، مفاجأة من العيار الثقيل، وكشف عن تفاصيل تقاعس إداري خطير في إدارة الإسكان لحي حدائق القبة، مما ساهم بشكل مباشر في وقوع كارثة انهيار عقارين بالمنطقة، مؤكداً أن الإشارة بالتحرك وصلت إلى المسؤولين قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، لكنهم لم يحركوا ساكناً.
وقال المهندس: إن "إدارة الاسكان أرسلت إشارة رسمية موجهة إلى مُلاك العقارات تطالبهم بإعداد تقارير (صالِبات) وتقديم كشوف تفصيلية عن حالة المباني، وتم ذلك منذ أكثر من 45 يوماً، مشيراً إلى أن هذه الإشارة كان يجب أن تُتابع من قِبَل مديرة إسكان حدائق القبة، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء على الأرض.
وأضاف، هذا تقصير فج في صميم العمل المحلى، المتابعة لم تتم، وكأن الأمر لا يعنيهم رغم أن العقارات المنهارة يعود بناؤها إلى ما قبل عام 1960، أي أنها مدرجة ضمن المباني القديمة المهددة بالسقوط، والتي تحتاج إلى رقابة استثنائية ومستمرة من مديرة إسكان حي حدائق القبة.
إجراءات متأخرة
وأشار المهندس، إلى أن التقاعس عن المتابعة والتحقق من تنفيذ ما ورد في الإشارة الرسمية هو سبب مباشر في الكارثة، موضحاً أن العقارات انهارت بعد تجاهل كامل لإجراءات السلامة والرقابة من الحي، ما كان يمكن أن يؤدي إلى مجزرة حقيقية لولا الأقدار.
وتابع: بعد الانهيار، اضطرت الجهات المختصة إلى إخلاء 4 عقارات مجاورة للعقارين المنهارين كإجراء احترازي، وأحد العقارات كان خالياً من السكان، وآخر كانت تسكنه شقتان فقط، هذه الإجراءات جاءت متأخرة، وتمت بعد وقوع الكارثة، وليس قبلها، رغم وجود تحذيرات موثقة .
ووجّه المهندس اتهاماً صريحاً بالتقصير إلى كل من مديرة الإسكان ومدير التنظيم بحي حدائق القبة، محمّلاً إياهما المسئولية المباشرة عن الكارثة بسبب غياب المتابعة، والتقاعس عن تطبيق الإجراءات الوقائية رغم توفر المعلومات والتحذيرات المسبقة.
أرواح بشرية
ووجه مدير إسكان بمحافظة القاهرة الإجراءات جاءت متأخرة انتقادات لاذعة للطريقة التي تم بها التعامل مع حادث انهيار عقار مكون من أربعة طوابق وطابق أرضى في منطقة السيدة زينب، مؤكداً أن ما جرى من عمليات تنقيب وانتشال ضحايا تحت الأنقاض تم بطريقة خاطئة، وافتقد أبسط معايير السلامة المهنية والإنسانية.
وقال المسئول: إن "استخدام الجرافات والمعدات الثقيلة فوق العقار المنهار في وقت لا يزال فيه سكان عالقين تحت الركام، هو تصرف غير مسئول يعكس تخبطاً في إدارة الأزمة، قائلاً: كيف يتم تحريك معدات بهذا الحجم دون التأكد من خلو المكان تماماً من الضحايا؟. هذا يعرض الأرواح المتبقية لخطر القتل بدل الإنقاذ".
وطالب بضرورة وجود خطة تدخل مدروسة تعتمد على فرق متخصصة في الإنقاذ السكني، وليس فقط معدات الهدم والإزالة، مشدداً على أن السرعة في رفع الأنقاض يجب ألا تكون على حساب الأرواح البشرية.